أخذت مضايا نصيبا من الاهتمام الدولي والانساني بفعل الصور التي خرجت مقدمةً واقع اهاليها وما فعلته المجاعة باجسادهم، لكن مدينة الموصل شمال العراق وثاني اكبر مدينة عراقية من حيث المساحة والسكان بدأت تدخل بوابة مصير مضايا لا صورة عنها.
تتلخص مشكلة الموصليين بعدم قدرتهم على شراء المواد الغذائية والادوية والوقود بسبب الازمة المالية الخانقة التي يعيشون تحت وطئها بفعل الحصار الحكومي عليهم، التعتيم الاعلامي الذي يمارسه داعش ورضخت له وسائل الاعلام اخفى الكثير من معالم القصة.
يقول احد الاهالي بشير مصطفى ” تعاني الموصل حصارا فرضته الحكومة العراقية علينا بقطع كافة الطرق التي تربط المدينة بباقي مدن العراق ومنعت وصول المواد الغذائية والمحروقات والادوية، فيما منع داعش السكان من مغادرة المدينة لأي سبب، والاوضاع الانسانية في تدهور بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي للأهالي وعدم قدرتهم على شراء احتياجاتهم الاساسية “.
واضاف ” تابعنا ازمة مضايا عبر التلفاز وفي نفس وقت تعاطفنا معهم لكننا غبطناهم لان هناك كامرة تمكنت من نقل معاناتهم وقلم تمكن من الكتابة بينما نحن لا نجد من ينقل معاناتنا “.
وتشهد الاوضاع الاقتصادية في الموصل تدهورا كبيرة منذ اكثر من سنة بسبب قطع الطرقات التي تربط المدينة بالعالم الخارجي من قبل الحكومة العراقية التي اوقفت ايضا صرف مرتبات الموظفين بذريعة ان تنظيم داعش يحصل على تمويل له من خلال استقطاع بعض النسب منها.
وتوقف جميع المشاريع وعملية البناء والتجارة والحركة التجارية في السوق شبه متوقفة ليعاني الاقصتاد ركودا كبيرا، الامر الذي ادى الى وصول شريحة كبيرة من السكان الى تحت خط الفقر.
وتعتمد الموصل في اقتصادها على ثلاث اركان رئيسية اضافة الى رواتب الموظفين، وهي الزراعة وشبه متوقفة حيث تحولت غالبية الساحقة من الاراضي الزراعية الى مناطق عمليات عسكرية، والصناعة توقفت عجلتها ايضا لعدم توفر المواد الاولية وعدم توفر الطاقة التي تشغل المكائن، والتجارة كونها مدينة حلقة وصل محلية وخارجية وشبه متوقفة ايضا بفعل غلق الطرق وعزل المدينة عن محيطها الخارجي.
يقول الاستاذ في جامعة الموصل (س، ص) ” كل الاحتياجات الاساسية للانسان لم يعد قدرة الموصليون على توفيرها، فالكهرباء التي قطعتها الحكومة لجا السكان الى شرائها من مولدات خاصة وباثمان باهضة، والماء بعد توقف مشاريعها بسبب انقطاع الكهرباء يتم شرائه من صهاريج تاخذه من مياه النهر مباشرة”.
واضاف ” الدواء شح من المستشفيات بسبب الحصار، ولا قدرة لغالبية الاهالي لشرائه من الصيدليات، كذلك المنتوجات النفطية التي تستعمل للطبخ والتدفئة وتسخين الماء، ومع كل ذلك يأتي داعش ليجبر السكان على دفع اتاوات تحت مسميات مختلفة ومن يمتنع فالسجن او مصادرة ممتلكاته”.
واوضح ” توجيه الانفاق للموصليين اصبح فقط للطعام وما يتبقى للطاقة والوقود، اما الدواء فاصبح من الامور الثانوية، اعتقد اذا بقى الحال لاشهر فان المدينة مقبلة على مجاعة وكارثة انسانية خصوصا بعد انعدام فرص العمل بشكل تام”.
ويعاني الاهالي من طبقة الموظفين ومتوسطي وضعفاء الحال الاقتصادي من نفاذ مدخراتهم المالية بعد ان لجئوا اليها منذ سنة تقريبا بسبب توقف مواردهم المالية ونفاذ فرص العمل، وتؤكد نسبة ليست بالقليلة من الموصليين انهم قللوا وجبات الطعام الرئيسية من ثلاثة الى اثنان وبعض العوائل الى واحدة، فيما تتناول عدد من العوائل وجبة واحدة كل يومين او ثلاثة، اما العلاج فيحاولون تحمل المرض لعدم قدرتهم على شرائه.
يقول المواطن صالح يونس ” نسمع اخبارا وقصصا عن عوائل لا تتذوق الطعام المطبوخ على النار الا مرة واحدة كل اسبوعين او ثلاثة، فيما اكد لي احد اقاربي ان عائلته لم تأكل طعام مطهو بالزيت او الدهن الغذائي منذ خمسة اشهر ويعتمدون على سلق الخضار فقط كوجبة وحيدة للطعام وطبخ البرغل للاطفال فقط كي يشعروا بالدفئ، فيما يعمد بعض ارباب العوائل الى انتظار محال الخضار عند الاغلاق لجمع الخضراوات التالفة كي يقدمونها لعوائلهم كوجبة واحدة يومية “.
