كوريا الشمالية أو جمهورية الرُعب كما يسميها الكثير من المحللين والباحثين في العلوم السياسية، يسود فيها حكم ديكتاتوري من أشد أنواع الديكتاتوريات في العالم الحديث، ودولة تمتلك الأسلحة الخطيرة وآخرها كان إجراء تجربة القنبلة الهيدروجينية التي فاجأت العالم وصدمت الجميع، والمشكلة أن هذه الدولة يقودها مراهق وصل إلى الحكم عن طريق الوراثة ولا يمكن التنبؤ بأفعاله وردود أفعاله الذي قد يؤدي إلى نشوب الحروب مع الجيران في أي لحظة ودون سابق إنذار.
هذه الدولة لصيقة بدولة أخرى ديموقراطية وتحترم حقوق الإنسان والحريات وهي كوريا الجنوبية، والمُدهش أنه برغم من وجود تهديد خارجي دائم عليها من قِبل كوريا الشمالية إلا أن نظام الحكم في الجنوبية نظام ديموقراطي لم يتأثر بهذا التهديد الخارجي، لأنهم يُدركون أن تغيير النظام من ديموقراطي إلى استبدادي بحجة وجود التهديد الخارجي هو الخطر الأكبر على البلاد وأمنها واستقرارها واقتصادها ومستقبلها ومستقبل أجيالها.
فالجميع يعلم أن الاستبداد قد يكون حلًا لبعض المشاكل وحماية البلاد في بعض المواقف ولكنه يكون ورمًا سرطانيًا في المستقبل يؤدي إلى فساد الإنسان وخراب الأوطان، ويكون بئرًا يتدفق منه الفساد في الداخل وسببًا للغزو والاحتلال الخارجي كما يقول ابن خلدون “الطغاة يجلبون الغزاة”.
يقول مريد البرغوثي: “إن الحاكم العربي يولد وعلى لسانه ثلاث عبارات جاهزة: مؤامرة خارجية وأيادٍ خفية وطرف ثالث”، لأنه حتى لو لم يكن هناك خطر خارجي على الدولة يسعى الحاكم إلى صنع عدو خارجي وهمي من خلال الأجهزة الإعلامية للدولة حتى يجعل من هذا الخطر الخارجي سواء كان وهميًا أو حقيقيًا سببًا لبقائه وتشبثه بالحكم وحتى ينجح في الاستبداد بالحكم ويتحكم بالعاطفة الوطنية للشعب ويُسكت المعارضين ويبيدهم بحجة التعاون مع العدو الخارجي أو تشكيل خطر على الأمن القومي.
وهكذا يكون الديكتاتور قد وصل إلى المرحلة الأخيرة في مرحلة بناء الاستبداد وصنع جمهورية الخوف بمشاركة المواطنين سواء بسبب سكوتهم عن هذا التحول من الديموقراطية إلى الاستبداد أو بسبب التصفيق للحاكم كما يقول الكاتب محمود مكتوب بأن الحاكم في الدول العربية يستغل ثلاثة أمور وهي العاطفة الدينية والقومية والعدوان الخارجي، وبالفعل التجارب تدل على نجاح هذا الأسلوب مع الشعوب لأن الجهل والأمية منتشرة في الشعوب العربية بسبب الوضع السياسي البائس ويسهل السيطرة عليهم وتحريكهم عاطفيًا، فالأجهزة الإعلامية تنجح في السيطرة على الجماهير وتحريكها في الدول الغربية على الرغم من أن نسبة الثقافة لدى الشعوب فيها عالية جدًا، فكيف بشعوب جاهلة مستعدة لأخذ التوجيهات والأوامر دون استخدام العقول والبحث عن الحقيقة؟!
الديكتاتور الذي يعتمد في استبداده على وجود التهديد الخارجي لا يمكن له أن يستمر في الحكم إذا زال هذا الخطر الخارجي، وبالتالي فهو يمارس السياسات الخاطئة داخليًا عن طريق القمع والتضييق، وخارجيًا عن طريق استفزاز دول الجوار والتعامل معهم بعداوة حتى يضمن استمرار التهديد والخطر الخارجي، ويعتمد على هذا في تثبيت حكمه والاستمرار في الممارسات القمعية وبالتالي يكون سببًا لعدم الاستقرار الداخلي والخارجي للدولة.
لا خلاف على أن أقوى الردود على الأخطار الخارجية هو التكاتف والاتحاد الداخلي، ولكن الاتحاد النابع من إرادة قوية لدى جميع الأطراف والناتج عن العلاقة الطيبة بين الحكام والمحكومين والذي ينشئ رابطة قوية لا يمكن التغلب عليها بسهولة أو كسرها من قِبل الخارج ويكون ضمانًا للاستقرار الداخلي، أما الاتحاد الذي يصنعه الديكتاتور بالإجراءات القمعية ويفرض سياسته وأراءه وأفكاره على كافة الشعب ويقمع الصوت المخالف والمعارض في سبيل تشكيل رأي واحد وصف واحد، فهذا الاتحاد حتى لو كان موجودًا فهو واهن وهزيل ولا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، بل لن يكون قادرًا على مواجهة أبسط تهديد خارجي أو زعزعة داخلية لأنه لم ينبع عن إرادة داخلية لدى الأطراف بل جاء باستعمال القوة ويزول بمجرد زوال هذه القوة التي فرضت هذا الاتحاد.
وفي الختام نقول إن التهديد الخارجي لا يمكن أن يكون مبررًا لنشوء الاستبداد ويجب على الشعوب ألا تسمح بظهور الاستبداد لأنها سوف تدمر مستقبلها ومستقبل أجيالها لو سمحت بنشوء أو استمرار هذا المرض الخبيث، بل يجب التصدي لكل المحاولات التي تسعى لصنع الاستبداد، ونُدرك أن النظام القمعي أكثر خطرًا على الدولة والشعب والوطن من التهديد الخارجي.