“السيد رئيس المجلس، السيد نائب الرئيس، أعضاء الكونغرس، ومواطنيّ الأمريكيين: الليلة هي الذكرى الثامنة لمجيئي هنا لأول مرة للحديث عن حالة الاتحاد، ولأنها المرة الأخيرة، فسأحاول أن أجعل حديثي مختصرًا”، هكذا بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما كلمته أمس الثلاثاء في خطابه السنوي والأخير عن حالة الاتحاد، لكن أوباما الذي تحدث عن الكثير من القضايا في هذا الخطاب جعل متابعيه لا يرون في حديثه أي اختصار أو قِصر.
الرئيس الأمريكي الذي كان يخاطب شعبه منذ البداية مطالبًا إياه بالوحدة ونبذ الخلافات الحزبية، أعرب عن أسفه لأنه يترك الولايات المتحدة، بعد ثمان سنوات من السلطة، أكثر استقطابًا من ذي قبل، كان أوباما يقصد المحاولات التي بُذلت في الكونغرس لتعطيل أجندته، لكنه حاول التأكيد على أن الأمة الأمريكية لن تسقط فريسة في أيدي الساسة الغوغاء! أدرك الجميع أن أوباما يتحدث عن دونالد ترامب وخطابه الذي تعلو أصوات مؤيديه، فالملياردير الذي يتصدر سباق الرئاسة الأمريكية يستخدم تكتيكات شديدة الخطورة حسبما توصف من قِبل العقلاء في الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
كان ترامب حسبما كتب أحد الصحفيين الأمريكيين هو “كيس الرمل” الذي صدّره أوباما وسدد إليه ضرباته في الكثير من النقاط التي ناقشها في خطاب حالة الاتحاد؛ فقد قال أوباما إن الانتخابات المقبلة تشهد معركة استقطاب حول روح الولايات المتحدة.
“بينما يتزايد الحنق، ستتعالى الأصوات التي تطالبنا بالعودة لنصبح قبائلاً متفرقةً، وأن نضحي بأقراننا من المواطنين، جاعلين من هؤلاء الذين لا يشبهوننا، ولا يصلون صلاتنا، ولا يصوتون مثلما نصوّت، أكباش فداء” قال أوباما بثبات وتابع “لا يمكننا أن نمضي في هذا الطريق، لن يعطينا ذلك الاقتصاد الذي نريد، ولا الأمن الذي نطلب، وفوق كل ذلك، سيقضي على كل شيء يغبطنا عليه العالم”.
ورغم أن أوباما لم يذكر ترامب بالاسم طيلة خطابه، إلا أنه كرر التحذير من سياساته، فالأمريكيون يجب عليهم رفض “أي سياسة تستهدف المواطنين بناء على عرقهم أو دينهم”، وأكد “عندما يهين السياسيون المسلمين، سواء كانوا أمريكيين أو لا، وعندما يتم الاستهزاء بالأطفال أو الهجوم على المساجد، هذا لا يجعلنا أكثر أمنًا،… إنه يدمرنا في أعين العالم”.
إذن، شخّص أوباما مرض السياسة الأمريكية بداء ترامب، ولذلك فقد تابع تحذيراته من أن الديموقراطية لا يمكنها أن تكون فعّالة إذا غابت الثقة بين المواطنين.
عادة ما يتم دعوة عدة ضيوف لحضور خطاب حالة الاتحاد، وتمثل تلك الدعوة تجسيدًا لأولويات الرئيس، وهي تقليد قديم من تقاليد خطاب حالة الاتحاد، وللتأكيد على ما يقوله أوباما، فقد دعا رفاعي حمو، اللاجئ السوري الذي لاقت قصته تعاطفًا في أمريكا، لحضور الخطاب، بالإضافة لآخرين.
قضية سوريا والشرق الأوسط سُلط عليها الضوء بالتأكيد!
وفي معرض ذلك تحدث أوباما عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، فقد قال إن الحرب على داعش ليست حربًا عالمية ثالثة، وأكد أن القاعدة وداعش مصيرهما الفناء وأن الخطر الذي يمثلانه ليس وجوديًا، لكن يجب اقتلاعهما، وقال إنه “يجب منع هذه التنظيمات من الادعاء بتمثيل الإسلام”.
