بلغ الصراع الليبي ذروته في يوليو 2014 بعد انقسام السلطة إلى برلمانين وحكومتين وائتلافين عسكريين متناحرين، حيث يتخذ المؤتمر الوطني العام من العاصمة طرابلس مقرًا له في حين أن مؤتمر طبرق يتمركز في الشرق ويحظى كلاهما بدعم من قوى إقليمية متنافسة.
وبهذا انقسمت ليبيا بين فصيلين سياسين متنافسين وجماعات مسلحة تتصارع على السلطة وثروة البلاد النفطية بعد مرور أربع سنوات على إسقاط نظام معمر القذافي ومنذ ذلك الوقت وليبيا تنتج ما يقرب من 400 ألف برميل نفط يوميًا بعدما كانت تنتج نحو 1.6 مليون برميل يوميًا.
عانت ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 من هجمات متكررة من ميليشيات مسلحة وتنظيم داعش في ليبيا على منشآت النفط والغاز وإضرابات العاملين فيها والاستيلاء على الآبار النفطية وأماكن الإنتاج ومعامل التكرير من قِبل الميليشيات التي تسعى للحصول على موارد مالية، وأصبحت هذه الظاهرة ترهق الاقتصاد المحلي وتكبده خسائر مادية فادحة وهذا يفيد في المقام الأول المليشيات المسلحة وتنظيم داعش في توسيع وجوده وسيطرته على مناطق جديدة بسبب الفراغ الأمني في البلاد.
وفي سبيل الوصول لحلول تُخرج ليبيا من مأزقها بذلت الأمم المتحدة خلال الشهور الماضية محاولات عسيرة لتقريب وجهات نظر المتنازعين في ليبيا لإنهاء النزاع الدائر منذ 18 عشرًا، وقد نجحت أخيرًا في توقيع اتفاق بين المتخاصمين في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015 برعاية أممية حضره ممثلون عن 17 دولة والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتين كوبلر وممثلو الحكومتين المتنازعتين في ليبيا، وحالًا صادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار يقضي بتبني اتفاق الصخيرات واعتبر حكومة الوحدة الوطنية هي الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا.
إلا أن الصحفي الليبي “محمد فكرين” المهتم بالشؤون السياسية يقول لـ “نون بوست” إن اتفاق الصخيرات: “اتفاق هش وقائم على أساس المصالح مدعوم من قِبل الدول الإقليمية، وهو خالٍ من المضمون الذي يخدم مصلحة الشعب الليبي” ويُردف قائلًا “أنه اتفاق على سرقة أموال ليبيا وإعادة الوصاية الدولية على ليبيا من خلال الداعمين الإقليميين”.
وحول دور الدول الإقليمية في الاتفاق أفاد فكرين لـ “نون بوست”: “بالطبع الإمارات لعبت ولا تزال تلعب دورًا بارزًا في المجال الليبي وهي حصلت على حصة من تلك الوصاية أيضًا من خلال اتفاق الصخيرات، هذا الاتفاق فُرض فرضًا على الشعب الليبي ولم يُسأل عن رأيهِ فيه وقد خرجت عدة مظاهرات شعبية ترفض هذا الاتفاق تستطيع مشاهدتها إذا فتحت على القنوات الليبية الفضائية، ونحن نرفض اتفاق الصخيرات لعدم تعديل بعض البنود والأسماء الواردة فيه”.
ويتابع فكرين قائلًا “نحن ندعو لحوار ليبي ليبي يضمن حق الجميع وليس اتفاق هش مدعوم من قِبل جهات أخرى، اتفاق يحقن الدماء الليبية وينقل ليبيا إلى بر الأمان ويوحد الشعب الليبي تحت قبة برلمانية واحدة، يكون اتفاقًا ليبيًا ليبيًا لا اتفاقًا ليبيًا إقليميًا يخدم مصالح تلك الدول أكثر مما يخدم مصالح الشعب الليبي”.
في ظل حكومتين متخاصمتين تدّعي كلتاهما الشرعية يعاني الاقتصاد الليبي من الاستنزاف في أوضاع متأزمة بالفعل، حيث تم تكليف أكثر من 50 جهة لمتابعة الأموال المهربة والمنهوبة إلى الخارج، إلا أن البلاد لم تسترد دينارًا واحدًا للخزانة العامة، وفي ظل الأطماع الغربية والعربية يخشى الطرفان المتخاصمان من الوصاية الدولية على الأموال الموجودة في الخارج.
