حالة من الارتباك والهلع أصابت العاصمة الإندونيسية جاكرتا صباح اليوم في مشهد فوضوي تشهده جاكرتا للمرة الأولى بعد نهاية فترة التفجيرات التي كان آخرها تفجيرجاكرتا سنة 2009 الذي راح ضحيته المئات، فالشكل الجديد الذي تمت به التفجيرات اليوم لم يسبق حدوث شيء مماثل له في الماضي، حيث حصلت عدة تفجيرات واشتباكات مع الشرطة وفجر اثنان من الانتحاريين نفسيهما، كما فككت قوات الأمن والشرطة عبوتين تفجيرتين قرب السفارة التركية والباكستانية في موقع الهجوم، وأدت الهجمات إلى سقوط ستة قتلى، ثلاثة منهم من الشرطة وثلاثة من المهاجمين إضافة للعديد من الجرحى.
تبنى تلك التجيرات في وقت لاحق تنظيم الدولة الإسلامية عبر وكالة أعماق الإعلامية التابعة لها، علمًا أن بداية تلك الانفجارات وقعت في نقطة للشرطة الإندونيسية وسط العاصمة جاكرتا تبعه بعد ذلك عدة انفجارات في مقهى ومركز تجاري مقابل مكتب الأمم المتحدة وبعدها وقع تبادل لإطلاق النار بين المهاجمين والشرطة.
وبحسب تصريح للباحث السياسي “مسلم عمران” من إندونيسيا، لـ “نون بوست” “الهجوم تم من قِبل 10 – 14 شخصًا على مجمع سارينا التجاري بوسط العاصمة جاكرتا، بعد التفجير اشتبك المهاجمون مع قوات الأمن التي هرعت لمكان الحادث، تلتها 6 تفجيرات أخرى، وسقط على إثر الهجوم 7 قتلى منهم رجال شرطة وشخص هولندي كان في موقع الحادث”، وشدد عمران وهو باحث في مجال شؤون دول جنوب شرق أسية على أهمية الموقع الذي جرت فيه الهجوم حيث يقع في منتصف البلد في منطقة تجارية حيوية جدًا تبعد 1.5 كيلومتر عن القصر الرئاسي وبجانب مبنى الأمم المتحدة.
ولكن لماذا اختار المهاجمون إندونيسيا؟
تعد إندونيسيا أكبر بلد من بين بلدان جنوب شرق أسيا، ويبلغ عدد السكان فيها 255 مليون نسمة 80% منهم مسلمين وهي بلد مؤثرة في المنطقة، تتأثر الدول المحيطة بها لعدة عوامل بدءًا بحجم الدولة وعدد السكان وحجم الاقتصاد القومي وعوامل أخرى.
وبالكلام عن الاقتصاد، فإنه يحدونا القول أنّ إندونيسيا كانت الدولة الأكثر نموًا بين دول مجموعة العشرين خلال الأعوام 2008 – 2012، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لها في عام 2014 حوالي 888 مليار دولار ما أهلها للانضمام لمجموعة العشرين في المركز السادس عشر، وحققت في السنوات الـ 15 الماضية معدلات نموًا بين 4 إلى 6% ونسبة تضخم 6.4%.
يحتوي سوق العمل الإندونيسي على 125 مليون شخص يعمل 40 مليون منهم في قطاع الزراعة و25 مليون في التجارة والخدمات و18 مليونًا في الخدمات الاجتماعية والوظائف الحكومية و15 مليون في القطاع الصناعي،إلا أنّ المجتمع الإندونيسي يعاني من تباين في الطبقات الاجتماعية حيث بلغت الطبقة المتوسطة 45 مليون شخص ويشكل الفقراء أكثر من عُشر السكان.
يعتمد اقتصاد البلد على تصدير النفط والغاز والذهب ومعادن أخرى وهي عضو في منظمة أوبك تنتج 1.5 مليون برميل يوميًا حيث تشكل صادرات النفط والغاز والمعادن ثلث صادراتها، وتعد الأولى في العالم في تصدير الفحم وتمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة التي تنتج محاصيل زراعية ذات قيمة إنتاجية عالية، إلا أنّها تعاني بحسب خبراء من عدم إضافة أي قيمة مضافة على المواد الخام حيث تصدر كما هي، كما أنها لا تتحكم بدائرة الإنتاج والتوزيع لهذه الثروات.
برزت مشكلة إندونيسيا بين دول النمور الخمسة في عام 1997 بعد الضرر الذي لحق بها من الأزمة المالية الأسيوية 1997-1998 حيث انخفضت العملة الإندونيسية مقابل الدولار الأمريكي من 2600 إلى 14000 روبية وانكمش الاقتصاد بنسبة 13.7%.
تعد البلاد فيما سبق بلدًا زراعيًا ولكن سياسة التنمية التي قادها رئيس البلاد في السبعينات أدت لتطوير قطاع الصناعة بشكل كبير حتى واجه القطاع الزراعي خلال العقدين الأخيرين تهميشًا واضحًا مما أدى إلى تراجع دور الزراعة في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي فموازنة الدولة السنوية لعام 2015 مثلًا خصصت للزراعة 2% فقط في حين أنها تسهم بنسبة 15% من الناتج الإجمالي المحلي ويبلغ عدد العاملين في مجال الزراعة 40 مليون شخص، أدت هذه السياسة المتبعة لتخلي المزراع عن أرضه ومحصوله للتوجه نحو أعمال أخرى على الرغم مما يشكله قطاع الزراعة من أهمية بالغة في تأمين الغذاء للسكان، بالإضافة إلى ضعف مساهمة القطاع الصناعي في الصناعات الغذائية في إندونيسيا.
وحسب الباحث “مسلم” فإن تركيز الرئيس الحالي جوكووي على الأجندة الاقتصادية؛ حيث يركز لرفع مستوى الاقتصاد الإندونيسي والاستمرار في تحقيق معدلات نمو مرتفعة بهدف جذب استثمارات أجنبية أكثر، بالإضافة إلى تعزيز قطاع السياحة وخير شاهد على ذلك هو إسقاط الفيزا عن 154 دولة حول العالم فأصبح مواطنو تلك الدول يحصلون على تأشيرة دخول من المطار مباشرة أثناء سفرهم إلى إندونيسيا.
تفجيرات جاكرتا التي حصلت اليوم ستؤدي بالضرورة إلى تخوف السياح من القدوم إلى إندونيسيا، وستؤدي لزيادة الاحتياطات الأمنية والتشديد على المعابر الحدودية وكلها عوامل قد تؤثر على حركة السياح داخل البلد.
ويكمل مسلم لـ “نون بوست”: “إن هذا التفجير قد يسهم في عودة السياسة الأمنية التي كانت سائدة في البلاد في العقد الماضي، وعليه فإن قطاع السياحة هو المتضرر الأول بالفعل من هذه التفجيرات خصوصًا أن المهاجمين اختاروا مجمع سارينا التجاري المشهور في جاكرتا الذي يعد من أقدم المجمعات التجارية في العاصمة، في محاكاة لزعزعة الأمن في العاصمة للتأثير على اقتصاد البلاد”.