يقول المخرج الأمريكي كوينتن تارنتينو ناقلاً عن المخرج جو دانتي: “يوجد نوعان من هواة الأفلام، يوجد أولئك الذين يحبون الأفلام، ويوجد أولئك الذين يحبون الأفلام التي يحبونها! وأنا من الصنف الأول حتمًا”، لكن الرجل لا ينفك يقدم أفلامًا لا تصلح إلا لجماعة الصنف الثاني، أفلام لأولئك الذين يعشقون سينما تارنتينو عشقًا خاصًا، ويبدو أنه من العسير أن تقنع شخصًا بالقيمة الفنية لهذه الأعمال، خصوصًا إذا كان من بين أولئك الذين يبحثون عن جدوى لها، لذلك، فإن كنت من بين أولئك الذين لا يستسيغون Django Unchained أو يعتبرون Pulp Fiction فيلمًا تافهًا أو فاشلاً، فلا أعتقد أن هذا المقال سيغير رأيك، أما أولئك الذين لا يعرفون الرجل، ولا يعرفون أعماله، فدعوني أقدم لكم سينما هذا الرجل، من خلال آخر أعماله: “المكروهون الثمانية”.
منذ سنة ونيف تسرب نص “المكروهين الثمانية” إلى العموم، وقرر تارنتينو عدم نقله إلى السينما، والاكتفاء بنشره في كتاب، لكن صاموائيل جاكسون وبعض الممثلين الآخرين، وقد أعجبوا بالنص، أقنعوه بتغيير رأيه والشروع في العمل، لقد حارب تارنتينو كثيرًا من أجل هذا الفيلم، فأرغم الموزعين على تزويد نحو 70 قاعة سينما بما يسمح بمشاهدة نسخة السبعين مليمترًا، كما أحرج شركة ديزني كثيرًا لتكف ضغطها على قاعات السينما وتفسح لفيلمه مجالاً بعد احتكار فيلم حرب النجوم للقاعات خلال عطلة الشتاء.
لقد كان هذا الفيلم تجربة ممتعة ومربكة في آن، ورغم اعتيادي على أعمال كوينتن تارنتينو وأفكاره، إلا أن الفيلم نجح في إرباكي ودفعي إلى ذلك السؤال الذي يندر أن يُسأل في نهاية فيلم: ماذا أراد المخرج تحديدًا؟
ولمعرفة ذلك، دعونا نكتشف المكروهين الثمانية، من خلال ثمانية نقاط أساسية تميز سينما هذا الرجل.
1ـ العنوان
يهتم كوينتن كثيرًا بالشكل حتى في تفاصيله التي قد لا تعني لنا شيئًا، ففي أعماله السينمائية الثمانية، يصر على أن يكون عنوان الفيلم وقائمة الممثلين وغيرهم في بداية الفيلم، ومن جملة ثمانية أعمال له، ستة منها أظهرت العنوان باللون الأصفر الفاقع (الاستثناء لـ Kill Bill الذي يغزو اللون الأصفر بالفعل معلقاته الإشهارية، ودجانغو المحرر الذي اتخذ عنوانه لون الدم). ويتغير نمط الخط المستعمل بتغير جنس الفيلم، حتى إنه يمكننا بسهولة تمييز جنس الفيلم من خلال خط العنوان، ولقد كان الخط المستعمل في المكروهين الثمانية ذات الخط الذي نجده في “ذات مرة في الغرب” أشهر أفلام الوسترن على الإطلاق.
المكروهون الثمانية هو فيلمه الثامن، وهو يصر في معلقات أفلامه أن يذكر رقم الفيلم كأن لعداده نهاية معلومة مسبقًا (كان قد أعلن أنه لن يخرج أكثر من عشرة أفلام)، لكنه في هذه المرة، يرقم الفيلم لا في المعلقة فقط بل في بداية الفيلم، ربما لاتفاق رقم الفيلم مع العنوان، وفي ذلك أيضًا إشارة جميلة إلى المخرج الإيطالي الشهير فريديريكو فليني الذي قام بالشيء نفسه في (8 ونصف).
اهتمام كوينتن بالشكل ليس جانبيًا، بل هو مهم جدًا لفهم أفلامه، ذلك أنه كثيرًا ما يتهم بفراغ المحتوى أو سطحية الأفكار، وهي اتهامات سخيفة جًدا، لأن تارنتينو نفسه لا يبحث أصلاً عن تقديم محتوى ما، إن المحتوى الحقيقي لأعماله هو الشكل والغاية الحقيقية لما يقدمه هي الوسيلة نفسها.