تأزم الأوضاع في ليبيا أدى إلى إفراط المصرف المركزي في السحب من احتياطاته من النقد الأجنبي وهو ما خفّض من رصيد الاحتياطي الأجنبي في نهاية عام 2014 إلى نحو 76 مليار دولار مقابل 105 مليارات دولار بنهاية عام 2013، خصوصًا بعد نقصان إيرادات المركزي من القطع الأجنبي جراء تدني سعر النفط عالميًا وتدني إنتاج البلاد من النفط والجدير ذكره أن الميزانية الليبية تعتمد على إيرادات لنفط بنسبة 95%.
وعن الاقتصاد الليبي والأزمة التي تعصف به قال فكرين لـ “نون بوست”: “إن الاقتصاد الليبي يمرُ بمرحلة خطيرة ومفصلية تزامنًا مع انخفاض قيمة الدينار والانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية، مع ما يؤكده المصرف المركزي الليبي أنّ الاحتياطي الأجنبي الموجود لديه سينفذ خلال أربع سنوات من الآن، وعليه فإنه إذا استمر الحال على ما هو عليه، ستواجه البلاد إشهار الإفلاس وتضطر للاستدانة من الخارج”.
وفي نفس السياق تفيد الأرقام أن الدينار الليبي خسر نحو 85% من قيمته مقابل الدولار منذ يناير 2011، علاوة على أن نمو الاقتصاد الليبي أصبح سالبًا والاقتصاد ينكمش بمعدلات عالية، فبحسب وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مجلة الإيكونوميست توقعت أن ينكمش الناتج الإجمالي لليبيا خلال العام الجاري (2016) بنسبة 8% مما يجعل من الاقتصاد الليبي الأسوأ أداءً عالميًا.
أما أرقام العجز المالي في الموازنة العامة اقتربت من 30 مليار دولار تقريبًا وقد حذر المصرف المركزي الليبي من مغبة استمرار الصرف بهذه الطريقة التي قد تودي بالبلاد إلى الانتحار المالي والاقتصادي، ففي بيان صحافي للمصرف أكد “أن إجمالي نفقات الدولة خلال الأشهر التسعة من عام 2015 بلغت 23.8 مليار دينار أي بعجز مقداره 9.5 مليار دينار ليبي”.
حلت ليبيا بين الدول العشر الأكثر فسادًا في العالم وفقًا لمؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2015 فخلال الأعوام الأربعة الماضية أهدرت الحكومات المتعاقبة المليارات دون إحداث تنمية في البلاد، فالوضع الاقتصادي في البلاد يتسم بالإنفاق المفرط وكان ديوان المحاسبة الليبي ذكر أن حجم إنفاق الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الأربع الماضية بلغ حوالي 158 مليار دينار، وقد حذر البنك الأفريقي للتنمية من آثار استمرار انخفاض إنتاج النفط في ليبيا، مؤكدًا أنه سيدفع الدولة الليبية للاستدانة في أي حال ما لم تنخفض معدلات الإنفاق غير الرشيدة التي تمارسها السلطات الحالية.
يتفق معظم الاقتصاديين الليبيين أن إنعاش الاقتصاد الليبي وعودة الاستقرار لقطاعات الدولة مقرون بالاستقرار السياسي الذي سيعمل على وقف نزيف الاقتصاد الوطني.
وعند سؤال “نون بوست” للصحفي فكرين عن إمكانية إصلاح الاقتصاد الليبي في مدة وجيزة بعد استقرار الأوضاع أجاب: “وضع الاقتصاد الليبي متردٍ ومتهالك لا يمكن إصلاحه في مدة وجيزة، فما تم تخريبه في مدة طويلة والهدر الحاصل في الإنفاق العام والسياسة غير الرشيدة التي أدت لاستنزاف الاقتصاد المحلي وموارده، يحتاج إلى فترة من الوقت مع تظافر لجهود جبّارة من قِبل الليبيبن مع توافر النية الصادقة لإخراج ليبيا من هذا المأزق وإيصالها إلى بر الأمان”.
وفي تقرير نشرته صحيفة “الفايننشال تايمز” فإن حالة عدم الاستقرار المستمرة في البلاد منذ 18 شهرًا تسببت في تراجع كبير للإنتاج النفطي من ذروته البالغة 1.4 مليون برميل يوميًا إلى أقل من 400 ألف برميل يوميًا حاليًا، ولكنها أكدت أنه في حال توافق الليبيون على حكومة جديدة في غضون 30 يومًا من توقيع اتفاق الصخيرات فستكون الخطوة الأولى نحو ضبط الأمن في طرابلس وترسيخ الاستقرار في البلاد وبالتالي رفع إنتاج النفط”.