واضاف ” مشكلتنا في الموصل ليست الفاقة والحاجة فقط بل عدم التحدث بها من قبل وسائل الاعلام وتاخر عملية تحرير المدينة من داعش، الواقع سيئ جدا لا يمكن وصفه بكلمات بسيطة، نسمع عن عوائل تدفع اطفالها للنوم مبكرا حتى لا يطالبونهم بوجبة العشاء ولا يشعروا ببرد الشتاء”.
مشيرا الى ان ” بعض السكان يعانون من مشاكل معوية لانهم يأكلون الخضراوات الورقية (السلق واللفت) كنوع واحد من الطعام لأيام متتابعة، ونساء طاعنات في السن يتوسلن على الابواب او في الاسواق ثمن عدة ارغفة من الخبز، وموظفين يبيعون ممتلكاتهم من الاثاث والاجهزة الكهربائية للحصول على طعام يكفيهم لايام محدودة”.
واوضح ” ما يميز مضايا انها حصلت على كامرة وصورت ونقلت معاناتها لكن الموصل تفتقد الى ذلك بسبب اجراءات داعش التي تمنع نقل ما يجري في المدينة حتى لا ينفضح امرها وتنكشف الحقائق السيئة التي تحصل داخل المدينة للعالم الخارجي وان التنظيم مثلما ماهو ظالم فانه فشل في ادارة المدينة، ولا نبرئ ساحة الحكومة العراقية فهي تتحمل مسؤولية كبيرة فيما يجري بسبب حصارها على الموصل والممطالة في تحريرها”.
المواد الغذائية وان توفرت لكن اسعارها التي في ازدياد لا تتناسب مع الحال المعاشي المتراجع للسكان، فلم يعد لدى الكثير منهم ما يكفي من المال لشرائها فممتلكاتهم لم تعد تساوي الا اقل من ثلث قيمتها.
عندما نتكلم عن مدينة يقدر عدد سكانها بنحو 2 مليون نسمة لم يرضخوا لحد الان لتهديدات تنظيم داعش بالانضمام اليه ومضطرين للتعايش القسري تحت حكمه، فان مصيبتهم قد تكون كبيرة في الارقام، وحالات المجاعة الفردية حاليا قد لا تلفت الانتباه الا بتجاوز نسبتها الـ 25% اي ما يقارب خمسمئة الف شخص يعاني الجوع.
يقول الناشط من اهالي الموصل والمقيم في اربيل الذي فضل ان نسميه (عبدالله الموصلي) ” تنظيم داعش فرض اجراءات مشددة في الموصل تتمثل بعدم السماح لوسائل الاعلام بالعمل داخل المدينة وكذلك الصحفيين والاعلاميين الذي غادروا المدينة عند سيطرة التنظيم عليها في 10 حزيران 2014، وطارد من تبقى منهم، ومنع الاهالي من التقاط الصور او التصوير بكامرة الموبايل”.
واضاف ” من ينشر اي شيء على الانترنت يتم اعتقاله بتهمة تسريب معلومات امنية التي يصفها التنظيم بالرِدة والتعامل مع القوات الامنية والتجسس لقوات التحالف، اما عن كيفية معرفة من ينشر حتى لو كان الحساب وهمي، فان الحكومة العراقية قطعت الانترنت عن الموصل، وقامت بعض شركات الانترنت الخاصة داخل المدينة بتوفير الخدمة عن طريق منظومات عبر الاقمار الصناعية التي فرض التنظيم رقابته عليها وعلى المشتركين ومتابعة كيفية استعمالهم للانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي”.
واوضح ” سجلت العديد من الحالات لاعتقال ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي او مدراء صفحات واعدام بعضهم بسبب نقلهم لواقع المدينة ونشر صور”.
واكد الناشط الموصلي، ان ” داعش لا يكترث بما يحل بالسكان المحاصرين داخل الموصل لذلك يعمد الى التعتيم الاعلامي وتكميم الافواه، ما يهمه فقط صورته وتلميعها وان الحياة تحت حكمه متكاملة، لكن الواقع عكس ذلك هناك قصصا انسانية مروعة لما يجري في الداخل” .
ولفت الى ان ” وسائل الاعلام التقليدية والفضائيات ووكالات الانباء العالمية لا تتناول الوضع الانساني داخل الموصل، وتتعامل مع المدينة بطريقة بيروقراطية من حيث مصادر الاخبار ونقل الواقع وتبحث عن صورة مثل ما حصلت عليه من مضايا، فان خنقت الصورة في الموصل هل تترك تواجه مصيرها”.
ودفع نقص القدرة الشرائية لسكان الموصل لجوئهم الى اجراءات تمثلت بتقليل الطعام واستعمال وقود التدفئة حتى ان الكثير من العوائل لم توقد مدفئة لحد اليوم منذ بداية الشتاء بالرغم ان معدل درجات الحرارة اقترب في بعض الايام الى الصفر المئوي.
ويخشى على المدينة من مصير مجاعة مشابه لما حدث في مضايا تتفشى بين سكانها بسبب عدم قدرتهم على شراء الطعام وكذلك التدفئة فيما لا تلقى هذه المشكلة اي صدى اعلامي، لكن الوضع سيكون اسوء بسبب كبر عدد السكان، كما بدأت تُسجل مشاكل في الجهاز الهضمي لدى الكثير من الاهالي بسبب نوع الطعام الواحد وقلته.
والسؤال ماذا لو قررت منظمات الاغاية ادخال مساعدات الى الموصل فهل يسمح داعش بدخولها، الجواب كلا، لانه لا يعرتف بأي دولة او منظمة او مجموعة الا بقدر ارتباط ذلك بمصلحته.