حال اقتصاد البلاد في تونس يقول:ثورة الياسمين التي انتصرت على الظلم في تونس في 4 يناير /كانون الثاني 2011 وفتحت الباب على ثورات أخرى في البلدان العربية ليبيا ومصر واليمن وسوريا لم تنثر الياسمين على أهالي تونس الخضراء بعد، فالتقارير الاقتصادية تشير أن سنة 2015 هي أسوأ مما كان عليه الاقتصاد قبل الثورة، حتى بات ربيع تونس الخضراء خريفاً أصفراً غير آبهٍ بتطلعات الشباب باقتصاد يحقق له حياة كريمة.
أتراها (الثورة) خانت من خرج لأجلها ودفع الغالي لانتصارها! أم أن تونس تحتاج ثورة شخص يقود اقتصاد البلاد إلى غير ذي قبل، يغير الهياكل القديمة ويبعث الأمل والحافز للشباب للعمل من أجل رفع مستوى اقتصادهم من الخمول إلى الازدهار والتقدم.
الثورة التونسية قامت لتحقيق مطالب اقتصادية وتحقيق مستويات عيش كريمة للشعب ورفع الظلم والفقر والاستبداد عن الشعب من قبل السلطة الحاكمة إلا انّ المؤشرات الاقتصادية خلال السنوات الخمسة الماضية تراجعت لتنذر بمخاطر حقيقية بدءً من انخفاض في معدلات النمو واقترابها من الصفر وارتفاع معدلات البطالة والتضخم بالإضافة إلى العجز في الموازنات المالية.
على الرغم من النجاح في عملية الانتقال السياسي في تونس إلا أن ذلك لم يشفع لها في تحقيق أرقام اقتصادية معقولة في الأعوام السابقة، فالمصادقة على الدستور عام 2014 وانتخاب حكومة دائمة لم يحفز كل من الاقتصاد الكلي والجزئي في عملية التنمية، حيث بقيت نسب النمو في السنوات الخمس الماضية أسيرة الانكماش تارة أو ارتفاع خجول بنسبة 1% في أحيان أخرى.
وفق الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس فلقد شهدت نسبة البطالة ارتفاعاً في السنوات الخمس الماضية من 13% خلال عام 2011 إلى 15% حتى نهاية الربع الثالث من العام 2015، وبلغت نسبة الدين العام في عام 2010 نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي لترتفع إلى حدود 52.7% في عام 2015 وفق إحصائيات وزارة المالية التونسية، وفي إحصائيات صادرة أيضاً من البنك المركزي التونسي فقد ارتفع العجز التجاري في الميزانية التونسية من 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011 إلى 7.9% خلال الشهور ال 11 الأولى من عام 2015.
مشكلة الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد الثورة أنها تعمل بالدين وتكبد المواطن والاقتصاد الوطني ديونا قومية لم تقم بضخها في سوق الاستثمارات لخلق فرص عمل في سوق يعاني من بطالة مزمنة، إنما كانت تصرف في قنوات الإنفاق الجاري لتسكين المشاكل الاقتصادية، حتى بلغت ديون تونس الخارجية خلال شهر مارس من سنة 2014 ما يقارب 24 مليار دينار بنسبة 40% من الناتج المحلي، أما ميزانية العام الماضي 2015 فقد تطور الدين الحكومي فيها بنسبة 2.2% خصوصاً بعد إعلان الحكومة عن عجزها الإيفاء بمستحقاتها المالية واقتراض 2 مليار دولار لتوفير نفقات التسيير والتصرف والإيفاء بتسديد خدمات الديون التي ارتفعت لتبلغ 4.6 مليار دينار تونسي.
أما نسبة البطالة التي قدرتها الحكومة ب 15.2% تبقى بالنسبة لخبراء عامة ولا تعكس بدقة واقع التشغيل في تونس حيث تجاوز معدل البطالة برأيهم في المناطق الغربية للبلاد 25%.
سعر الصرف الذي يعكس التوزان المالي والمؤشر الهام على مدى متانة أو هشاشة الوضع الاقتصادي في البلاد، لا ينبئ بخير حيث تراجع سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار ليبلغ مستويات غير مسبوقة حيث بلغ سعر الصرف (في وقت كتابة هذه المقالة) 2.0399 إذ بدأ تدهور سعر صرف الدينار في شهر مايو / أيار سنة 2013 ليبلغ السعر وقتها 1.52 دينار لكل دولار مما دفع البنك المركزي التونسي إلى التدخل بشكل منظم لضخ السيولة في سوق الصرف في محاولة لتعديل أسعار الصرف ووقف تدهور سعر الدينار.
يعتبر القطاع السياحي المصدر الثاني الرئيسي للبلاد من العملات الأجنبية حيث تسهم برفد البلاد بنسبة 20% من العملة الصعبة ويمثل قطاع السياحة نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث قّدر رافد السياحة ب 8.2 مليار دينار سنة 2013، علما أنّ السياحة في تونس تعد داعماً قوياً في توفير السيولة اللازمة لاستيراد السلع والخدمات ورفع الاحتياطي الوطني من العملة الأحنبية، وبالمقارنة مع 2010 التي تعتبر السنة المرجعية في تونس شهدت 2015 تراجعاً في عدد السياح بنسبة 17,5 بالمائة وفي عدد الليالي المقضاة بنسبة 27,7 بالمائة.
الجدير بالذكر أن إنتاج الفوسفات في تونس انخفض بعد الثورة بنسبة 70% أدى لفقدان خزينة الدولة إيرادات تقدر ب 6 مليار دينار تونسي.
يرى العديد من الخبراء أن تراجع المؤشرات الاقتصادية يدل على اتباع النموذج التنموي القديم الذي كان مستخدماً قبل الثورة وهو نموذج عقيم، قامت الثورة من أجل تغيير القديم وإصلاح القوانين والهياكل التي يمكن إصلاحها.
لذلك في الوقت الذي يقوم فيه المسؤولين في تونس بتغييرات جذرية جرئية على مستوى الاقتصاد السياسي، في تلك اللحظة ستبدأ المؤشرات بالتعافي وسنشهد ثورة الياسمين تنثر الياسمين على أهلها وتحقق لشبابها الذين قدموا التضحيات عند اندلاعها حياة كريمة وعزيزة.