“أنا في تركيا منذ سنتين ولدي بطاقة الحماية المؤقته (الكيمليك) أعمل في سوق للمواد الغذائية في إسطنبول ليس لدي تصريح عمل وأقبض دون الحد الأدنى للأجور، إذا أخرجت تصريح عمل فصاحب العمل سيتخلى عني لأنه يوظفني براتب متدني ولا يريد أن يدفع راتب أكثر ويحمل نفسه التزامات مالية أكثر مما يتحمل الآن”، ويكمل هذا المواطن السوري المقيم بتركيا لـ “نون بوست” تجربة أصدقائه الذين كانوا يعملون معه فيقول “منذ شهور قام بالتخلي عن 3 عمال سوريين لأنهم طالبوا بزيادة بسيطة على راتبهم المتدني أصلًا ووظف بدلًا عنهم عمال من جنسيات أخرى”.
ويضيف “القانون لن يفيدني بشيء لأن صاحب العمل يرفض أن يعاملني كعامل تركي يحق لي ما يحق له من ضمان اجتماعي وصحي وتعليم وامتيازات يحصل عليها العامل التركي، وإذا اعترضت هو ببساطة يتخلى عني ويحضر عامل أجنبي آخر وقد يعطيه أقل مما يعطيني”.
لا يخفى على أحد أن تركيا تعاني من نسب بطالة مرتفعة تصل إلى 10%، إلا أن الحكومة التركية وبعدما أصبح أمر اللاجئين السوريين أمر واقع تحاول تكييف قوانين العمل بحيث يستفيد اللاجئ ولا يضر العامل أو صاحب العمل التركي، حيث يعمل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والأجانب في السوق السوداء بدون إذن عمل ويتقاضون أجورًا متدنية ولا يحصلون على حقوق العمالة كالضمان الصحي مثلًا.
بعد توقيع تركيا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في شهر نوفمبر 2015 تقوم بموجبها بمنع اللاجئين من الهجرة إلى أوروبا مقابل حصولها على 3.3 مليارات دولار وتسهيلات بشأن دخول تركيا إلى منطقة شنغن وبدء محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بدأت الحكومة التركية باتخاذ عدة إجراءات وتطبيق عدة قوانين لمنع السوريين المقيمين على أراضيها من الهجرة إلى أوروبا ومنحهم تصاريح عمل لتشجيعهم على البقاء في تركيا، علمًا بأن تركيا تستضيف الحصة الأكبر من اللاجئين السوريين على أراضيها حيث بلغ عددهم قرابة 2.5 مليون لاجئ منذ بداية الثورة السورية في منصف شهر مارس 2011، بالإضافة إلى 200 ألف لاجئ عراقي ولاجئين من إيران وأفغانستان فيما مضى.
اتخذ اللاجئون من تركيا نقطة انطلاق إلى أوروبا عبر البحر والبر؛ حيث تفيد التقارير الدولية أن قرابة المليون لاجئ جاؤوا من تركيا إلى أوروبا في سنة 2015 وحدها، يواجه العديد منهم في تركيا مشكلة عدم وجود فرص عمل وإن وجد ففي السوق السوداء حيث يتم استغلالهم من قِبل أصحاب العمل للعمل بأجور متدنية جدًا وبدون أدنى حقوق في العمالة.
وعليه فقد أصدرت الحكومة التركية البارحة الجمعة 15 يناير 2016 قانونًا يقضي بمنح الأجانب الذين يملكون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيمليك) حق الحصول على تصاريح عمل.
القانون سيسمح للأجانب وفي مقدمتهم السوريين المسجلين في البلاد لمدة ستة أشهر وما فوق بالعمل بشكل قانوني، بمعنى لا يستفيد حامل بطاقة الحماية المؤقتة من القانون في حال لم تتجاوز فترة إقامته ستة شهور في تركيا.