2ـ الموسيقى
ليس من باب المصادفة أن تكون أغلب شخصيات تارنتينو مغرمة بالموسيقى، فهذا الرجل يجعل من الموسيقى جزءًا مهمًا من عمله، يعتمد تارنتينو على الأعمال الموسيقية المتوفرة لتشكيل موسيقى الفيلم، ولم يحدث أبدًا أن اعتمد على موسيقى أصلية، في هذا الفيلم، يكسر تارنتينو قاعدته، ويوكل مهمة الموسيقى إلى أحد عمالقة الموسيقى السينمائية، ذلك الذي اشتهر بفضل أعماله الخالدة في أفلام السباغيتي، ونعني به إينيو موريكوني Ennio Morricone، ورغم كل ما قيل عن الخلاف الذي حدث بين الرجلين حول استخدام تارنتينو لموسيقى الرجل في فيلمه السابق، فقد حدث ما تمناه الجميع، وقدم موريكوني قطعًا موسيقية عبقرية لهذا الفيلم، لعل أهمها هو مقطع الافتتاحية الذي احتفى به تارنتينو أيما احتفاء، ولكن سنندهش كثيرًا لو فاز موريكوني بأوسكار الموسيقى الأصلية لهذا العام.
3ـ لقطة صندوق السيارة
صنع تركيز تارنتينو على الشكل والأسلوبية المفرطة، مجموعة من العناصر التي يمكن لأي مشاهد من خلالها أن يتعرف على أفلامه بمجرد مشاهدة لقطة أو اثنتين منها، وإذا كان العنوان أحد هذه العناصر، فإن أهمها برأيي هو طريقة التصوير، فمن المستحيل مثلاً أن يخلو فيلم له من لقطة صندوق السيارة Trunk Shot، وهي طريقة تصوير بسيطة تقضي بأن ينظر الممثل إلى شخص (أو شيء) ما في صندوق سيارة، فتتحول الكاميرا إلى عين لذلك الشخص (الشيء)، ويتحدث الممثل وهو ينظر إلى الكاميرا كأنه ينظر إلى عين مخاطبه، نظرة فوقية فيها الكثير من التسلط والتحكم.
لقد اعتمد تارنتينو على هذه اللقطة حتى في مشاهد ليس فيها سيارة، ومنها فيلم المكروهين الثمانية، فنجد صامويل جاكسون ينظر إلى الجسد المسجى أرضًا، في مشهد لن ينسى، لكن تارنتينو لم يتوقف عن هذه التفاصيل الروتينية؛ لقد مثل المكروهون الثمانية تحديًا تقنيًا مثيرًا، فاستعملت له عدسة تصوير ضخمة كتلك التي كانت تستعمل في الخمسينات والستينات، مع أفلام خالدة من قبيل “ذات مرة في الغرب” و”بين هور”، وصار استعمالها في وقتنا الحالي نادرًا.
إن فكرة تارنتينو هي إعادة المشاهد إلى الحقبة الذهبية لهوليود، حين يمتد الفيلم لساعات تتخللها راحة قصيرة، وحين كان الذهاب إلى السينما مناسبة سعيدة يلبس الناس فيها أجمل الثياب ويحتفلون، ولقد أجاد تارينتينو ذلك إلى حد بدت فيها الراحة بين شطري الفيلم ضرورية جدًا ومساهمة بقسط كبير في طابعه التشويقي.
أما التحدي فقد كان اعتماد هذه العدسة في مكان مغلق كذلك الذي جرت فيه أغلب أحداث الفيلم، يقول مايكل مادسن، إن الكاميرا كانت تلتقط كل زوايا المكان، بحيث لم يكن بوسع الشخصيات الخروج عن إطار الصورة بمجرد انتهاء أقوالهم، كان على الجميع أن يواصل أداء دوره ولو كان في ركين بعيد عن مجريات الأحداث، لقد احتوى الفيلم على مشاهد كثيرة تضم أكثر من أربعة أشخاص دفعة واحدة، وكان ذلك مما يزيد من تعقيد التصوير، والتمثيل، ومن استحقاق العمل.
