ثلاث سنوات على حل مجلس الشعب المصري “البرلمان” على يد المجلس العسكري الحاكم، وذلك بعد انتخابه شعبيًا في أول انتخابات عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير بإقبال منقطع النظير لم يشهده التاريخ السياسي المصري من قبل.
قبل الجميع آنذاك بالحل على مضض لا سيما التيار الإسلامي الذي كان يُشكل الأغلبية الكاسحة للبرلمان المنحل بعد صعود أحد أبنائه إلى كرسي الرئاسة في مصر، لتتداعى الأحداث السياسية بانقلاب عسكري بعد عام واحد من حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وتوضع خارطة طريق لإدارة البلاد عن طريق الجيش.
تلك الخارطة التي أنتجت ما يُسمى حاليًا بـ “مجلس النواب” الذي عُقدت أولى جلساته بالأمس في القاهرة، بعيد صراع طويل أدى إلى تأجيل انتخابات البرلمان الجديد مرارًا دون أسباب واضحة، حتى ظهرت طريقة تشكيل البرلمان مؤخرًا على لسان أحد الأعضاء السابقين بالحملة الرئاسية للجنرال عبدالفتاح السيسي الرئيس الحالي، إذ أعلن في شهادة له أن قوائم المرشحين لهذا البرلمان أعدت في أروقة المخابرات العامة المصرية، والاختلافات الداخلية هي أحد أبرز أسباب تأجيل الانتخابات لأكثر من مرة.
مصر بين برلمانين
المحصلة النهائية أتت ببرلمانين لمصر واحد استأنف نفسه في الخارج باسم “البرلمان الشرعي” بعد حله في السابق عقب خروج مجموعة من نواب سابقين من جماعة الإخوان المسلمين إلى خارج مصر بعد انقلاب الثالث من يوليو، هذا البرلمان الذي استأنف انعقاده بالأمس في مدينة إسطنبول التركية فيما أسموه “الانعقاد الثاني” للبرلمان الشرعي.
تزامن مع هذا أولى جلسات برلمان النظام المصري التي عُقدت بالأمس، وشهدت عدة أحداث سخر منها متابعو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بعد وصلات تصرفات فكاهية من بعض النواب تدوالتها حسابات المصريين على مواقع التواصل.
سخرية من البرلمانين
لم تختلف نظرة المصريين كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي إلى كلا الحالتين، حيث نالا البرلمانان نصيب غير قليل من السخرية من برلمان في المنفى يُصدر قرارات لا يملك من إنفاذها شيء ومستمر في التعامل بطريقة جدية كونه برلمان شرعي لمصر.
https://www.facebook.com/egyptparliamen1/posts/1668364950109611
وكذلك السخرية من برلمان جديد حوى مجموعات غير متجانسة من النواب الموالين للنظام الحالي بدرجات مختلفة ومن خلفيات متعددة، جمعهم بالأمس تصرفات وكلمات سخر الكثيرون منها باعتبارها لا تصدر عن نواب للشعب.
تدوال نشطاء الخلفيات والحيثيات التي انتخب هؤلاء النواب على أساسها، حيث تحدث البعض عن نائب كان يروج لجهاز الجيش الذي يُعالج الإيدز، فكانت مكافأته في وجهة نظرهم دخوله للبرلمان.
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=444620622415421&set=a.349515105259307.1073741830.100006024618375&type=3&theater
فيما أسماه البعض بالبرلمان الكوميدي، كما تناول البعض الآخر أخباره تحت عنوان فضيحة النظام.
#برلمان_عبعال
برلمان الفضيحة الثقيلة… الخيبة الكبيرة ياسيسي و العوالم كتيرة..#البرلمان_الجديد pic.twitter.com/vYthsdTPf2
— aelsayed gheat (@aelsayedgheat) January 11, 2016
السبب الرئيسي خلف هذه الأوصاف التي تدوالها المصريون على موقع التواصل الاجتماعي، ظهر جليًا في مقاطع ساخرة متدوالة من الجلسة الأولى للبرلمان.
على الجانب الآخر في برلمان الخارج سخر منه المصريون أيضًا في تعليقاتهم بعد اتهامات للقائمين عليه بأنهم “يعيشون في عالم موازٍ” بحسب ما وصف مغرودن.
طب نتفرج ع اراجوزات مصر ولا بهلوانات تركيا !#البرلمان_الموازي #البرلمان_الشرعي #مجلس_النواب_المصري
— محمد رمزي (@IMhmdRamzy) January 10, 2016
عندما رأيت برلمان السيسي شعرت بالحسرة على أيام الاخوان وعندما رأيت برلمان الاخوان الموازي في تركيا شعرت بالحسره على بلدي المليئه بالمجانين.
— Amr Al-Hawary (@Al_Hawary74) January 10, 2016
النظام والمعارضة شركاء في قلة الحيلة السياسية
يرى متابعون من خلال المشهدين للبرلمانين اللذين تزامنا في وقت واحد أنهما مصوران بدقة لحال السياسة في مصر، فالمعارضة المصرية في الخارج أو جزء كبير منها لا تزال تتعامل مع الوضع في مصر بطريقة قليلة التفاعل مع الواقع، ولا يزالون أسرى للماضي دون أدنى تطوير في وسائلهم الشكلية، وهو ما جعل خطوة عقد جلسة لبرلمان موازٍ مسار سخرية لدى البعض.
أما في مصر فالنظام الذي ينتهج الديكتاتورية الواضحة فشل هو الآخر في إنتاج برلمان يستطيع تغليف ديكتاتوريته بشكل جيد، فأتى البرلمان الحالي بشخصيات مثيرة للجدل عديمة الكفاءة، لا تمتلك سوى الصراخ الإعلامي، ولكنها تتبارى في دعم النظام ولكن بطرقها الفكاهية كما يصفها البعض، حتى وصل الأمر إلى وصف برلمان 2010 المزور بأنه أفضل حالًا في اختيار نوابه من هؤلاء في الوضع الحالي.
صلاحيات هذا البرلمان في الدستور المصري الحالي تجعله صاحب نفوذ حقيقي في الحكم، لذا يركز الساسة في مصر على مصيره بعد أن بدء بهذه الصورة، فلهذا البرلمان حق الصدام المباشر مع رئيس الجمهورية عن طريق الاعتراض على رئيس الوزراء الذي يختاره الرئيس، ومن ثم إجبار الرئيس على اختيار رئيس الوزراء من حزب الأغلبية أو الائتلاف الحائز على الأغلبية.
لكن النظام الحالي الذي خشي من هذا البرلمان كثيرًا عملت أجهزته السيادية احتياطيًا على صناعة قائمة دعم مصر الموالية للرئيس السيسي بشكل مباشر والتي تضم الأغلبية من النواب، وذلك تحرزًا من الوقوع في هذا المأزق الذي يجعل الرئاسة تصطدم بهذا البرلمان.
ومن التحليلات التي انتشرت أيضًا في الأوساط السياسية المصرية أن ظهور البرلمان في هذه الصورة الضعيفة في بداياته هو مقصد من مقاصد السلطة الحالية في مصر لإضعاف البرلمان في وجهة نظر الجمهور، ومن ثم يتعذر على النواب الدخول في أي مشاحنات مستقبلية مع السلطة التنفيذية في الدولة التي يترأسها السيسي.