طالب الشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة العريق بالعاصمة التونسية الحكومة التونسية بإرجاع ممتلكات للجامع صادرتها الدولة في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس من 1956 إلى 1987، وقال العبيدي لوكالة فرانس برس “لدينا جرد رسمي بكافة أوقاف جامع الزيتونة وهي تتوزع بين أراض زراعية وعقارات ومنقولات أثرية، ونطالب بإرجاعها إلى الجامع حتى يستعيد إشعاعه الديني والعلمي في تونس والعالم الإسلامي مثلما كان في القرون الماضية”.
ويذكر أن جامع الزيتونة أسس منذ حوالي 13 قرنا، وكان يعرف لدى المسلمين باسم “الجامع الأعظم”، إذ أنه ثاني جامع يبنى في شمال إفريقيا بعد جامع الصحابي “عقبة بن نافع” بمدينة القيروان التي اسسها عقبة بن نافع سنة 50 هجرية، ويعتبر مثالا حيا على نظام الأوقاف أو الصدقات الجارية التي كان يتبرع بها المسلمون لفائدته سعيا لمرضاة الله وثوابه ولا سيما بعد مماتهم.
ويشترك القائمون على الجامع وتلامذته والمؤيدون للدور الذي قام به طيلة القرون الماضية، في أن قرار الحبيب بورقيبة بنقل كل ممتلكات الجامع إلى الدولة كان يهدف إلى تجفيف منابع تمويله من الأوقاف أو الأحباس، وكان بمثابة ضربة قاسمة لجامع الزيتونة، جعلته يعاني من ضائقة مالية حالت دون مواصلة دوره في نشر العلم والعبادة والاعتدال وتعزيز جهود الدولة في التنمية.
في حين يرى آخرون أن القرار كان بنية رفع الصبغة الإسلامية عن العمل المدني، ويرون بأن الطابع الديني الذي كان يكتسبه الجامع مكنه من جمع أوقاف طائلة وضخمة لا تقدر مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، التي لا تكتسب صبغة دينية، على جمعها، وفي ظل إعلان حركة النهضة، وهي الشريك الأقوى في الائتلاف الحاكم، عن دراستها لمشروع قانون جديد يعيد نظام الأوقاف، برزت أصوات معارضة رأت أن “هذا المشروع يستبطن أهدافا أخرى، أهمها أسلمة الحقل الجمعياتي الذي تهيمن عليه التوجهات الحداثية العلمانية”.
إمام جامع الزيتونة، المعروف بمواقف كثيرة عارض من خلالها حركة النهضة، صرح بأن الجرد الذي يمتلكه الجامع حول الممتلكات المصادرة، يتضمن وثائق تملك لأراضي زراعية تعادل نصف الأراضي الخصبة في تونس، مضيفا: “من بين المنقولات الأثرية للجامع–التي أخذتها الدولة- 35 مفتاحا و28 قنديلا وأربعة سيوف كلها من الذهب الخالص، إضافة إلى سبعة آلاف مجلد ومخطوط”.
ومن بين المؤسسات المنبثقة عن الجامع وأبرزها، جامعة الزيتونة، والتي كانت أول جامعة علمية على مستوى العالم الإسلامي، وكان من أبرز تلامذتها ومدرسيها مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون والمفسر والفقيه محمد ابن عرفة، والمصلح التونسي عبد العزيز الثعالبي وشاعر تونس أبو القاسم الشابي، مع العلم بأن جامعة الزيتونة في فترة الخمسينات كانت تتبنى البرامج الرسمية لوزارة التربية من المستوى الابتدائي وحتى شهادة ختم التعليم الثانوي، بالإضافة إلى إجازات جامعية عديدة في مجالات مختلفة.
غير أن مصير الجامعة لم يختلف كثيرا عن مصير الأوقاف، حيث صدرت قرارات من الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة بإغلاق المدارس التابعة للزيتونة ومن ثمة بغلق عدد الفروع الجامعية، وفي الأخير تم تحويل الجامعة إلى كلية للشريعة وأصول الدين، قبل أن يعود الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى تأسيس جامعة الزيتونة الحالية فور وصوله للحكم، ولكن دورها بقي محدودا ولم يتجاوز عدد طلابها في سنة 2009-2010 الألفي طالب.
كلثوم بدر الدين، النائب في المجلس التأسيسي عن حركة النهضة ورئيسة لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي، أكدت مضي الحكومة والكتلة النهضة في المجلس في تمرير مشروع قانون الأوقاف، إلا أنها قالت بأن القانون “لن يكون له (بعد التصديق عليه) مفعول رجعي”، أي أنه لن يتيح لجامع الزيتونة استرجاع أملاكه، وهو الأمر الذي ترفضه مشيخة الزيتونة، حيث لوح حسين العبيدي بأن “مشيخة جامع الزيتونية ستلجأ إلى القضاء الدولي في حال رفضت الحكومة إرجاع ممتلكات الجامع التي افتكتها الدولة في عهد الحبيب بورقيبة”.
ويذكر أنه في 12 أيار/مايو 2012، أعلنت مشيخة جامع الزيتونة “استئناف التعليم الزيتوني الأصلي” بالجامع وفروعه الـ 25 في كامل الجمهورية التونسية، وقال العبيدي أن حوالي 7000 طالب وطالبة يدرسون اليوم في جامع الزيتونة وفروعه “على المنهج الزيتوني العصري”، مشيرا إلى أن “تغييب دور جامع الزيتونة الدعوي والتعليمي لعقود في تونس أدى إلى انتشار الفكر الوهابي المتطرف والدخيل على البلاد، وإلى ظهور جماعات تكفيرية وإرهابية”.
وقال العبيدي أيضا، أن الحكومة الحالية كغيرها من الحكومات السابقة “لم تساهم بمليم واحد في نفقات جامع الزيتونة وفروعه”، مؤكدا أن المصدر الوحيد لنفقات الجامع هو “تبرعات أهل البر والإحسان”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “استرجاع الجامع لممتلكاته هو الضامن الوحيد لاستقلاليته، لأنه سيقطع الطريق أمام أي محاولة سياسية لتركيعه”.