القرار تضمن أن الأجانب الخاضعين للحماية المؤقتة وفي مقدمتهم السوريين لن يستطيعوا العمل دون الحصول على تصريح رسمي من وزارة العمل، كما يمكن من اليوم فصاعدًا بعد دخول القرار حيز التنفيذ أن تطلب المؤسسات والشركات التركية طلب تصاريح عمل للأجانب لديها بشرط عدم تجاوز عددهم 10% من مجموع الأتراك العاملين لديها فإذا كانت لدى الشركة 10 عمال فإنه يسمح لها بتشغيل شخص أجنبي فقط وهي نسبة قليلة بالنسبة للمحال التجارية التي تحافظ أن يكون طاقم عملها أغلبهم أجانب لأنهم يقبلون العمل بأجور رخيصة، على خلاف المواطن التركي الذي يتوجب على صاحب العمل أن يدفع لهم الحد الأدنى للأجور المحدد من قِبل الحكومة والذي يفرض عليه أيضًا أن يحتسب قسم من الراتب للضمان الاجتماعي والضمان الصحي ويقدم امتيازات أخرى كالمكافآت والحوافز والبدلات والإجازات السنوية.
نون بوست تحدث مع أحد المحامين السوريين المقيمين في تركيا والذي صرح قائلًا: “أعيش في تركيا منذ حوالي خمسة أشهر وجدت بعض المنغصات التي تمس حياة السوريين ومعيشتهم، خطوة إصدار قانون تصاريح العمل الجديدة خطوة جيدة من حيث إدراجهم في خانة العمال الأتراك في الحد الأدنى للأجور، إلا أن القانون يحتوي على بعض الملاحظات فمن جهة أولى لا أرى أي داعٍ للنص على وجوب تمتع العامل السوري بقواعد الحماية المؤقتة لمدة 6 أشهر على الأقل ليشمله قانون العمل الجديد، فضلًا عن أن القرار جاء مخيبًا للآمال في استثنائه عمل العمال الأجانب من العمل ضمن مجال الأعمال المخصصة للمواطنين الأتراك فقط، وكذلك في اقتصاره على نسبة 10% فقط من العمال السوريين من مجمل العمال الأتراك العاملين في المؤسسة”.
وجاء في القانون أيضًا إعفاء الأجانب العاملين في الزراعة وتربية الحيوانات من الحصول على إذن عمل، شرط مراجعتهم لسلطات الولاية المعنية للحصول على الإعفاء، ليتم لاحقًا إخطار وزارة العمل والضمان الاجتماعي.
كما استبعد القانون المهن التي يزاولها المواطنون الأتراك فقط كالهندسة والطب والصيدلة مثلاً، ويضع القانون شرطًا للحصول على رخصة أولية من وزارة الصحة للعاملين في مجال الصحة ورخصة أولية من وزارة التربية أو التعليم العالي للعاملين في مجال التعليم.
يرى البعض أيضًا أنّ “القانون لم يضع ضوابطًا تلزم أرباب العمل الأتراك بتسجيل العمال السوريين، ولا بنودًا عقابية على مخالفة أحكامه، كما أن خطوة إعفاء العمال الأجانب العاملين في مجال الزارعة وتربية الحيوانات من الحصول على إذن العمل تسلخهم من حماية الحد الأدنى من الأجور وتبقيهم عرضة لاستغلال أرباب العمل”، حيث ينص القرار على أن الراتب الشهري للأجنبي الخاضع للحماية المؤقتة لن يقل عن الحد الأدنى للأجور في تركيا (1300 ليرة تركية = نحو 420 دولارًا).
وبحسب مصادر أخرى داخل الجاليات العربية المقيمة بتركيا فقد رأت أن الفائدة الحقيقة للقانون هي في نقطتين فقط “الأولى: منع استغلال اليد العاملة باعتبار أنّ العامل السوري يعمل في سوق العمل السوداء، أما الآن فله حقوق منها تسعيرة العمل وغيرها، والنقطة الثانية: هي التمهيد لمنح جنسيات تركية للاجئين بموجب القانون التركي لمنح جنسية تركية لمن لديه إذن عمل لمدة تزيد عن 5 سنوات”.
الجدير بالذكر أن “قانون الحماية المؤقتة” الصادر من البرلمان التركي في أبريل 2013 والذي أُقرت تفاصيله بقرار مجلس الوزراء في أكتوبر 2014 بتأمين الحماية لكل مَن يهجّر من بلاده ويلجأ إلى تركيا أو الحدود التركية لظروف تهدد حياته وتمنعه من العودة إلى بلاده ويشمل زوجته وأولاده، كما يقضي بمنح السلطات التركية حق البقاء له في تركيا إلى أن يقرر بنفسه العودة إلى بلده دون أي إكراه، وتكفل الحكومة للمشمولين بالقانون حق التعليم والرعاية الصحية والحصول على المساعدات.