هل سيسقط الأسد حقًا؟
منذ أربع سنوات ونحن نسمع بأن الأسد لن يبقى لمدة ستة أشهر، فهل سيسقط الأسد حقًا؟ لقد طالت الثورة السورية في مسيرتها وتعثرت في تجاوزها للعقبات التي وضعت أمامها، وكثر أطرافها وتحولت مسيرتها، فبدل وجود لاعبين رئيسيين “ثورة ونظام مجرم” تطورت لتصبح هناك أطراف رئيسية كثيرة إقليمية ودولية متحالفة وغير متحالفة مع النظام وقوى الثورة بأطرافها المختلفة.
إن سقوط بشار الأسد ارتبط بمسألتين مهمتين منذ بداية الثورة السورية الأولى: تحالفات ومصالح النظام السوري والقوى المتحالفة معه داخليًا وإقليميًا ودوليًا، والثانية: موقع سوريا الجيوسياسي المهم؛ فكما هو معلوم بدأت الثورة السورية كجزء من ثورات الربيع العربي لكن سرعان ما تحولت إلى صراع للنفوذ بين الدول الإقليمية والدولية الكبرى وضاعت الصورة الحقيقية التي تشير إلى أن هناك ثورة سورية، إلا أن العارف بتاريخ المنطقة لا يجد صورة ضبابية من خلال سياق الأحداث وتقلباتها.
قبل أربع سنوات سألت أحد المتخصصين في الفكر القومي العربي وقضايا المنطقة عن متى ستنتصر الثورة السورية أو هل سيسقط الأسد حقًا؟ فقال إن هذا الموضوع أكبر من الأسد وأكبر من الثورة السورية، وما سيحدث من معاناة وأحداث لا يليق إلا بهذا الشعب السوري العظيم الذي يقدم التضحيات وقد يكون الخاسرالأكبر في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية بسبب موقع سوريا الجيوسياسي المهم، فالثورة السورية كانت الشرارة لتغيرات كبيرة ونوعية.
من هذا المنطلق شكلت الثورة السورية مدخلًا لإعادة رسم سياسات المنطقة وتحالفاتها وتوازناتها وأصبحت ساحة جديدة للصراع وساحة لتنفيس الاحتقان الإقليمي وتصفية الحسابات تضاف إلى ساحة العراق، بعد أن كان النظام السوري أحد اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في قضايا المنطقة وخاصة العراق ولبنان، أي تحولت سوريا من لاعب رئيسي في شؤون الإقليم إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي واستقطاب طائفي.
إن موقع سوريا الجيوسياسي المهم يشكل بيضة القبان في توازنات القوى الإقليمية والدولية، فأي طرف يستميلها يكون قد غير ميزان القوى لصالحه، هذا فيما عدا خبث ومكر النظام السوري في إقامة تحالفاته السرية والعلنية وفاعليته في الملفات الإقليمية الساخنة كالعراق ولبنان وفلسطين؛ مما جعل موقف الأطراف الدولية تجاه تغييره بالغ التعقيد خاصة فيما يتعلق بقربه من الكيان الصهيوني حليف الغرب.
النظام السوري شكٌل من نفسه حاجة إقليمية ودولية وحجر الزاوية لتوازنات القوى في المنطقة: فقد تحالف داخليًا مع الطائفة العلوية وأصحاب رؤوس الأموال وبعض الدروز ليندمج مع تلك الأقليات الطائفية والمالية والأمنية ويجعل مصيرها من مصيره على حساب الشعب السوري، ولأن تلك الأقليات يصعب أستهدافها مباشرة لأنها لا تشكل هوية سياسية جعلت من النظام أقوى من حيث المواجهة المصيرية، أي حقق النظام الاندماج مع الأقليات بدل الاندماج مع الشعب السوري بالكامل.
من جهة أخرى وعلى المستوى الإقليمي مد النظام جذورعلاقاته مع حزب الله وجعل من نفسه الشريان المغذي للمقاومة الذي جعل لإيران موطئ قدم في الصراع العربي – الإسرائيلي، وعلاقته مع إيران تطورت بشكل كبير بعد تسلم بشار الأسد الحكم وبعد اندلاع حرب تموز بين إسرائيل وحزب الله 2006، إضافة للحكومات العراقية المتعاقبة كتحصيل حاصل التي أصبحت تابعة لإيران بشكل مباشر.
