مدخل:
منذ اختير حسن شيخ محمود رئيس، قلت أني متفائلة بحذر، وأني لا أتوقع الكثير منه، وهذا ما كان، أبى الرّجل إلا أن يكرر أخطاء أسلافه، وإن بدرجة أكثر بشاعة، ذلك لأن الحكومات السابقة كانت انتقالية؛ على عكس هذه الحكومة. وقد حرص الرئيس على اختيار رجل يعتقد أنّه رجل مرن، وغير معروف سياسياً، وفرض عليه من البداية عدد الوزراء، وأسماءهم، ولم يسمح له بممارسة مهامه المنصوص عليها في الدستور المؤقت.
جدير بالذّكر أن الدستور ينص على أن الرئيس هو من يعين حامي الدّستور، ويحق له إعلان الحرب، وحالة الطوارئ، وغيرها من المهام التشريفية، في أن رئيس الحكومة هو المسئول التنفيذي الأول، ويحق له تعيين أو عزل الوزراء حتى من دون استشارة الرئيس، وفي يده أغلب الصلاحيات. أما البرلمان، فهو السلطة الأعلى، المشرفة على السلطة التنفيذية، وهو الموكل بمحاسبة الوزراء أو رئيس الوزراء، ومنحهم الثقة أو سحبها منهم.
وبعد عام من منح الثقة لحكومة ساعد شردون، تسربت أنباء عن أن الرئيس طلب من ساعد شردون الاستقالة، وعللّ طلبه بأنّه لم يكن شخصاً فعّالاً بما يكفي لتجاوز الأزمة القائمة. وهنا نتسآءل: ما هي المشكلات التي لم تستطع حكومة شردون حلّها؟
- الأمن: تدهور الأمن بشدّة منذ توليه رئاسة الحكومة فعمليات التفجيرات التي كادت تتلاشي في مقديشو بعد طرد الشباب المجاهدين منها عادت لتضرب أكثر المناطق تحصيناً، كمجمع الأمم المتحدة.
- الفساد: استشرى الفساد أكثر أيضاً، فقد ذكرت تقرير للأمم المتحدة أن 80% من أموال المانحين المخصصة لإعادة البناء صرفت لأفراد، ما أدى لاستقالة محافظ البنك، والفضيحة أن محافظ البنك الجديد السيدة يسر أبرار استقالت هي الأخرى بعد سبعة أسابيع من تعيينها لتهديدات وردتها من مصادر ذات صلة بالرئاسة حين رفضت التوقيع على مستندات قد تؤدي للفساد وتجميد المساعدات.
- أزمة الأقاليم: اندلعت حروب في أقاليم جنوب البلاد، وتحديداً في مدن جوهر ومركا وافجويي، وشاركت القوات الحكومية لصالح قبائل ضد أخرى.
- حقوق الإنسان: شهدت البلاد منذ بدء هذه الحكومة عملها انتهاكات كبيرة في حق النساء والصحفيين، ومحاكمات وصفت بأنها غير عادلة، كمحاكمة مراسل بي بي سي القسم الصومالي، والصحفي عبد العزيز المعروف بـ”كورنتو” الذي أجرى تحقيقاً صحفياً حول قضية اغتصاب جماعي لنازحة على يد أفراد بزي عسكري، فما كان من المباحث سوى أن اعتقلته، هو والضحية المفترضة وزوجها، وعوقبوا بالسجن بتهمة الافتراء والإساءة للجيش. عدا عن اغتيال عدد من الصحفيين، دون القبض على من قتلهم.
من المسئول عن هذا التّقصير؟
إن صحّ وأسميناها تقصيراً، فمن هو المسئول؟ هل هو رئيس الوزراء؟ أم وزير الدّاخلية والدّفاع والعدّل؟ أم الرئيس الصومالي الذي فرض هؤلاء الوزراء؟
منطقياً، يفترض أن وزير الدّاخلية، ووزير الدّفاع يتحملان مسئولية أمن البلاد، وعليهما أن يقدّما خططاً أمنية جيدة لحماية العاصمة، والأقاليم التي عيّن لها محافظين. ولكن الواقع يقول أنّهما لم يقوما بواجبها، وفشلا فشلاّ ذريعاً في توطيد الأمن، بدليل أن أكثر شوارع مقديشو أمناً تتعرض لتفجيرات، وهذا ما كان شبه مستحيل قبل وصول الحكومة وتوليهما هذين المنصبين الحساسين.
في الواقع؛ ركزّ الإعلام على ترسيخ فكرة أن شردون فاشل وعديم الفائدة، على عكس الرئيس القيادي، المتوقد الذهن، المحمول على الطائرات لحضور الاجتماعات الهامة، واغتالته الصحافة معنوياً في حين أن أحداً لم يشر لدور الرئيس المشبوه، فهو من فرض عدد الوزراء وأسماءهم، وهو من منع البرلمان من استدعائه للاستجواب وسحب الثقة منه، لعدم استخدام لصلاحياته الدّستورية الكاملة.
وبعد عام كامل من الفشل الأمني والاستياء الشعبي، أراد رئيس الوزراء إجراء تعديل وزراي، وقدّم قائمة بـ 23 وزيراً، مستثنياً جميع من فرضهم الرئيس عليه في العام الأول، وقال أن بعض الوزراء يأخذون أوامرهم من الرئيس مباشرة، ولا يتعاملون معه كرئيس لمجلس الوزرء، وهذا ما أثار حفيظة الرئيس، ودفعه إلى طلب الاستقالة منه.
ما المخرج إذاً؟
إن المعضلة التي لا بدّ من الإشارة إليها أن أفق التّوقعات لدى الشعب الصومالي، بنخبته وعامته لم يتجاوز ما إلفوه من الحكومة العسكرية، إذ كانت الصلاحيات كلها بيد الرئيس الجنرال محمد سياد بري، إذ جمع في شخصه كل ما يرمز للدّولة. وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً من الفوضى والنزّاع على السّلطة، لم يدركوا أنّ تكتّل السلطة في يد شخص الرئيس يمكن أن تقود البلاد إلى أزمة جديدة.
إن أي حلّ آني لا يعني شيئاً، فكما قلت يوم استقال شرماركي أن هذه الأزمة لن تكون الأخيرة، إن الحلّ الوحيد يجب أن يكون في إطار قانوني، وقبل ذلك أن يقتنع الصوماليون بما يسمى بالقانون، فما لدينا الآن دستور مؤقت ينص بوضوح على صلاحيات كلّ رجل، وعلى الرئيس التّراجع عن هذه الخروقات، وعلى النّواب العمل على إجراء تعديلات مناسبة لحلّ هذه المشكلة التي تتكرر منذ عام 2000م وحتى اليوم، إذ لا يمكن لنا تخيّل شعباً يحترم القانون، بينما الرئيس هو أول من ينتهك القانون.