قبل 24سنة من الآن، لم يكن لأنصار الاتحاد العام التونسي للطلبة ولا منخرطيه الحق في النشاط داخل الجامعة التونسية ولا حتى النطق باسم اتحادهم وشعاراته، نتيجة سياسات قمعية انتهجها النظام آنذاك ضده، وضد كل كلمة حرة تبتغي نصرة الحق وقائله.
ففي 25 مارس 1991، اتهمت السلطات التونسية الاتحاد العام التونسي للطلبة بامتلاك وإخفاء أسلحة وقامت المحكمة الابتدائية في تونس بتعليق أنشطته يوم 26 أبريل ليقع حله من قبل المحكمة يوم 8 يوليو 1991.
وظل الحال هكذا، إلى أن جاءت الثورة لتضع حدًا لهذا القمع وتأذن للاتحاد بالعودة للنشاط العلني، ويؤثث بوجوده الجامعة التونسية ويرجع لها بعض ما كانت عليه من حيوية ونشاط بعد سنين عجاف وركود علمي وثقافي.
اتخذ الاتحاد العام التونسي “الوحدة، النضال، الاستقلالية” شعارًا له ولنشاطه اليومي الذي يرمي إلى الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية والبيداغوجية للطلبة في الجامعات التونسية، والإحاطة بهم و تأطيرهم وتأهيلهم للنضال والتنظم النقابي في إطار حر ومستقل وديمقراطي، سعيًا إلى إعادة الفاعلية للحركة الطلابية في الجامعة التونسية، حسب قول عضو مكتبه التنفيذي حمزة العكايشي.
عقد الاتحاد العام التونسي للطلبة مؤتمره التأسيسي الأول فيأبريل 1985 وعلى مدار يومين، وذلك بكلية العلوم بتونس تحت شعار “مؤتمر الحسم”، حيث هدف المؤتمر إلى حل أزمة نقابات الطلبة والركود الثقافي والعلمي الذي كانت تعيش على وقعه الجامعة التونسية، وتم الاعتراف به كمنظمة طلابية قانونية في مايو1988 قبل أن يتم حله بعد 3 سنوات من هذا التاريخ.
عمل الاتحاد بعد عودته إلى النشاط عقب الثورة على إرساء آليات العدالة الانتقالية بتكوين لجنة وطنية للحقيقة والإنصاف تحقق في الجرائم التي ارتكبت في حق الحركة الطلابية ومن بينها مظلمة حل منظمته وسجن قادتها ومناضليها ومنتسبيها وتهجيرهم، وتصفية بعضهم. ورفع الوصاية عن الجامعة وإقرار استقلاليتها الأكاديمية واعتماد الانتخابات في اختيار كافة الهياكل المسيرة، وفسح المجال أمامها للقيام بدورها في صياغة مجتمع المواطنة والعدالة الاجتماعية بما يمكنها من أخذ مكانها الريادي في المجتمع كما أكده حمزة العكايشي.
استرجع الاتحاد تأشيرته القانونية يوم 23 ديسمبر2013 بعد 22 سنة من قرار حله من قبل النظام السابق، وفي هذا السياق يقول العكايشي أن الاتحاد بدأ بعد ثورة الحرية والكرامة بتنسيقيات في بعض الجامعات حيث التقت مجموعة من الطلبة المؤمنين بضرورة إصلاح الجامعة لما تعانيه من مشاكل، ومن هذا الجانب انطلق الاتحاد في التفكير والعمل المرهق من أجل إعادة إحياء الاتحاد وقد نجحوا في ذلك وتمكنوا من الانطلاق في انتخابات هيئات المؤسسة على مستوى وطني، كما تمكنوا من إنجاز أول مؤتمر بعد الثورة والخامس في تاريخ الاتحاد تحت شعار “مؤتمر الثورة والعودة” في منتصف أبريل 2013 بكلية العلوم بتونس، تلاه مؤتمر سادس في كلية العلوم بصفاقس في شهر مارس 2015 تحت عنوان”مؤتمر الوعي والإنجاز”.
رجوع الاتحاد العام التونسي للطلبة إلى النشاط بعد الثورة لم يكن سهلًا فقد كانت الانطلاقة في ظروف وصفها حمزة بالصعبة خاصةً على المستوى المادي وتضييق بعض الإدارات على نشاط الاتحاد وقيام بعض مجالس التأديب بمعاقبة مناضليهم، حسب قوله.
