الهبوط الدراماتيكي لأسعار النفط العالمية إلى حدود 30 دولارًا في يوم الثلاثاء 12 يناير 2016 للمرة الألى منذ ديسمبر عام 2003، حيث هبطت أسعار النفط عن مستواها القياسي 108 في عام 2014 بنسبة 72% وسجل نفط غرب تكساس للعقود الآجلة يوم الثلاثاء سعر 30.44 دولارًا للبرميل.
حسب محلل السلع في بنك باركليز فإنه يقول “وضع أسواق النفط الحالي أسوأ بكثير مما كنا نعتقد سابقًا”، كما حذرت مؤسسة “مورجان ستانلي” المالية من تهاوي الأسعار إلى ما بين 20 – 25 دولارًا للبرميل في الأشهر المقبلة بحسب رويترز.
وفق هذه المعادلة من السعر المنخفض للنفط فإن عدد من الدول المنتجة ستجد نفسها خارج نادي المُصدرين لارتفاع تكلفة الإنتاج أو تواجه صعوبة بالغة في أسواق التصدير، كما قد يحصل مع دول مثل كندا سادس منتج عالمي للنفط حيث يبلغ تكلفة البرميل هناك 41 دولارًا والبرازيل تاسع المنتجين 48.8 دولار والنرويج 36.1 دولار وبريطانيا 52.5 دولار حسبما تشير الأرقام التي أوردتها شركة ريستد إنرجي النرويجية للاستشارات، أي أن إنتاج هذه الدول للنفط أصبح غير ذي جدوى.
وفيما يلي تكاليف استخراج النفط لبعض الدول المنتجة في العالم:
بالطبع دائمًا هناك من يتلقف نتائج هبوط أسعار النفط بسعادة كما يحصل مع معدل سعر الغالون الواحد للبنزين في الولايات المتحدة الأمريكية حيث هبط السعر إلى أقل من 1.97 دولارًا للغالون هذا الأسبوع بمقابل 3.68 دولارًا في الشهور الماضية.
وفيما يلي أهم الأسباب التي أدت بأسعار النفط إلى الهبوط إلى هذه الحدود:
التخبط الحاصل داخل منظمة أوبك التي تنتج نحو ثلث احتياجات العالم من النفط، حيث تود بعض الدول المنتجة تغيير إستراتيجية المنظمة المتبعة في إبقاء سقف الإنتاج دون تغيير حفاظًا على الحصص السوقية للدول المنتجة ولإخراج المنتجين للنفط والغاز الصخري ذي التكلفة الأعلى من السوق، إلا أن هكذا اقتراح يجد اعتراضًا بحجج واهية من قِبل المملكة العربية السعودية أكبر مورد للنفط في المنظمة.
حاولت عدة دول في السنة الماضية إقناع السعودية بضرورة العدول عن هذه السياسة مثل فنزويلا، ولكن دون جدوى، كما طلب وزير الدولة النيجيري للموارد البترولية منذ يومين عقد اجتماع طارئ للمنظمة لمناقشة تدهور الأسعار إلا أنه لقي معارضة من قِبل دول غير خليجية في أوبك، حسب رويترز.
وبحسب الدكتور عبد الرحمن الجاموس الذي تحدث لـ “نون بوست” عن أسباب تراجع سعر النفط العالمي مُرجعًا إياه إلى “النمو المفتعل للصين التي عملت في السنوات الماضية من أجل رفع معدلات النمو في الناتج المحلي على ما يسمى النمو بالتضخم من خلال زيادة مستويات الإنفاق في الاقتصاد من أجل رفع قيمة الأصول المالية، فالواقع أنّ ما حصل في الصين هو تعزيز لاقتصاد الفقاعة من أجل تنشيط الاقتصاد الكلي الذي سيؤدي بالتالي إلى رفع معدلات النمو الفعلية في البلاد”، ويضيف الجاموس وهو دكتور في الاقتصاد والإدارة الإستراتيجية أنّ النمو الحاصل في الصين المستهلك الثاني عالميًا للنفط ومحرك الاقتصاد العالمي بدأ بالتباطؤ وبدأت الفقاعة بالانكماش بشكل متدرج ليعود الاقتصاد إلى حجمه الطبيعي”
ولدى سؤال “نون بوست” عن انعكاس انخفاض أسعار النفط على الدول العربية المستوردة أجاب الجاموس: “تلك الدول تعاني بالأساس من العجز الحكومي، فحالما توفر جزء من فاتورة الطاقة للبلاد، تعمل على سد جزء من العجز المالي لديها، لذلك لا تظهر فوائد انخفاض أسعار النفط على المشتقات النفطية كالبنزين والمازوت في الدول العربية ذات الاقتصاديات النامية”.
