” نحن نحاول بأقصى ما في وسعنا تجنب حدوث تصعيد جديد، ونتعامل فقط مع الإجراءات والخطوات التي تم اتخاذها ضدنا”. هكذا ردّ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على سؤال مجلة الإيكونوميست البريطانية عن قطع المملكة للعلاقات الديبلوماسية مع إيران في لقاء مطول أجروه معه في 4 يناير/ كانون الثاني.
الأمير محمد بن سلمان قال للإيكونوميست أنّ إيران وقفت تتفرج على المتظاهرين وهم يحرقون مقر السفارة السعودية في طهران وحتى لا يكون موقف إيران محرجاً وصعباً قطعنا العلاقات الديبلوماسية خشية حدوث تصعيد إيراني اتجاه أحد أفراد البعثة الديبلوماسية وعوائلهم وقال ” تخيل لو أن أي دبلوماسي سعودي أو أحد أفراد أسرهم أو أطفالهم تعرضوا للهجوم في إيران، حينها سيكون موقف إيران أكثر صعوبة”
بعد الحادثة تم مناقشة الاعتداء على هامش جلسة في مجلس الأمن وأرسلت إيران اعتذاراً إلى هيئة الأمم المتحدة عمّا حدث لمقر البعثة الديبلوماسية السعودية في طهران وتعهدت أنّ هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى، بينما أدانت الأمم المتحدة هذا الإعتداء وطلبت من إيران حماية البعثات الأجنبية المتواجدة على أراضيها حسب المواثيق والعهود الملتزمة بها أمام هيئة الأمم المتحدة.
واستغرب الأمير من المظاهرات والاحتجاجات التي حصلت في طهران والتي تم فيها مهاجمة السفارة السعودية وقال ” شيئاً غريباً، أن تكون هناك مظاهرات ضد المملكة العربية السعودية في إيران. ما علاقة إيران بمواطن سعودي ارتكب جريمة داخل المملكة، وقراراً اتخذته محكمة سعودية ما علاقة إيران بذلك. إذا كان هذا يثبت شيئاً فهو يثبت أنّ إيران حريصة على توسيع نفوذهاعلى حساب دول المنطقة”.
وعلى الرغم من حدّة التوتر الحاصل بين البلدين في السنوات الأخيرة من جراء تدخل إيران في سوريا عسكرياً ودعمها المستمر للنظام السوري ومساندة الحوثيين ضد المقاومة الوطنية ومساعيها للتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي، إلا أنّ “المملكة لن تسمح بوقوع صدام عسكري مع إيران لإنه سيؤدي بكارثة ستنعكس على بقية دول العالم، وأياً كان من يدفع في هذا الاتجاه فهو شخص لا يتمتع برجاحة العقل” على حد وصف الأمير.
وفي سؤاله عن تصريحات إيران بعد إعدام عالم الدين الشيعي “نمر النمر” التي جاءت على لسان وزير خارجيتها بأن هذا الحكم يؤشّر على عدم الحكمة واللاشعور بالمسؤولية لدى السعودية وتصريحات أخرى تؤكد أنّ الرياض ستدفع ثمناً باهضاً لهذا الإعدام.
ردَّ الأمير أنَّ إيران تحاول التدخل بالشؤون الداخلية للمملكة ولذلك جاء قطع العلاقات الديبلوماسية و” أنّ إعدام النمر جاء بعد محاكمة عادلة وكان لكل المتهمين في القضية ال 47 الحق في توكيل محامين وجلسات المحاكمة كانت في العلن وسُمح فيها للإعلام بالتغطية الإعلامية مشيراً إلى أنّ الحكم لم يفرق بين سني وشيعي”.
وقد دار نقاش بين صحفيي المجلة والأمير محمد بن سلمان على الصعيد الاقتصادي؛ حيث لا تزال السعودية مستمرة في ضخ كميات كبيرة من النفط لإغراق السوق بالمعروض والحؤول دون ارتفاع الأسعار وكسر الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد في ميزانيته على 70 % من إيرادات النفط، وبهذا تستطيع السعودية تحجيم اقتصاد إيران خصوصاً بعد الاتفاق النووي الإيراني مع دول الخمسة + 1 الذي تضمن رفع العقوبات المفروضة على طهران في مجال الطاقة والتمويل، وعليه فإن إيران ستستعيد حصتها الإنتاجية من النفط في أوبك البالغة 3.8 مليون برميل التي انخفضت إلى 1.5 مليون برميل بعد فرض العقوبات عليها.
