ترجمة حفصة جودة
من خلال عملي كمضيفة في سلسلة مقابلات برنامج “إيند اوف لايف يونيفرستي ” (جامعة نهاية الحياة) فقد نلت شرف التحدث مع عدد من الخبراء في مجال الحزن والفقدان خلال العامين الماضيين، حيث خاض جميع هؤلاء الأشخاص رحلاتهم الخاصة في طريق محفوف بالفقدان والصدمات ويعملون اليوم على مساعدة الآخرين الذين يتعاملون مع حالات الموت والحزن.
يعتبر هذا الموضوع مهمًا في هذا الوقت من العام لأن مشاعر الحزن تطّرد بكثرة في موسم العطلات؛ فالذكريات السعيدة التي قضاها المفجوعون بأحبابهم الذين تولاهم الله، تُعتبر مصدرًا متجددًا للضغط والألم لأولئك الذين ما زالوا يقاسون في طريق الحزن، مما يقف في طريق احتفالهم وبهجتهم في أفراح موسم الأعياد التقليدية.
ولكن من خلال حديثي مع الناجين من مآسي الحزن وجدت بأنهم جميعًا يشعرون بأنهم نضجوا عاطفيًا وروحيًا جرّاء التحديات التي واجهوها، كما استطاعوا صياغة مسار حياتهم وعملهم الحالي بالتعويل على تلك الأحزان، وعلى الرغم من تفرّد تجربة الحزن بالنسبة لكل شخص مر بها, إلا أننا نستطيع أن نلخص بعض النصائح التي شاركها معنا هؤلاء الخبراء.
1- كن على اتصال مع الآخرين
بعد وفاة ابنتها ذات العامين بسبب تشوه خلقي, وجدت بليث لورد راحتها في علاقتها بأخيها وزوجته اللذان فقدا طفلهما بنفس المرض، حيث أوضحت بليث بأن مشاركة حزنها مع الآخرين، الذين يستطيعون استيعاب ماهية ألمها، يجعله أكثر احتمالًا، كما انخرطت في مجموعة (شبكة الآباء الشجعان) لتقدم الدعم للآباء الذين يحاولون التأقلم مع واقع أطفالهم المصابين بمرض يقصّر من احتمالات استمرار الحياة.
لذلك، ينبغي عليك ربما للتخلص من حزنك أن تفكر بالانضمام لمجموعة دعم ومواساة، التطوع في جمعية خيرية محلية، حضور الاجتماعات الدينية، الذهاب إلى مقهى الموت “ديث كافيه”، الاجتماع مع الأشخاص الذين يعانون من الحزن في مجتمعك، أو حتى تأسيس مجموعتك الخاصة للقاءات الدعم والمواساة.
2- استخدم الحزن لشحن طاقة إبداعك
عندما واجهت فنانة التصوير، سارة تريانور، أزمة وفاة خطيبها إبان فقدانها لوالديها في مقتبل حياتها، كانت تشعر وكأنها انزلقت في ثقب أسود عميق، ولكنها قررت أن تستخدم مواهبها في التصوير والكتابة لتوثيق ألمها من خلال مشروع استمر لمدة عام، اسمته “وتبقى الحياة”، ومن خلال التقاطها لصورها الشخصية وكتابة تدوينات أسبوعية عن مشاعرها الحزينة، استطاعت سارة بالتدريج أن تجد طريقها خارج هذا الثقب، وأصبح هذا العمل الرائع والعميق الذي ابتكرته مصدرًا لإلهام الآخرين الذين يمرون بنفس الرحلة.
لذا، استخدم إبداعك الخاص من خلال احتفاظك بدفتر يوميات، رسم الصور، كتابة الشعر والقصص، انتاج كتاب قصاصات، صنع أعمال يدوية، أو حضور دروس في الفن والكتابة في مجتمعك المحلي أو جامعتك.
3- اصنع طقوسك الخاصة
في ورشة العمل الخاصة بها حول الحزن الواعي, استعملت ريف تيري دانيال بعض الطقوس لمساعدة المشاركين على تجاوز أحزانهم والأزمات والصدمات العاطفية، فدانيال ذاتها استخدمت العديد من الطقوس للخروج من حزنها منذ وفاة ابنها، كخبز كعكته المفضلة في عيد مولده أو نثر بعض الرماد الذي تبقى من إحراق جثته في أماكن خاصة تشكل معنى عميق بالنسبة لها، وتوضح دانيال أيضًاً بأن بعض التصرفات البسيطة، مثل إشعال شمعة أو ارتداء لون الملابس المفضل للشخص الذي فقدناه، قد تكون طقوسًا تساعدنا على الشفاء والسلوان.
لذلك، إبدأ بتخصيص بعض الوقت مرة في الأسبوع للتركيز على حزنك، فيمكنك أن تخصص طاولة صغيرة أو رفًا لتجمع بعض الأشياء الخاصة والتي تعني لك الكثير مثل الشموع والصدف والصخور والصور والتذكارات الأخرى، وقم باستغلال هذا الوقت لاظهار حبك للشخص الذي توفى ولتدرك بأنه (أو أنها) سيبقى دائمًا في روحك وذاكرتك.
