ما يحدث بين السعودية وإيران صراع سياسي مغلف بالبعد الطائفي ومعركة الجزائر سببها خليفة بوتفليقة.
تحدث زعيم الإخوان في الجزائر ورئيس حزب حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، في حوار لـ “نون بوست”، أن ما يحدث بين السعودية وإيران يندرج ضمن مخطط غربي يهدف إلى إشعال المنطقة بحرب طائفية تدوم 1000 سنة لا غالب ولا مغلوب فيها، وحذر من ثورة شعبية في الجزائر بعد تمرير قانون المالية لـ2016، ومسودة التعديل الدستوري، وقال إن الأزمة الاقتصادية ستجلب المتاعب للجزائر داخليًا وخارجيًا، مشيرًا إلى أن تونس تسير بشكل جيد وتشكل الاستثناء رغم أن ثورتها لم تكتمل، وأبرز أن النهضة بتراجعها إلى الخلف سمحت بانتقال ديمقراطي سلس.
ما قراءتكم لما يحدث بين الرياض وطهران وقد بلغ الأمر إلى قطع العلاقلات الديبلوماسية بين البلدين؟
العالم العربي يتغير والجغرافيا ستتغير، والإستراتيجيات والأولويات الغربية تتغير، فإيران لديها مشروع قومي فارسي، وهي تستغل الطائفية في مشروعها من أجل التمدد، والسعودية تشعر بأن زعامتها الدينية للعالم السني تهتز، ونفوذها الإستراتيجي في المنطقة يتآكل مقابل النفوذ الإيراني، لذا فالصراع في الحقيقة هو سياسي مغلف بالبعد الطائفي، وهذا يتناسب مع الإستراتيجية الغربية الجديدة.
الغرب الآن يعتبر أن المنطقة في السنوات المقبلة لن تبقى مهمة من ناحية المصالح المادية، على اعتبار أن البترول في دائرة المصالح الأمريكية تتراجع مع تراجع احتياطات الخليج، حيث من غير المستبعد أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية دولة مصدرة للطاقة.
لكن رغم تراجع المنطقة من حيث الأهمية، ستبقى المنطقة مهمة من الناحية الجيوإسترتيجية جدًا، وأمريكا لن تقبل أن يحدث استقرار في هذه المنطقة وأن تتشكل وحدة سياسية، لأن كلما تحققت وحدة سياسية في المنطقة بالنسبة للغرب ذلك يمثل خطرًا على مصالحها ومصالح إسرائيل خاصة، لذلك أمريكا تبلور إستراتيجيات من أجل تشتيت المنطقة وتمزيقها إلى دويلات صغيرة تكون كلها ضعيفة ومتصارعة فيما بينها وتبحث عن تحالفات خارجية على بعضها البعض، والطريقة الحالية هي تقوية أقلية ممثلة في إيران، والسماح لها بالتمدد داخل الأغلبية السنية الضعيفة.
النتيجة أن لا الأقلية الشيعية تستطيع السيطرة على الأغلبية السنية، ولا الأغلبية السنية المترهلة الضعيفة تستطيع أن تحسم الصراع مع الأقلية، لتتجه الأمور إلى حرب طائفية تستمر 1000 سنة، وهذا ما سيريح أمريكا والغرب، إذن ما يحدث بين السعودية وإيران يندرج ضمن هذه التحولات.
نحن ندين الأطماع الإيرانية والتمدد الإيراني والتدخل في الشؤون العربية، وفي نفس الوقت نرفض تسرع السعودية في قطع العلاقات مع إيران والتجييش، لأن ذلك يخدم المصالح الغربية، ونحن ندعو للحوار وعلى الجميع أن يعي للمخطط الذي سيتضرر منه الجميع، لأن البسطاء الذين يغرر بهم في حرب طائفية لن يدركوا بأن المشكل سياسي.
كيف ترون عدم انضمام الجزائر للتحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية؟
محددات مشاركة الجزائر في التحالف الإسلامي هي: أولاً الإرادة الغربية وبالذات فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا له تأثير كبير على الموقف الجزائري، حيث نعلم أن الغرب يقترب أكثر من خصم وهو إيران، ويبتعد أكثر من حليف هو السعودية، فهذه الأخيرة لازالت حليفة الغرب لكن هناك جفاء ولازالت إيران عدو لكن هناك تقارب، ولذلك الجزائر لن تغامر بمعاداة هذا التحالف أو الالتحاق به قبل أن تتضح الصورة.