إلا أنّ المملكة تعتمد أيضاً في ميزانيتها العامة على 75 % من إيرادات النفط وبانخفاض سعر النفط إلى حدود 35 دولار للبرميل حققت الممكلة عجزاً السنة الماضية 2015 وصل لنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي وفي سؤال المجلة للأمير فيما إذا تواجد المملكة أزمة اقتصادية أجاب أنّ ” الأزمة الاقتصادية بعيدة، إذ تمتلك المملكة ثالث أكبر دخل في العالم بالإضافة أننا قادرون على زيادة الإيرادات الغير نفطية هذه السنة إلى 29%”، وقال ” أنّ لدينا فرصاً قوية لزيادة الإيرادات الغير نفطية مثل فرض ضريبة القيمة المضافة وضريبة المخالفات” وأكد “أن المملكة لديها فرصاً عديدة في قطاع المعادن وقد حققت 6% من إيرادات اليورانيوم عالمياً، بالإضافة إلى السياحة الدينية وملايين الأمتار المربعة لأراضٍ في مكة والمدينة المملوكة للحكومة السعودية تقدر قيمتها السوقية بأرقام عالية، بالإمكان تحويلها إلى أصول استثماراية” وأردف قائلاً ” نؤمن أنه بإمكاننا الوصول لرقم 100 مليار دولار من الإيرادات الغير نفطية في الخمس سنوات المقبلة”.
كان الأمير بن سلمان قد أعلن في وقت سابق عن خطة “التحول الوطني” لإجراء إصلاحات اقتصادية في المملكة، وفي هذا السياق كشفت الهيئة العامة للطيران المدني السعودي عن برنامجها لخصخصة الوحدات الاستراتيجية في المطارات الدولية والإقليمية والداخلية وفق برنامج زمني يبدأ في الربع الأول من هذا العام 2016 وحتى عام 2020، وذكرت الهيئة أن من ضمن المطارت التي سيتم خصخصتها شركة “مطارات الرياض” خلال الربع الأول من عام 2016 وقطاع لملاحة الجوية الذي سيتم خصخصته بمسمى شركة خدمات الملاحة الجوية خلال الربع الثاني من العام الحالي وقطاع المعلومات الذي سيتم خصخصته تحت مسمى الشركة السعودية لنظم معلومات الطيران خلال الربع الثالث من هذا العام.
حيث صرّح رئيس مجلس الهيئة العام للطيران “سليمان الحمدان” في تصريح إن خصخصة المطارات هو الأسلوب الأمثل الذي أثبت نجاحه في الدول المتقدمة لرفع مستوى الخدمات وتحقيق الاستقلالية المالية بهدف النهوض بقطاع الطيران المدني من خلال تخصيص القطاعات وتحويلها إلى شركات مستقلة وفق معايير تنافسية قادرة على الاستمرار والنمو المستدام.
كما أكد الأمير محمد بن سلمان لمجلة الإيكونوميست في سؤال وجه له عن نوعية القطاعات التي سيتم خصخصتها “أنّ قطاعات التعليم والصحة وبعض المصانع العسكرية وشركات أخرى متنوعة مملوكة للدولة ستعمل على تخفيف الضغط على الحكومة وتدر أرباح جيدة للحكومة”
تعد شركة “أرامكو” الشركة الوطنية السعودية لإنتاج النفط المملوكة للحكومة السعودية من الشركات الرائدة في العالم في مجال التقنية والأداء لديها قدرة إنتاجية بين 12.5 و 13 مليون برميل نفط يومياً وتصدر أكثر من 10.3 مليون برميل يرمياً، وفي سؤال المجلة فيما إذا كان هناك نية لبيع جزء من أسهم الشركة؟ أجاب الأمير ” أن هذا الموضوع قيد الدراسة وقد يتخذ فيها قرار بغضون الأشهر المقبلة، شخصياً متحمس جداً لهذه الخطوة وأؤمن أن هذه الخطوة تصب في مصلحة السوق السعودية والشركة نفسها “أرامكو” بالإضافة إلى تشجيع الشفافية ومحاربة الفساد الذي يدور حول الشركة”.
وفي خطوة جرئية لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي أقرها الملك سلمان بن عبد العزيز تزامناً مع تراجع أسعار النفط أعلنت المملكة رسمياً عن رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية والكهرباء والمياه تدريجياً خلال الخمسة أعوام المقبلة، بالإضافة إلى تطبيق رسوم جديدة كضريبة مضافة بخصوص مستويات الرسوم والغرامات الحالية كما سيتم تطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية ومنتجات التبغ، تأتي هذه الخطوة ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة لتعزيز وضع المالية العامة من خلال التخطيط المالي ورفع كفاءة الإنفاق التشغيلي للدولة وترشيد نفقات الأجهزة الحكومية وتطوير وتفعيل آليات الرقابة.
وفي سؤال المجلة للأمير فيما إذا كانت ستكون الخمس سنوات المقبلة أفضل من الخمس سنوات الماضية و التي تخللُها ثورات الربيع العربي وما رافقها من حروب ودمار وقتل وبؤس للشعوب العربية أجاب الأمير ” بادئ ذي بدء أريد أن أقول أن الربيع العربي كان اختباراً حقيقياً للحكومات الاستبدادية واللاستبدادية والنظام الذي يمثل شعبه من النظام الذي لا يمثل شعبه فأي نظام لا يمثل شعبه سقط في الربيع العربي، والبقية شاهدنا ماحصل له”