4- قم برواية القصص
تؤكد سارة كير، وهي مختصة بمرافقة عائلات الموتى لتقديم الرعاية والدعم، على أهمية رواية قصص الشفاء من الحزن؛ فسارة تساعد العائلات المفجوعة على راوية القصص حول أحبائهم المتوفين خلال مناسبات وطقوس إعادة التأبين التي تجري في ذكرى وفاة أحبائهم.
لذلك، قم بقضاء الوقت مع أشخاص يعانون من الحزن أيضاً وتناوبوا على رواية القصص المفضلة عن أحبائكم ؛ فغالبًا ما تنتهي تلك الجلسات بالكثير من الضحك واللطافة وهي وسيلة رائعة لتكريم الشخص الذي نحبه.
5- اعتمد على نفسك
وجدت كاسندرا يوندر، مستشارة الحزن ومختصة بمرافقة عائلات الموتى لتقديم الرعاية والدعم والتي تعيش في منزل بريف كندا، بأن مشاركتها في رعاية ما بعد الموت وتجهيزات الجنازة قد تكون مفيدة جداً للتعامل مع الحزن، حيث أخبرتني عن تفاصيل وفاة صديق لها، وكيف كانت إعداد الجثة وتجهيز التابوت وحفر القبر أشياءً تشكل بجميعها سلوانًا لعائلته التي شاركت في عملية الدفن الطبيعية.
فإذا كنت ترغب في زيارة إحدى القبور قد ترغب بأن تجلب معك بعض الزهور أو إكليلًا للزينة، أو قد ارغب بقضاء بعض الوقت في تنظيف القبر من أوراق الشجر والمخلفات والأعشاب الضارة، بالإضافة إلى ذلك يمكنك التطوع في بعض الأعمال البدنية مثل تغليف الهدايا للأطفال المشردين أو تقديم الطعام في ملجأ ما أو زيارة المرضى في دار المسنين
6- دع الماضي يرحل
في طريقها للتخلص من الحزن وجدت هيدي كونولي، الكاتبة والمحررة والموسيقية، بأنها اضطرت إلى التوقف عن التعلق بذكريات علاقتها مع زوجها قبل وفاته، وعندما استطاعت أخيرًا التوقف عن الحنين إلى الماضي، انخرطت في اتجاه لما وصفته بأنه “علاقة جديدة” مع زوجها في الحياة الأخرى.
لذلك، يمكنك ابتكار بعض الطقوس التي تحمل رمزية إلقاء الماضي خلف ظهرك، مثل إطلاق بعض البالونات الممتلئة بالهيليوم أو إلقاء بتلات الزهور فوق المياه الجارية أو نثر سلة من الأوراق الجافة لتطير مع الريح.
7- كن معطاءً
عندما أعلنت ابنة شيرلي باركر – ذات الثمانية أعوام – أنها ترغب في التبرع بأعضائها وذلك قبل وفاتها غير المتوقعة بوقت قصير, منحت من خلال ذلك والدتها الطريق المثالي للخروج من الحزن، حيث تقول شيرلي بأن معرفتها بأن أعضاء راشيل تمنح الحياة لأطفال آخرين، كان عاملًا مهمًا في قبولها لوفاة ابنتها المفاجئة، وبالمحصلة، قررت شيرلي أن تصبح متحدثة باسم مانحي الأعضاء وأن تدعم أولئك الذين يعانون من فقدان أحبائهم، فهي تعلمت أن العطاء هو سر شفائها.
لذلك، وبغية المزيد من العطاء، يمكنك التطوع في مأوى لرعاية المحتضرين، أو دار للمسنين، أو ضمن مشفى، ويمكنك أيضًا المشاركة في القضايا التي تجذب اهتمامك، مثل التبرع بالأعضاء أو توفير رعاية نهاية الحياة للمشردين أو البدء في بناء مقابر طبيعية في مجتمعك.
8- اعتبر الحزن كعمل مقدس
أثناء اعتنائها بزوجها في مرضه العضال، وبعد وفاته بشهور، كانت كارول جونس تستخدم إيمانها ومعتقداتها الروحية للتغلب على حزنها، فقد كانت تعلم بأن الألم الذي تواجهه والتضحيات التي تقدمها هما جزءان من هدف أسمى في حياتها، وبالمحصلة ألّفت كارول كتابًا عن تجربتها وضمنته الحكمة شاركها إياها زوجها كيني قبل وبعد موته.
لذلك، كرّس حزنك لجميع الأشخاص الذين يشاطرونك معاناتك، وذلك من خلال استخدام التأمل أو الصلاة بصورة منتظمة لإدراك حقيقة أننا جميعا نتشارك نفس المعاناة.
جميع الرسائل التي وصلتنا تؤكد أن الحزن لا يجب أن يكون مدمرًا ومعيقًا لحياتنا؛ فعندما نتقبل الفقدان كحقيقة لازمة في الحياة سنستطيع حينها أن نبدأ باستخدام الألم كقوة تساعدنا والآخرين على الشفاء.
خلال هذه العطلة يجب أن نعترف بانكسار قلوبنا وحنيننا إلى الماضي وأن نقبل بأن نمضي في حياتنا قدمًا وفق ما أضحت عليه الآن؛ فالحب والمرح يزدهران عندما نظل منفتحين، كرماء مبدعين, ومتصلين مع الآخرين حتى في خضم خوضنا لطريق حزننا الخاص.
المصدر: هافنغتون بوست