المحدد الثاني هو كون الجزائر عضو في الجامعة العربية، وحينما تتحقق كتلة عربية كبيرة أي التحاق كل الدول العربية بالتحالف الإسلامي، الجزائر ستبقى في حالة عزلة، لاسيما وأن فضاء الوسط بدأ يتقلص، أقصد دول الممانعة سابقًا، وبقيت الجزائر وحدها في عزلة، ونحن نتأسف، لقد حققت السعودية مكاسب كبيرة، بما فيها تونس التي التحقت بالتحالف.
المحدد الثالث هو الأزمة الاقتصادية الجزائرية التي لو استمرت، تجعل القرار الجزائري يتأثر من طرف الخليج، لأن المال عنصر أساسي في السياسة الخارجية الخليجية، عكس إيران المعروفة بأنها دولة شحيحة لا تنفق على حلفائها والتابعين لها، إذن فالجزائر لو استمر وضعها الاقتصادي الصعب فإن الخليج سيقدم إغراء مالي كبير للجزائر وبه ستتجه الجزائر إلى الانضمام للتحالف الخليجي، وذلك سيكون مخالف لتقاليد السياسة الخارجية للجزائر وأهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هل ترون أن حركة النهضة التونسية تراجعت بانسحابها من المشهد؟
النهضة لم تنسحب من المشهد، بالعكس برلمانيًا هي رقم واحد، والقوة الاجتماعية هي رقم واحد، وهي القوة السياسية الأولى في البلاد، هي اختارت طريقة الرجوع إلى الخلف من أجل المساعدة على الانتقال الديمقراطي، وهي خطوة ذكية، لأن حركة النهضة يهمها بالدرجة الأولى استقرار تونس والمحافظة على الحريات والديمقراطية، وأخيرًا الاستمرار في العمل، وهو ما تحقق ويتحقق في تونس التي صنعت الاستثناء في دول الربيع العربي.
حركة النهضة تتوسع وتتطور على جميع المستويات، وسط الشباب والعمال والفلاحين، لذلك نرى أن حركة النهضة تسير بشكل جيد.
هل نستطيع القول بأن الثورة التونسية نجحت؟
نعم إلى حد ما، هي نموذج أفضل من غيره، صحيح أنها ليست ثورة مكتملة، وصحيح مكنت لعودة الفلول والنظام السابق بشكل جديد، ولكن هذا هو التطور الطبيعي، لأن التوانسة لا يستطيعون إلغاء بعضهم البعض، ربما من يملك الحس الثوري ينزعج من هذا، غير أن من يملك التكوين السياسي والاجتماعي يعلم أنه أمر طبيعي، وخير دليل الثورة الفرنسية.
ما علاقتكم بإخوان ليبيا؟
لا علاقة منهجية ودائمة مع إخوان ليبيا، لدرجة أننا نجهل موقعهم فيما يحدث ببلدهم من أزمة، هل هم مع هؤلاء أو أولئك، لكن كأشخاص نعرفهم ونلتقي في الندوات والملتقيات.
الكل كان يتحدث عن الغرفة المظلمة التي تصنع الرؤساء، وقد تمت تنحية الجنرال توفيق، وسجن اللواء حسان وأُحيل آخرون على التقاعد، من سيصنع الرؤساء في المستقبل؟
في الحقيقة يوجد صراع، صحيح في فترة سابقة كان هناك توافق داخل المؤسسة العسكرية بجناحيها العسكري والأمني، وهم من يصنعون الرؤساء وكل ما يأتي بعد ذلك مجرد إشكال، لكن لما الغرفة التي تصنع الرؤساء وقعت بها رجة كبيرة جدًا، وجدوا أنفسهم في حالة صراع كبير حول بديل بوتفليقة، لأن الجزائر منذ الاستقلال محكومة من الأعلى بين رئيس الجمهورية والجيش، فإذا كان رئيس الجمهورية من المؤسسة العسكرية فهو يسيطر على الرئاسة والجيش، وأما إذا كان من خارج المؤسسة العسكرية يقع اضطراب وتوازن غير مستقر، كما وقع بين بن بلة وبومدين ثم مع بوضياف والمؤسسة العسكرية وانتهت باغتيال بوضياف، وكذلك ما وقع منذ 15 سنة بين بوتفليقة والمؤسسة العسكرية، وقد استطاع أن يصنع استقطابًا داخل المؤسسة العسكرية بين قيادة الأركان وجهاز الأمن العسكري، فوقع تشتيت، والصراع الحالي هو حول من يخلف بوتفليقة.
