على خلفية اشتعال الأزمة بين السعودية وإيران جَراء إقدام المملكة على تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 مدانًا من بينهم الشيخ الشيعي نمر باقر النمر وما تبعها من اقتحام وإحراق للسفارة السعودية في إيران وأعمال الشغب التي شهدتها منطقة القطيف شرق السعودية؛ انتقلت تأثيرات الأزمة إلى العراق البلد الأكثر صِلة بإيران على المستوى الرسمي والديني وغير الرسمي.
فبعد إعدام النمر قامت المليشيات الشيعية في وقت متأخر من مساء الإثنين بتفجير وإحراق مسجدين في محافظة بابل العراقية جنوب بغداد، استهدف الأول مسجد عمار بن ياسر بعبوات ناسفة زرعت داخلهُ كما أحرقت آخر، كما اغتال مسلحون إمام مسجد ثالث شمال المدينة، كما توالت التنديدات والشجب عن طريق بيانات صحفية من المراجع والقِوى الشيعية العراقية على خلفية الحادث حيث وصف المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الأحد اعدام المعارض الشيعي الشيخ نمر النمر في السعودية بـ “الظلم والعدوان” وذلك في رسالة بعثها إلى أهالي محافظة القطيف شرق المملكة.
وقال المرجع في الرسالة التي نشرها موقعه الإلكتروني الرسمي “تلقينا ببالغ الأسى والأسف نبأ استشهاد جمع من إخواننا المؤمنين في المنطقة الذين أريقت دماؤهم الزكية ظلمًا وعدوانًا، ومنهم العالم المرحوم الشيخ نمر النمر طاب ثراه”، أما رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي استنكر قائلاً “إن هذه الجريمة ستطيح بالنظام السعودي مثلما أطاحت جريمة إعدام السيد محمد باقر الصدر بنظام صدام”، فيما دعا الزعيم الديني العراقي مقتدى الصدر لتظاهرات في دول الخليج والعراق احتجاجًا على إعدام النمر.
وقد دعا الأمين العام لمليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في مؤتمر صحفي عقده مع مجموعة من زعماء المليشيات يوم الأربعاء، السلطة القضائية إلى تطبيق أحكام الإعدام بحق السجناء السعوديين في العراق المتورطين في جرائم إرهابية فورًا وبلا تردد كنوع من الرد على إعدام النمر، وقال: “على السلطة القضائية تنفيذ أحكام الإعدام التي صدرت بحق السعوديين المدانين بجرائم الإرهاب في العراق لأنهم أراقوا دماء العراقيين الأبرياء، وكفى تهاونًا بدماء العراقيين”، كما حذر الحكومة العراقية من إطلاق سراح المعتقلين السعوديين في العراق، ودعا الحكومة العراقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية لكونها تتبنى الأفكار التكفيرية ودعمها للإرهاب وقتلها أتباع أهل البيت على حد قوله.
دبلوماسيًا كشف وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري عن تحرك إقليمي لمعالجة الأزمة الحالية بين طهران والرياض، في ضوء العلاقات الجيدة للعراق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومع باقي الدول العربية، وأنه يجب التخفيف من حدة التوتر بالمنطقة، ولفت الجعفري إلى انسجام مواقف بعض الدول العربية مع مبادرة العراق، مُنوهًا إلى أنه أجرى اتصالاً هاتفيًا مع نظرائه في ست دول عربية إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، وكشف الجعفري عن قيامه بجولة في عدد من الدول العربية لاحتواء الأزمة، فضلاً عن عدد من اللقاءات التي سيجريها على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة الأحد المقبل، إلى جانب كلمته أمام المشاركين في الاجتماع الذي دعت إليه السعودية التي سيتطرق خلالها إلى خطر الإرهاب والتطرف، وللمصالح والأخطار الإقليمية المشتركة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لقد بدأت المملكة العربية السعودية تحسم أمرها في الكثير من القضايا وبدون تردد، وبقيادة جديدة وطموحة ليس في اليمن فحسب وإنما في المنطقة، وشكلت بالفعل التحالف الإسلامي العسكري بعد عاصفة الحزم لضرب الإرهاب السني والشيعي على حد سواء، لكن لهكذا مشروع وقرار تأثيرات واستقطابات حادة ستنعكس على المنطقة المستقطبة والمتوترة أساسًا والتي يُشكل العراق جزءًا رئيسيًا منها، خاصة وأن العراق حاضنة للنفوذ الإيراني سياسيًا ودينيًا فهل سينجح الجعفري في تخفيف حِدة التوتر بين البلدين؟