4 ـ الجنس
تكمن قيمة سينما تارنتينو في تلاعبه بالأجناس السينمائية؛ حيث يحاول في كل مرة أن يفكك عناصر جنس سينمائي ما، ويعيد تركيبه بشكل يتجاوز به الجنس نفسه، في فيلم المكروهين الثمانية، لم يكن عسيرًا أن نلحظ كيف تجاوز تارنتينو جنس الويسترن، ما كان عسيرًا هو أن نجد في الفيلم ما يجعله من هذا الجنس! لقد تحولت صحراء الغرب الرملية إلى صحراء جليدية مخيفة، وتحول الصمت الذي يعم أغلب المشاهد التي تسبق القتال، إلى مجادلات ممتعة في أغلبها لولا الإفراط فيها، وتحول التفكير الباطني الذي يمارسه جون واين أو كلينت إيستوود بعيونهما، إلى تفكير مسموع يمارسه صاموائيل جاكسون على طريقة المفتش بوارو في روايات أغاثا كريستي! لقد فتح تارنتينو خلال الفيلم، نافذة مفاجئة على قصص الجريمة والغموض، فإذا نحن أمام جريمة قتل، وإذا نحن نتساءل “من فعلها؟”.
يروي الفيلم قصة جلاد “كورت روسل” يقبض على مجرمة مطلوبة للعدالة “جنفر جيزن لي”، ويرحل بها إلى حيث يفترض شنقها، في الطريق يقابل صائد مجرمين “صامويل جاكسون” وشريف البلدة الجديد “غوغلينغ”، وترغمه العاصفة الثلجية على التوقف عند نزل تغيب عنه صاحبته وزوجها، وينوبهما مكسيكي غريب، داخل النزل، كان هناك جلاد البلدة، ورجلان آخران، وهو ما أثار حفيظة الجلاد، إن أحد هؤلاء، ليس كما يبدو عليه، وإن هناك مؤامرة خفية لإنقاذ المجرمة دومرغيو.
يبدو أن تارنتينو يغالطنا، فهو لا يستعمل سينما الويسترن بقدرما يستعمل عالم الويسترن ذاته، إنه لا يستخدم شخصية المكسيكي كما قدمها المبدع إيلي والاش في (الطيب، والشرير والقبيح)، بقدرما كان يستخدم شخصية المكسيكي كما قدمتها كتب التاريخ، فهل يمكن أن نتحدث هنا عن تجاوز للجنس أم إنه تجاوز تارنتينو لطرقه القديمة؟
5ـ الممثلون
يؤكد كل أولئك الذين تعاملوا مع تارنتينو أنه شخص مهووس جدًا فيما يتعلق بأعماله، حين يشرح لممثل ما دوره في الفيلم، فإنه يروي له قصة حياة شخصيته كلها، متى ولد، أين، من هم أبواه، متى ظهر شاربه، لماذا يحب قصة الشعر هذه، ماهو لونه المفضل، وهي تفاصيل يحددها حتى لأكثر شخصياته ثانوية، بحيث يصبح مجال اجتهاد الممثل صغيرًا جدًا، لكن لحسن الحظ، فإن تارنتينو يعد شخصياته وفي ذهنه من سيلبسها مسبقًا ونادرا ما حدث أنه لم يفكر في المؤدي قبل خلق الشخصية (حدث ذلك في فيلم الأوغاد المغمورون Inglorious Basterds وكاد يوقف العمل لولا أن عثر على كريستوفر والتز).
لذلك كان طبيعيا أن نجد في المكروهين الثمانية ذات الأسماء التي تعودنا حضورها في سينما تارنتينو: كورت روسل، تيم روث، مايكل مادسن، والتون غوغينز، وزوي بيل، وخصوصا صاموائيل جاكسون، الذي يعتبر المفتاح الرئيسي لأعمال كوينتن، فقد شارك معه في كل أفلامه تقريبًا ولو بصوته، لم يمنع ذلك من الاعتماد على آخرين لن نستغرب وجودهم في قادم أعمال تارنتينو، وخصوصًا الممثلة جنيفر جيسن لي، التي لن نستغرب ترشيحها للأوسكار عن أفضل دور ثانوي.
