علاوة على أن منطقة الشرق الأوسط تعيش حياةً بائسة وعلى غير ما يُرام، حيث الصراعات على أشكالها وبلا انقطاع، وسواء كانت سياسية خلافية أو عسكرية دامية، فقد برزت إلى السطح إشكالية صراع جديدة، وهي تلك التي نشأت من غير أن يتوقعها أحد، بين المملكة السعودية وإيران، على اعتبار أن الكل كان في انتظار لحظة الإعلان، عن بناء علاقات إيجابية أكبر بين البلدين، خاصة وأنهما كانتا في حالة مباحثات وُصفت بالمُهمّة والضرورية، لزيادة مقادير الثقة ومجالات التعاون فيما بينهما.
فقد رأينا كيف انقلبت المساعي التعاونيّة إلى صراعية، وذلك في أعقاب الغضب الإيراني الكبير نتيجة قيام المملكة، بإعدام 47 شخصاً أدينوا بتهم الإرهاب، ومن بينهم رجل الدين الشيعي السعودي “نمر باقر النمر” باعتباره لديها، أحد أبرز مُشعلي الفتنة الطائفية والخروج بالقول الجهر على وليّ الأمر، حيث قامت الدولتان بتخفيض يافطات التودد والاقتراب، وإعلاء رايات المُباعدة والاحتراب.
الاستهجان السعودي لردة الفعل الإيرانية، بشأن تنفيذ الحكم باعتبار “النمر” سعودي الجنسيّة، وباعتباره محظورٌ عليها الاعتراض، لم يكن هو السبب الأعلى في تصعيدها الحاصل، فهناك أسباب حقيقية أخرى، كانت وراء اشتعال الأزمة على نحوٍ أكبر.
فعلاوةً على أن إيران تثبت بوضوح – بالنسبة للسعودية-، دعمها لمناوئي الحكم في البلاد، فهي ترى بأن نجاحها، في كسب اتفاق نووي مع الدول الكبرى (5+1) من جهة، ما يُسهل أمامها الطريق نحو امتلاك القوة النووية، وإن بعد وقتٍ ما، وسعيها من جهةٍ أخرى، نحو ترتيب مشكلات للمنطقة العربية، لزرع الشقاق والفتنة، وصولاً إلى بسط هيمنتها على المنطقة والسيطرة على مقدراتها، ما يؤهلها لأن تكون عدواً حقيقياً.
وبالمقابل، فإن إيران ترى بأن السعودية، هي من تقود نحو مناوئتها، وهي من تعمّدت تنفيذ الإعدام نكايةً بها، واستفزازاً لهيبتها، وهي من تُصر على نسيانِ مكانتها، وتُدلل على ذلك، في إقدامها على تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، دون توجيه دعوة لها للمشاركة فيه، وما أعقبه من قيامها بإنشاء مجلس تعاون اقتصادي وعسكري مع تركيا، إضافةً إلى انخراطها في التحالفات الدولية التي تم إنتاجها لمحاربة الإرهاب.
كما أن مسألة تواجدهما وجهاً لوجه في كلٍ من سوريا والعراق واليمن ومناطق ساخنة أخرى، فإن الاختلاف المذهبي وصراع النفوذ السياسي، كانت من الأسباب المألوفة، التي تكشف عن مدى شدّة الصراع بينهما.
إذا غضضنا الطرف عن جملة التهديدات العسكرية المتبادلة باعتبارها غير واردة، فإن هذه الأزمة ألقت بظلالها على المنطقة والعالم أيضاً، فعلاوة على تحركات عير سارّة طغت على المستويات الاقتصادية والمصلحية الأخرى، فإن سياسات إقليمية ودولية تأثرت بالأزمة وخاصة العربيّة، حيث كشفت مرة أخرى عن انقسامات حادّة في مواقفها حيالها، وكأنّها أصبحت صراعات عربية- عربية.
فقد سارعت دول عربيّة عِدّة إلى اتخاذ مواقف شاجبة تأييداً للسعودية، ومن ثم قامت إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران ومنها البحرين والكويت والسودان وموريتانيا وغيرها، وأعلنت دول عن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وسارعت أخرى، إلى تخطيئ السعودية وتأييد إيران، كـ سورية وسلطنة عُمان والعراق، حيث طالب مسؤولون عراقيون صراحةً بالانضمام إلى شحب الخطوة السعودية، وهناك دول وجهات عربية أخرى، وكأنها أحجمت عن التصويت.
بناءً على توقعات العديد من الخبراء السياسيين عرباً وغربيين، من أن الخطوة السعودية محفوفة بالمخاطر، باعتبار أن قرارها قطع العلاقات مع إيران هو متعجّل وخاطئ، فإن إيران أعلنت بأن قطع العلاقات معها لن يضرها في شيء، لكن هذا ليس دقيقاً بالضبط، تماماً كما هو حال السعودية، الذي سيتضرر أيضاً، باعتبارهما معاً، اختارتا المواجهة بدل التعاون.
ويأني الضرر الأكبر- بغض النظر عن رفع مستوى التوتر المذهبي (السنّي- الشيعي)، الذي أصبح منتشراً وأكثر من أي وقتٍ فائت- عندما تُصرّ السعودية على تشكيل تحالفٍ ضد إيران، وفي ضوء اعتمادها على الولايات المتحدة، وعندما تُصر إيران على وجوب تعريف السعودية بقوتها العسكرية الذاتية، وإصرارها الأكبر باتجاه الدفع بالتنسيق أكثر مع روسيا، الأمر الذي سيُكوّن المزيد من التعقيد في المشهد الإقليمي ككل، والذي من شأن توابعه المؤلمة، في أنها لن تقوم بالتفريق بين المسلمين والمؤمنين وحسب، بل ستتنقل إلى منافع وخدمات إلى إسرائيل، والتي يدور حديثها، عن فرصة إضافيّة مهمّة للاقتراب أكثر من الرياض.