من جانبٍ آخر، قال منتصر القاسمي عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد إن اتحادهم استطاع تحقيق بعض الرهانات التي وضعها منذ بداية تأسيسه ومنها ترسيخ العمل الديمقراطي داخل هياكله وذلك من خلال إنجاز مؤتمرين في الآجال القانونية، وإفراز قيادة واحدة موحدة على عكس المنظمات النقابية الأخرى.
مشيرًا إلى أن العمل الديمقراطي لم يقتصر على هياكل الاتحاد فقط بل توسع إلى داخل الحركة الطلابية، وذلك من خلال دفع الطلبة إلى مزيدٍ من المشاركة في انتخابات المجالس العلمية، ليس للتصويت لقائمات الاتحاد العام التونسي للطلبة فقط، وإنما للمشاركة في العملية الانتخابية ككل واختيار من يمثلهم في المجالس العلمية.
من جهةٍ أخرى قال الأستاذ بالجامعة التونسية سامي براهم في تصريحٍ خاص لموقع “نون بوست” إن الاتحاد نجح في كسب ثقة الطلبة مقابل التشردم والانقسام في الجهة المقابلة التي تنافسه، لكن حضوره كقوة اقتراح ذات رؤية في إصلاح الجامعة مازال محتشمًا.
وفي هذا الإطار يقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد أيمن الشعباني أن الاتحاد يعمل على تدعيم مشاركته في لجان إصلاح منظومة التعليم العالي وتقديم رؤية ومشروع للاتحاد فيهذا الموضوع، وأيضًا في إعداد مشروع يحتوي على تشخيص لواقع البحث العلمي في تونس ورؤية الاتحاد لهذا المجال من خلال تقديم جملة من الحلول والمقترحات، خاصةً وأنه كان قد سبق للاتحاد العام التونسي للطلبة أن قدم في 11 فبراير 2014 مشروعه “النقابي الديمقراطي” الرامي إلى إرساء مناخ نقابي ديمقراطي تعددي داخل الفضاء الجامعي.
بينما تنصّ المبادئ العامة لهذا البرنامج على احترام التعددية النقابية والسياسية داخل الجامعة ودمقرطة العمل النقابي على مستوى الممارسة والخطاب وتجريم العنف مبدأ وخطابًا وسلوكًا وترسيخ ثقافة السلم وقبول الآخر، وكذلك الفصل الواضح بين الهياكل النقابية والهياكل السياسية واحترام أدبيات الديمقراطية الاستقلالية حتى تكون النقابة مفتوحة أمام كل الطلبة.
كما تنص على احترام مبدأ الجماهيرية وضد الممارسة البيروقراطية والانتهازية وتبعية النقابة لجهة معينة أو حزبيتها أو جعلها مجرد مجال للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب معين فضلًا عن مبادئ العلنية والقانوني حسب نص المشروع.
منتصر القاسمي قال إن الجامعة التونسية في عهد نظام الرئيس المخلوع بن علي عرفت عديد من الأحداث والمجازر لكتم صوت الحق وقمع الحركة الطلابية وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للطلبة، حسب وصفه.
وتابع أن بعد عودة الاتحاد عقب الثورة وتصدره المشهد الطلابي إثر فوزه في انتخابات مجالس الكليات، أصبحت مهمة الاتحاد أصعب في المساهمة والمضي نحو إصلاح شامل للمنظومة التعليمية، إذ تعتبر المنظّمة حسب منتصر القطع مع الفساد داخل إدارات ومؤسسات الدولة وانجاح مسار العدالة الانتقالية والدّفع نحو الاستقرار السياسي سيساهمون في دفع الجامعة والتعليم العالي إلى الأفضل، علاوةً على التأكيد أنّ الاستشارات الوطنيّة والحوارات الجامعيّة لإصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي هي الأولويّة القصوى داخل الجامعة التونسية.
يجدر الإشارة إلى أن الجامعة التونسية تتشكل من 13 جامعة تتكون من 198 مؤسسة تعليم عالي بين كلية ومعهد عالي بحسب احصائيات لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا للسنة الجامعية 2014/2015.