أعتقد أن أداء الممثلين كان متميزًا، واستطاع أغلبهم التعبير بدقة عن مميزات شخصيتهـ وعبر المكروهين الثمانية خصوصًا، يقدم لنا كوينتن صورة مصغرة عن المجتمع الأمريكي خلال حقبة ما بعد الحرب الأهلية الحرجة، سنجد رجل القانون، ورجل العدالة، ورجل الحرب، ورجل الثور، سنجد الأسود، والأبيض والمكسيكي، والمرأة والشيخ المسن، والشاب اليافع، ومن خلال العاصفة الثلجية، يجبر تارنتينو كل هؤلاء الأوغاد على التواصل، وينقل لنا عبر حواراته البارعة، مكامن هذه الشخصيات وعلاقاتها بالآخر، في تحليل متميز لشخصية الأمريكي خلال نهاية القرن التاسع عشر، هل قلت إن المحتوى لا يعني تارنتينو كثيرًا؟ فما الذي يحدث مع هذا الفيلم؟
6ـ الحوار
لو أن هناك محتوى مهمًا في أفلام تارنتينو، فهي الحوارات العبقرية التي يجريها على ألسنة شخصياته، والتي في غالب الأحيان لا تتعلق بأحداث الفيلم! إن الحوار بالنسبة إلى تارنتينو هو امتداد للشخصية، وهو بذلك أهم من الأحداث نفسها، ولئن حافظ المخرج على قيمة الحوار في المكروهين الثمانية، فقد بدا أن الأحاديث الجانبية لا وجود لها، وأن كل الحوارات متعلقة بشكل أو بآخر بما سيحدث لاحقًا.
7ـ العنف
ماذا يمكن أن نتوقع من اجتماع 8 شخصيات كريهة في مكان واحد ناءٍ إبان الحرب الأهلية الأمريكية؟ الكثير من العنف طبعًا، وتارنتينو يقتفي أثر العنف أينما وجد، لقد اتهم المخرج بنزوعه المنحرف إلى العنف، وإلى أنه بطريقة أو بأخرى يبتذله إلى أن يجعله ممكنًا في الأذهان، لكن المسألة أبسط من ذلك بكثير عند الرجل، إن العنف عنده مادة جمالية لا أكثر، شيء أشبه باستعمال الفنان التشكيلي للبهارات في لوحاته، لا يقصد منها أي شيء سوى المتعة ذاتها، يضفي كوينتن على المشهد العنيف مبالغات مضحكة أحيانًا، لتذكير المشاهد دائمًا أن ما يراه ليس حقيقيًا، الإفراط في العنف هو جزء من إفراطه في الأسلوبية، إن سينما تارنتينو هي سينما عن السينما أساسًا.
ما يبدو مختلفا في المكروهين الثمانية، هو أن العنف لا يبدو إفراطًا في الأسلوبية بقدر ما يبدو أحيانًا إفراطًا في التاريخ! لقد شدني إصراره على تفجير الأجساد مع كل طلقة رصاص، وهو أمر لم نألفه في أفلام الويسترن التقليدية، بل لعلنا لم نره في أي أغلب الأفلام التقليدية، فأي الصورتين أقرب إلى الواقع؟ رصاص يثقب الرأس؟ أم يفجره وقد انطلق من مسافة لا تتجاوز المترين؟ هل يعمد تارنتينو إلى فسخ تلك الصورة التي صنعتها أفلام الويسترن التقليدية واستبدالها بأخرى أكثر إخلاصًا للواقع؟ إن هذه الفكرة تخالف كثيرًا طرق تارنتينو التقليلدية، ولكنها تتماشى مع ما قدمه في أفلامه الأخيرة، حيث يبدو الرجل أكثر تفاعلاً مع التاريخ وأكثر تمردًا على السينما.
من المؤكد أن العنف في المكروهين الثمانية يتخذ بعدًا مختلفًا تمامًا عن أفلامه السابقة، لقد أخرج هذا الفيلم، في وقت حرج في حياة المخرج، حيث تعرض لاتهامات كثيرة من قِبل الشرطة على خلفية مشاركته في الاحتجاجات العارمة التي تسبب فيها قتل شرطي أمريكي لرجل أسود، إن هذه الحادثة مرتبطة بالفيلم ارتباطًا وثيقًا، لأنها لا تعكس فقط الموقف الحقيقي لتارنتينو من العنف، بل لأنها أيضًا ألقت بظلالها على شخصيات الفيلم، لقد غمر العنف صورة العدالة نفسها، ورغم طبيعة المشهد الأخير “الشاعرية”، فإننا لا يمكن أن نتجاهل عنفه.