أراد أوباما أن يظهر واثقًا، فقال “إن جموعًا من المقاتلين المتمركزين فوق شاحنات صغيرة وأشخاصًا نفوسهم معذبة يتآمرون في شقق أو مرائب سيارات، يشكلون خطرًا هائلاً على المدنيين وعلينا وقفهم، ولكنهم لا يشكلون خطرًا وجوديًا على وطننا”.
في أكثر من موضع في حديثه خاطب أوباما الأمريكيين باعتبارهم أصحاب أعظم دولة في العالم، “دعونا نبدأ بالاقتصاد، وبحقيقة أساسية: الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه اللحظة، تمتلك أقوى اقتصاد والأكثر استدامة في العالم”، وليستدل على ما يقول، تابع أوباما مستشهدًا بأكثر من 14 مليون فرصة عمل تم توفيرها منذ 2010، تابع أوباما “دعوني أخبركم شيئًا ما: الولايات المتحدة هي أقوى أمة على ظهر البسيطة. نقطة”.
ورغم تلك الكلمات القوية، ظهر أوباما بشعره الذي غزاه الشيب مختلفًا عما كان عليه قبل سبع سنوات، خطابه الذي جاء في 5462 كلمةً لم يعد مثاليًا كما كان في السابق، كما أن حماسته التي شهد عليها العالم في شعار “نعم، نستطيع” فقدت الكثير من رونقها، خاصة مع حديثه الذي بدا يائسًا بشأن مطالبته للكونغرس بإغلاق معتقل غوانتانامو، وهو الوعد الذي قطعه أوباما على نفسه كهدف للسنة الأولى من رئاسته أثناء حملته الانتخابية، ولذلك فقد حاول أوباما أن يركز في كلماته على المستقبل البعيد، كان من الواضح أن الرئيس يدرك أن السنوات القليلة المقبلة لن تكون أيسر من سابقاتها.
غير أن الرئيس الأمريكي طمأن مواطنيه إلى أن “أمريكا شهدت في الماضي تغيرات كبرى، من حروب وكساد اقتصادي وتدفق مهاجرين ونضال من أجل الحقوق المدنية… في كل مرة كان هناك من يدعونا إلى الخوف من المستقبل، وفي كل مرة انتصرنا على هذه المخاوف”.
وكما تحدث أوباما عن المستقبل البعيد، أثار استياء الكثيرين بحديثه عن الماضي البعيد أيضا، فقد قال أوباما “في عالم اليوم، لسنا مهددين – في الولايات المتحدة – بواسطة إمبراطوريات شريرة، لكننا مهددين بالدول الفاشلة”، وتابع”يمر الشرق الأوسط بتحولات ستستمر لجيل قادم، لكنها متجذرة في صراعات تعود لأكثر من ألف سنة”.
فقد علق أكاديميون وصحفيون على ذلك التصريح بأنه “خطأ كبير”، فصراعات الشرق الأوسط في مجملها تعود للقرن الماضي، والكثير منها وجد جذوره في حياة أوباما؛ فعلى سبيل المثال، يُرجع الكثيرون أزمات السنة والشيعة إلى 1979 وما تلاها، كما أن قضايا كبرى مثل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أو الغزو السوفيتي لأفغانستان أو التواجد الروسي في الشيشان، كل ذلك يعود لسنوات قليلة مضت.
ربما حاول أوباما التسرية عن نفسه أو تجاهل حقيقة مسؤولية الغربيّ عن مشكلات المنطقة بالقول إن تلك الأزمات التي لم يستطع أوباما حلها، هي أزمات مستعصية مزمنة، لكن خريج هارفارد الذكي فشل في ذلك.
تحدث أوباما عن قضايا التعليم والصحة والأمن المناخي، كما أنه ترك مقعد ضيف فارغًا في إشارة إلى ضحايا استخدام السلاح في أمريكا الذي يحاول تقنينه بلا جدوى، تحدث عن الكلمات السحرية: “الأمل” و”التفاؤل” التي لم يزل يكررها منذ حملته الانتخابية الأولى، لكن الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة لم يحقق الكثير ليجعل العالم يصدقه عندما يردد تلك الكلمات.