محور الممانعة صار مزحة بالنسبة للملايين في المنطقة منذ أن ولغ حزب الله في الدم السوري حتى مفرق رأسه، لكن الحزب الذي بنى شرعيته منذ تأسيسه على تحديد بوصلة سلاحه تجاه إسرائيل، وحصل بذلك على لقب “الكيان الإرهابي” بواسطة الولايات المتحدة، يحصل على الدعم الآن من قِبل روسيا، بعد أن غيّر تلك البوصلة.
فقد صرح مسؤولان ميدانيان ضمن قوات حزب الله المقاتلة في سوريا لصحيفة ديلي بيست الأمريكية بأن الحزب يتلقى أسلحة ثقيلة من روسيا وبشكل مباشر وبدون أي قيود أو شروط مسبقة، وقال المسؤولون إن هناك علاقة تعاون وثيقة تجمع بين نظام الأسد، وحزب الله، وإيران وروسيا، إلا أنهما أكدا أن هناك علاقة مستقلة يتم تعزيزها الآن بين موسكو وحزب الله.
حزب الله أو المقاومة الإسلامية كما يطلق عليه مؤيدوه، كان قد وُضع على قائمة الإرهاب الأمريكية والأوروبية بعد أن اتُهم بتنفيذ عمليات إرهابية دولية وخدمة مصالح إيران، كان الحزب قد حصل على سمعته الطيبة بعد وقت قصير من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فقد قام الحزب بتنفيذ العديد من العمليات الفدائية والاستشهادية التي استهدفت المصالح الإسرائيلية والفرنسية والأمريكية بما في ذلك استهداف قوات المارينز الأمريكية في بيروت حيث قُتل أكثر من 241 أمريكيًا عام 1983.
وعلى مدار السنوات التي تلت ذلك، قام حزب الله بتأسيس جيش مواز في لبنان، أقوى من الجيش النظامي للبلاد، واعتُبر رأس الحربة في مواجهة المشروع الإسرائيلي في لبنان، استطاع الحزب بالإضافة لذلك تأسيس واحد من أقوى الأحزاب السياسية في لبنان المنقسم طائفيًا، لكن ذلك التاريخ الذي رآه العرب مشرفًا، استطاع حزب الله في عدة سنوات منذ بدء الثورة السورية، تدميره وبشكل كامل.
وبحسب صحيفة ديلي بيست الأمريكية، والتي يقول مراسلها جيسي روزنفيلد إنه قابل مسؤولَي حزب الله – اللذين رفضا الإفصاح عن اسميهما – في عدة مناسبات مختلفة في نهاية ديسمبر وبداية العام الجاري في ضاحية بيروت الجنوبية، فإن المسؤولين أكدا أن الحزب حصل على صواريخ طويلة المدى، وصواريخ موجهة بالليزر، وأسلحة مضادة للدبابات من روسيا.
“نحن حلفاء إستراتيجيون لروسيا في الشرق الأوسط الآن، إنهم حلفاؤنا ويعطوننا الأسلحة حاليًا” هذا ما قاله القيادي في حزب الله الذي أراد أن يُطلق عليه “بكر”، بكر مسؤول عن خمس وحدات في سوريا تضم قرابة 200 جندي، لقد ضحك بسخرية وهو يقول إنه يفضل استخدام اسم بكر، متهكمًا من أبي بكر البغدادي، الذي نصب نفسه خليفة لما تسمى “الدولة الإسلامية”.
بصفته شخص يقود مجموعات مقاتلة من اللاذقية إلى إدلب، وحول دمشق وفي جبال القلمون على حدود لبنان، يقول بكر إن القصف الروسي غيّر مجرى الحرب البرية، حيث يمسك حزب الله المدعوم من إيران بزمام المبادرة.
“معارك اللاذقية كانت شديدة الصعوبة”، يقول بكر ويتابع متذكرًا القصف الجوي الروسي الذي بدأ في سبتمبر، “تدخل الروس جعل الأمر أسهل بكثير”، كما قال بكر إن الروس يعتمدون على حزب الله في الاستخبارات وفي اختيار الأهداف وأكد “لا يمكننا التقدم بدون الغطاء الجوي الذي يوفره لنا الروس، كما أنهم لا يمكنهم توفير ذلك الدعم الجوي بدون المعلومات التي نقدمها لهم من على الأرض”، يقول بكر ذلك بنبرة فخر واضحة.
المسؤولون الروس رفضوا التعليق على تصريحات قياديي حزب الله، لكن بكر قال إن روسيا رفعت من دعمها لحزب الله منذ أن التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله في بيروت عام 2014 لمناقشة التطورات الإقليمية، الأمر يبدو منطقيًا، ففي نوفمبر الماضي صرح بوغدانوف في بيان له بأن روسيا لا تعتبر حزب الله جماعة إرهابية.
وطبقًا لتصريحات بوغدانوف التي نقلتها وكالة إنترفاكس للأنباء فإن “روسيا تبقى على اتصال معهم (أي حزب الله) لأنها لا تراهم تنظيمًا إرهابيًا”.
قيادي آخر في حزب الله يطلق على نفسه اسم “عسير”، وهو مدرب ويقود وحدة قوات خاصة في سوريا، يقول إن روسيا معجبة بأداء حزب الله، كما أنها تعتمد عليه بشكل متزايد بدلاً من قوات الجيش السوري، خاصة في حراسة مستودعات الأسلحة الروسية داخل سوريا، ويقول عسير أثناء روايته إن حزب الله يمكنه الاستفادة مما تحويه هذه المستودعات.
حزب الله يعلم الجيش السوري كيف يستخدم تلك الأسلحة الجديدة كما يؤكد عسير، فروسيا لا تضع أي قيود على استخدام الحزب لتلك الأسلحة، وهو ما يدلل على ثقة الكريملين في أن الأصدقاء في الضاحية الجنوبية لن يستخدموا تلك الأسلحة في اتجاه آخر خلاف سوريا، لا سيما ضد أصدقاء روسيا في تل أبيب.
لكن مراسل ديلي بيست يشير إلى أن عسير ليس في موقع قيادي كاف ليعرف إذا ما كانت هناك اتفاقات سرية تم إجراؤها بهذا الخصوص.
القياديان بكر وعسير انضما لحزب الله خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والذي استمر حتى عام 2000، وهما يقولان أن الحزب أصبح السند الأكثر فعالية للأسد في مسعاه للحفاظ على السلطة.
بكر يقول إنه شارك شخصيًا في مهمة تدريب لحلفاء حزب الله في العراق، من الميليشيات الشيعية المحلية، وهي كتائب حزب الله، كما أنه شارك مع الحوثيين في اليمن عام 2015، ويقول عسير إن هناك برامج تدريبية يقوم بها حزب الله في لبنان لقوات النخبة في الجيش السوري، وللميليشيات العراقية ولحوثيي اليمن.
وعلى الرغم من هذا التوسع في التورط في الصراعات الإقليمية، وتدفق الأسلحة الروسية القوية للحزب، إلا أن بكر وعسير يصران على أن الحزب لن يحتاج إلى استخدام الأسلحة الروسية إذا ما نشب نزاع مع إسرائيل، فالحزب على استعداد تام لتحمل غزو إسرائيلي على الحدود الجنوبية وصده بالأسلحة الإيرانية التي في حوزتهم.
لا يمكن توقع حدوث انفجار للأوضاع بين حزب الله، الذي بدأ الصراع وعينه على فلسطين، وإسرائيل. فالعين التي تحرس مخازن السلاح الروسية في دمشق، لا يمكنها أن تنظر في أي اتجاه آخر.