كذلك لم يخلُ الحوار من العنف، فاستعملت كلمة “زنجي” المهينة بشكل غير طبيعي واستعملت النكات العنصرية إلى حد مزعج مهما كان انفتاح المشاهد وتقبله لسياق المشهد، وطال العنف النساء والشيوخ واللاتينيين، بشكل يجعلنا مرتبكين أمام ما يفعله تارنتينو، حتمًا نحن لسنا أمام محاولة لابتذال العنف، بقدرما نحن أمام محاولة لإبرازه، لقد تأسس تاريخ هذه البلاد على كم مفرط من العنف والكراهية.
8ـ الانتقام عبر إعادة كتابة التاريخ
يمثل الانتقام المحور الرئيسي لأعمال تارنتينو، يحرك دافع الانتقام أغلب شخصياته، ويبدو أن تارنتينو يكره كثيرًا صورة الضحية المسكين، ويحاول الانتصار للمظلومين بجعلهم أقوياء قادرين على الإجابة عن الظلم بظلم أشد، إن تارنتينو يكره أن نشعر بشيء من الشفقة تجاه ضحايا التاريخ، ويفضل أن نشعر بقوتهم، وبأنهم قساة مخيفون كغيرهم، ربما لذلك يصعب أن نجد في أفلام تارنتينو شخصية يمكن أن توصف على أنها “جيدة”، إنهم إما قتلة (Kill Bill) أو أفراد عصابة (Pulp fiction) أو مهربون (Jackie Brown) أو أوغاد ساديون (Inglorious Bastards) أو صائدو مجرمين بلا رحمة (Django)، ولكنهم في الآن نفسه يمثلون فئة ظلمها التاريخ طويلاً (النساء، يهود ألمانيا، عبيد أمريكا)
ولم يبد “المكروهون الثمانية” استثناء، فالرائد ماركويز وارن “صموائيل جاكسون” لا يبدو مكترثًا كثيرًا بالقضايا التي يساندها (الحرب الأهلية، صيد المجرمين) بقدرما هو مكترث بالانتقام من الرجل الأبيض، كما كان الانتقام دافعًا رئيسيًا للأحداث ومغذيًا لها (ماحدث مع الرائد والجنرال العجوز)، وكان أيضًا أساس العلاقة بين أهم رجلين في الفيلم، الرائد ماركويز “صموائيل جاكسون” والشريف كريس مانكس “والتون غوغنز”، لقد مثل هذان الرجلان كل الخصومات التي يبحث عنها تارينتينو (الأبيض والأسود، الشماليُ والجنوبي، الأسود المتهم بالعنف المفرط، والشريف ممثل الدولة أو الشرطة لنكون أكثر وضوحًا)، ولأنني لا أريد فضح أحداث الفيلم، فسأكتفي بالقول إن تارنتينو ينتقم بشكل مغاير تماًما لما عهدناه عليه، لقد انتقم من الكراهية، وقام بشنقها عاليًا، فهل هذا ما نسميه “النضج الفكري”؟ أم إنه فقط يعكس تجربة المخرج المريرة مع واقعه؟
لا أعتقد أن “المكروهين الثمانية” هو أفضل أفلام كوينتن تارنتينو، وأعتقد أنه بخروجه عن عالمه التقليدي قد انتقص من قيمة العمل فنيًا، لكنه مع ذلك، عمل على قدر كبير من الجمال والاتقان ويحمل كمًا لابأس به من المتعة، لقد تساءلت جريدة لوموند الفرنسية عن الرسالة التي يبعثها تارنتينو من خلال فيلم يحتوي على قدر هائل من العنصرية تجاه السود والنساء، وهو تساؤل غريب برأيي، ليس لأن تارنتينو هو أساسًا ذلك الرجل الذي لا ينبغي أن تنتظر منه رسائل في أعماله، وإنما لأن “المكروهين الثمانية” كان استثناءً بنظري، وكان يحمل رسالة إلى مجتمعه، تلك هي رسالة إبراهام لينكولن.
اسم الفيلم : المكروهون الثمانية The Hateful Eight
المخرج : كوينتن تارنتينو Quentin Tarantino
تاريخ الصدور: 25 ديسمبر 2015
النوع: ويسترن، غموض، تاريخ، ميلودراما
مدة العرض : ثلاث ساعات تقريبًا
البطولة : Samuel L. Jackson, Kurt Russel, Jennifer Jason Leigh, Walton Goggings