أما فيما يتعلق بإسرائيل فقد جعل النظام السوري من نفسه صيغة متناقضة بعلاقته مع إسرائيل؛ فهو الحامي والمقاوم في نفس الوقت، فعدم وجود اتفاقية سلام مع إسرائيل جعلها تخشى تغييره وتؤثرعلى العالم بهذا الخصوص خاصة وأن إسرائيل هي البوابة التي تتعامل بها الدول الغربية مع الشرق الأوسط، إضافة إلى أن العلويين والدروز الذين يستند إليهم النظام السوري في تحالفاته الداخلية قريبين من الحدود الإسرائيلية ويقطنون مناطق الحدود البحرية حيث القواعد الجوية الروسية مع السيطرة على الحدود القريبة من لبنان شريان الاتصال مع حزب الله؛ مما قد يشكلوا دولة مستقلة مستقبلاً، لأن إسرائيل لن تجد جارًا كالعلويين يحكمهم النظام السوري، خاصة وأن القوى الغربية والإقليمية تسعى لحلحلة قضايا المنطقة وليست راغبة في التعامل مع التنظيمات التي لا تشكل في أدائها منظومة الدولة التي يتعامل بها النظام السوري خارجيًا بغض النظر عن همجيته وعصاباته الوحشية.
أما دوليًا فقد كان الموقف الروسي واضحًا في مجلس الأمن والذي انتهى بالتدخل العسكري المباشر باسم محاربة الإرهاب، وبفعل محاربة فصائل الثورة السورية، أما المعسكر الغربي الذي يتعامل مع الثورة السورية من بوابة إسرائيل، لا يؤثر على الحدث ويغير التوازن القائم بشكل مباشر بقدر ما يتعامل مع تأثيرات الحدث (لاجئين، توثيق جرائم الأسد، التصريحات والاتهامات… إلخ) مع قرارات أممية ستنتهي بوضع سوريا تحت الوصاية الدولية وتوثيق الانتهاكات بحق السوريين واستخدامها لاحقًا كورقة ضغط ضد الأسد ومحاكمته.
أخيرًا، الثورة السورية كانت الركيزة الرئيسية لإعادة اصطفاف القوى الإقليمية والدولية، وهو ما أراده النظام السوري في أن تكثر التدخلات ومنذ البداية لتتعقد الأزمة، فهو الوحيد الذي يدرك ماذا يفعل ليبقى ويستمر حتى لو حكم أجزاء بسيطة من سوريا، فهو يدرك أن كثرة الطباخين تحرق الطبخة، فما أراده هو حرق الثورة السورية بإدخال جميع الأطراف التي مد علاقاته معها داخليًا وإقليميًا ودوليًا، وساهم بصناعة داعش التي دفعت الغرب للتدخل أيضًا؛ لتتعقد الأزمة بالشكل الذي هي عليه الآن.
إن القوى الغربية لا تأبه لا بحقوق الإنسان ولا بحقوق الشعب السوري، وسيبقى الغرب يتعامل بهذه الطريقة إلى أن تنضج ظروف تسويةً ما أو يتوافر بديل ما تضمن الولايات المتحدة مواقفه الإقليمية تجاه قضايا المنطقة وإسرائيل.
سقوط الأسد كشخص أمر حتمي أو محاكمته مع سقوط النظام بهياكله ومؤسساته، لكنه سيبقى بتحالفاته مع الأقليات في الداخل السوري، فهم كالدولة العميقة في مصر وهياكل البعث في العراق وتحالفات صالح في اليمن، فالأزمة السورية ستستمر حتى لو لاح في الأفق حل معين فلن يرضي أطراف الثورة السورية التي سطرت بطولات ستظل عنوانًا ورمزًا لتاريخ سوريا الحديث.
لقد راهت القوى الإقليمية والدولية بشقيها الداعم للمعارضة والداعم للنظام على الصراع الصفري، ومن أن يكون هناك طرف رابح وآخر خاسر مع عدم السماح لكل طرف خسارة وكيله المحلي يدل على طول الأزمة وسيكون حلها في النهاية بالحفاظ لكل طرف على سلطته على الأرض، مما يعني الفيدرالية أو التقسيم.