ويرى الجاموس أنّه “لا يجب تحميل أوبك مسؤولية انخفاض أسعار النفط بشكل شبه كامل، حيث تنتج أوبك ثلث ما يحتاجه العالم من النفط فقط، ويرى أنه على الدول التي تنتج بكثافة عالية تفوق قدرتها الإنتاجية أن تخفض من إنتاجها”.
ففي مقارنة أجراها بين روسيا والسعودية من حيث الإنتاج نسبة وتناسب مع الاحتياطي الموجود لديها، يقول الجاموس لـ “نون بوست” ” إن الكلام عن الإنتاج الروسي نسبة وتناسب مع الاحتياطي النفطي الذي تملكه نجد أن سقف الإنتاج في روسيا يقدر بنحو 10 مليون برميل يوميًا، ويقدر خبراء الجيولوجيا وخبراء النفط أن العمر النظري لنفاذ النفط في روسيا هو 15 سنة، في حين أن السعودية لديها قدرة على الإنتاج بسقف يقدر بحوالي 30 مليون برميل يوميًا وتحتاج إلى 76 سنة حتى ينفذ الاحتياطي الموجود في أراضيها، فتخيل هذه المقاربة، التي تظهر فيها روسيا أنها ترهق آبارها النفطية بالإنتاج الزائد عن طاقتها، بينما السعودية مستفيدة (من حيث المبدأ) لإنها نجحت في إخراج بعض منتجي النفط الصخري من حلبة الصراع”.
في حين يختلف رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الكويت الدكتور محمد إيراهيم السقا مع هذا الرأي في مقالة له يبين فيها أن أسعار النفط هي مسؤولية منظمة أوبك للحفاظ على اتحاد منتجي النفط المنضوين تحت قبة المنظمة، فمقدار الفائض في السوق النفطية يقدر بـ 2 – 3 مليون برميل بينما تنتج المنظمة 31.5 مليون برميل، لذلك بإمكان الدول المنتجة داخل أوبك امتصاص الزيادة من السوق بسهولة التي تمثل نسبة 10% من إنتاجها، وتعيد الأسعار إلى مستوى 60 دولارًا للبرميل، وإلا ستواجه المنظمة أخطار التفكك بسبب عدم اتفاق الدول كلها حول الإستراتيجية المتبعة.
يقول السقا “اتحاد المنتجين مثل أوبك يكون فعالاً في حالة واحدة وهي أن يكون هناك عجز في السوق أو نقص في المعروض من السلعة التي ينتجها الاتحاد، بينما يكون في أضعف حالاته عندما يكون هناك فائض سوقي من السلعة، وفي هذه الحالة الأخيرة عندما يأخذ أعضاء الاتحاد في التنافس على المزيد من الإنتاج، فإن الاتحاد يصب المزيد من الوقود على النار، وإذا لم يكن هناك تحرك سريع لمواءمة حصص الإنتاج مع احتياجات السوق وفقًا لآلية فعالة، فإن الاتحاد سوف يكون معرضًا للانهيار، معظم الحالات التي انهارت فيها اتحادات المنتجين كان سببها الأساسي هو الإفراط في الإنتاج والمنافسة على الحصة السوقية”.
ثاني سبب لهبوط سعر النفط هو الخوف من تباطؤ النمو في الصين أكثر، فإذا تباطأ الاقتصاد الصيني أكثر مما يتوقع المستثمرون فهذا يعني أن طلب الصين على النفط سينخفض بمقدار كبير وبالتالي ينعكس على أسعار النفط بمزيد من الهبوط.
السبب الثالث هو سماح الكونغرس الأمريكي للشركات الأمريكية بتصدير النفط للخارج، هذا الأمر أضاف على السوق معروض، علمًا أن السوق يعاني بالأصل من تخمة في المعروض بمقدار 2 مليون برميل يوميًا، فشركات النفط الأمريكية ضخت في شهر أكتوبر 2015 نحو 9.35 مليون برميل يوميًا.
من جهة أخرى فإن قوة الدولار الأمريكي تشكل خطرًا على أسعار النفط، فالنفط الخام يباع ويشترى بالدولار الأمريكي حول العالم؛ هذا يعني أنّ قوة الدولار ستؤدي إلى انخفاض أسعار النفط في المقابل، كما أشارت لذلك مؤسسة مورغان ستانلي حيث حذرت من أن قوة الدولار يمكن أن ترسل أسعار النفط إلى 20 دولارًا للبرميل.