ترجمة حفصة جودة
لقد كان مؤلمًا رؤية بولندا خلال الأسابيع الماضية، والتي كانت لمدة طويلة الطفل المدلل بين دول أوروبا الشرقية التي خرجت عن قبضة الكريملين الخانقة، تتبنى إجراءات ديكتاتورية خاصة بها ( بلا أي تأثير من الديكتاتورية الشيوعية)، لا تمثل أقل من اعتداء يميني قومي على الإعلام والقضاء في البلاد، ومن المقرر أن تقوم المفوضية الأوروبية بدراسة العقوبات المحتمل فرضها ولكنها لن تتخذ أي إجراء على الأرجح، جزئيا بسبب المجر والحكومات الأخرى المتعاطفة مع بولندا والتي لن تقوم بالتصويت ضدها، وأيضًا لأنه قد يؤدي لتعميق العداء بين وراسو (عاصمة بولندا) والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك ينبغي أن يكون واضحًا للحكومة البولندية أن تراجعها عن القيم الأساسية للديموقراطية الليبرالية حماقة تستحق اللوم عليها.
منذ فوزه في الانتخابات القومية أواخر أكتوبر الماضي قام حزب العدالة والقانون – القومي والمعادي للاتحاد الأوروبي – بقيادة رئيس الوزراء السابق ياروسلاف كاتشينسكي بالانتقال سريعًا إلى أجندة أعماله المحافظة؛ حيث قام بتعبئة المحكمة العليا بقضاة تابعين له، وقام بالحدّ من قدرة المحكمة على منع التشريعات وفرض مزيد من سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وقام أيضًا باختيار أحد المخلصين السابقين للحزب – المحكوم عليه في قضية لإساءة استخدام السلطة – للإشراف على الشرطة والاستخبارات، وقام بنزع أعلام الاتحاد الأوروبي من اللقاءات الصحفية الحكومية.
هذا التغير المفاجئ ناحية اليمين والذي يحاكي سياسات صديق كاتشينسكي، رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، أدى إلى تذمر أعضاء الاتحاد الأوروبي من طريقة الدول التابعة للاتحاد السوفيتي سابقًا لدخول الاتحاد والاستفادة من كرمه ثم الانقلاب على مبادئه الأساسية، هذا التغير البولندي قد أدى لمزيد من الإحباط لأن حزب العدالة والقانون قد أحدث بالفعل صدعًا في السلطة بقيادة ياروسلاف كاتشينسكي وتوأمه ليخ كاتشينسكي منذ عشر سنوات حيث تم خلعه بعد عامين من الاضطرابات.
ولكن بالرغم من الأسى الذي تسببه سياسات بولندا إلا أنه يعكس الصعوبات الجمة التي تواجهها دول أوروبا الشرقية لاستيعاب اقتصاديات السوق الحرة والحريات الاجتماعية للمجتمعات الغربية التي انفصلوا عنها قسرًا منذ عقود، هذه التحديات قد تفاقمت بسبب شعور دول أوروبا الشرقية بالظلم وأنها أقل تقدمًا وأقل في مستوى المعيشة من جيرانها الغربيين.
هذه الشكاوى ليست فريدة من نوعها في أوروبا الشرقية؛ فالديموقراطية الليبرالية ومؤسساتها في كل أوروبا (وإلى حد ما في الولايات المتحدة) يتم تهديدها من المواطنين الخائفين من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وعدم استقرار الاقتصاد، وحزب العدالة والقانون البولندي هو أحد تلك الحركات الرجعية التي ظهرت في الديموقراطيات الناضجة.
المشكلة أيضًا أن السيد كاتشينسكي والمشابهين له يتصورون أن الاتحاد الأوروبي أو المؤسسات الديموقراطية الليبرالية تشكل تهديدًا لطريقة حياتهم ولم يفهموا أن اتحادًا من قيم وحريات مشتركة ومؤسسات مستقلة لحمايتهم هو أضمن وسيلة للدفاع عنهم ضد الديكتاتورية التي عانوا منها في ظل الشيوعية.
قد يؤدي فرض العقوبات على بولندا إلى نتائج عكسية وربما بعض النفاق وسيسمح بانتشار الأحزاب المشابهة في كل أوروبا، لكن هذا لا يمنع رؤساء الاتحاد الأوروبي من إخبار البولنديين بأن سياسات السيد كاتشينسكي تُعتبر انحرافًا خطيرًا عن الديموقراطية التي تبنتها بولندا منذ 25 عامًا.
المصدر: نيويورك تايمز