وتلاحظون أن في مسودة التعديل الدستوري تم تمديد الفترة الانتقالية بعد وفاة الرئيس، إلى 90 يومًا، لماذا هذا التمديد؟ لأنه ليس لديهم بديل جاهز، وأرادوا أن يمنحوا الوقت لأنفسهم في حال ما وقع مكروه، لا قدر الله، والأعمار بيد الله، الآن المشكلة والمعركة بينهم لم تحسم بعد.
القضية ليست قضية أشخاص بل هي قضية دولة عميقة بين شخصيات لها منافع ومصالح وارتباطات في الداخل والخارج، لذا فالصراع مستمر، لكن باتت كل أطرافه ضعيفة ومكشوفة أمام الخارج، وهذا الخارج له اليد الطولى في الموضوع، فالرئيس المقبل بكل تأكيد، الأطراف المتصارعة يحرصون على أن يأخذوا الإذن والرضى من الخارج لتنصيب الشخص الذي يريدونه.
كيف ستتصرفون كحزب ثم كتنسيقية في التعامل مع مسودة الدستور؟
سنواصل توعية الجماهير وسنعمل كل ما تعمله الأحزاب في العالم، وسنلتزم بما تلتزم به كل أحزاب العالم، وهو الاتجاه للجمهور وللرأي العام، والاتجاه للشركاء في التغيير من بينهم رجال الإعلام، لأن الإعلام شريك في التغيير، والنقابات والمجتمع المدني، وسنقيم التحالفات مع الأحزاب من أجل تأطير وتوعية المجتمع والرأي العام، ونحن متفائلون جدًا، لأننا نعتقد أن هذه السنة 2016، ستكون سنة ذهبية للمعارضة.
وبالنظر الى تقرير لكصاسي الذي هو خطير، فإن سنة 2016 ستكون سنة متاعب للنظام السياسي، لأن الشعب سيتنبه بأنه كان مخدوعًا، ونحن نتمنى أن تكون سنة ذهبية للجزائر، نتمنى أن النظام السياسي عندما يشعر بالمخاطر في المواجهة مع الشعب والتبعات الخطيرة أمام 40 مليون جزائري، يتعقل ويشعر أن عليه أن يسمع نداء العقل ويرجع للمشروع الذي قدمته له المعارضة المتعلق بالانتقال ديمقراطي المتفاوض عليه.
بعد تمرير قانون المالية لـ2016 ثم طرح مسودة تعديل الدستور، كيف ترون المستقبل؟
مستقبل البلاد تحكمه محددات كثيرة، وأولها الوضع الاقتصادي والاجتماعي وهو الأهم، فعند قراءة تاريخ الجزائر منذ الاستقلال، نجد أن التحولات الكبرى كان سببها الانهيارات الاقتصادية، 5 أكتوبر 1988 أو ما تعلق بسنوات التسعينات والإرهاب الذي تمدد في البداية أين كانت الدولة مفلسة وجاثمة أمام البنك الدولي حيث لم تتمكن من التسديد، ويتبع ذلك صراعات داخل منظومة الحكم، ليزداد الوضع تعفنًا أكثر، وتأثيرات إضافية كالتدخل الأجنبي بسبب المصالح والقرب الجغرافي، فالجزائر دائمًا تحت المراقبة، ثم دور الشعب الذي يحسم الأمور، ونحن نميل إلى الجهة المجتمعية، حيث نؤدي الذي علينا وهو تقديم رؤية استشرافية وفق ما جاء في وثيقة مزفران وطورته الحركة إلى الانتقال الاقتصادي المتوافق عليه الذي يسير بالتوازي مع الانتقال السياسي.