التغيير والثورات بشكل عام تتطلب آليات مختلفة للوصول لهدفها عن مثيلاتها من الأفكار الأجتماعية والعلمية, لانها لا تقوم إلا بتضحيات كبيرة من أصحابها ومؤيديها ومثابرة متواصلة لإقناع الآخرين ليس بهدفها فقط لكن كذلك في العمل والتفاني لأجلها لمدي طويل ومتواصل. ومن ضمن الأخطاء فى التعامل مع المجتمع المصري هو التعامل معه إما بأنه كتلتان فقط, مؤيد و معارض هكذا بلا تقسيمات آخري أكثر تفصيلا أو بالتقسيمة القديمة لما قبل الخامس والعشرون من يناير للموجة الأولي من الثورة.
إذا أْرادنا التغيير فعلياً و بشكل أسرع من الوضع الحالي, فعلينا التنويع في الآليات المستخدمة فى محاولة التأثير و أستخدام كلا علي حدي تبعا للمجموعة المستهدفة.
الجبهة الأولى
النظام
هم الفاعلون من الدرجة الأولى فى الوضع الحالى, النظام ليس مؤسسة الجيش من الطبقة المسيطرة علي آليات إدارته و الشرطة و أصحاب المناصب العليا فقط, بل كذلك الإعلاميين و رؤساء كل المناصب الجديدة التى تم زرعها بأمر من الحاكم الجديد. و هم أذرع و أعين الفساد.
هذه الفئة علي دراية تامة بأن سقوط النظام و إن كان البعض يتمثله فقط بمحاكمة السيسي و حاملي السلاح، سيتطلب محاكمة هؤلاء أيضا محاكمة عادلة دموية، فمذيعة علي سبيل المثال كلميس الحديدي أو أحمد موسي ليسوا بمؤيدي النظام، لكن النظام بحد ذاته، ولا فائدة بشكل عام من محاولة التأثير عليهم، لأنها أقرب بأعلان موعد أقتراب القصاص منهم. و لهذا فمهاجمة هذه الشخصيات بشكل مباشر والتعامل معهم بندية كاملة أمر واجب. وفتح ملفات الفساد الخاصة بهم على الملئ هو الحل الأمثل للتخلص منهم. فإن كنا قد تعلمنا من موجة يناير الأولى شيئا واحدا فهو أن لا نظام يسقط من الأعلى و ان قطع أذرع الأخطبوط أولا أهم من رأسه.
وحركة شعبية كالتى أختصت ريهام سعيد كانت حركة جيدة جدا, ليس لأنها أهتمت بوضعها السياسي و تأييده ا للنظام و كونها جزء منه, بل الهجوم عليها فيما تفعله للمجتمع من فساد أولا, بعيدا عن السياسة أو حياتها الأجتماعية الخاصة. نجحت الحملة عليها لأنها كانت بلا توجه سياسى وهذه نقطة يجب وضعها بالأعتبار, تدمير النظام السياسي بآليات و أسباب غير سياسية.
مؤيدي النظام من الدرجة الأولى
متمثلون في منتخبي النظام والمدافعي عنه في كل زمان ومكان وأغلبهم من معارضي ثورة يناير الأولي، نعم أغلبهم و ليس جميعهم، فالأعداد المهولة التي أدعت الإيمان بالموجة الأولي وعلي سبيل السخرية تتضمن هؤلاء.
من الصعب الوصول لتلك الفئة ليس فقط لأنها مستفيدة بشكل مباشر علي مستويات اقتصادية وأجتماعية، بل كذلك لأنهم تشبعوا بشكل تام من أفكار فاسدة أجتماعية و سياسة لما يزيد عن ثلاثين عاما ومن غير اليسير تغيير قناعات مترسخة كهذه.. لكن بالرغم من هذا هناك فرصة في جزء منهم و هي المحموعة التي لديها قابلية لتنقلب علي النظام إذا ما تأثرت مصالحهم بشكل كبير لا يستطيع النظام إدعاء محاولة تعويضها، ويكون محاولة التأثير علي المجتمعات الدولية والدول الداعمة مديا أو أقتصاديا أمرا غير قابل للتجاهل. ووضع رؤية أقتصادية ودولية تكفل هؤلاء فى المستقبل سيوفر لنا فرصة فى تغيير دعمهم أو على الأقل عدم دعم النظام بشكل كامل كالآن. وهو ما يحدث حاليا من كبار رجال الأعمال الذى لم يستطع فساد النظام أن يوفر لهم دعم أقتصادى كامل.
أما الآخرون محبون مبارك, فلا أمل إالا بحملة وعى من الصفر لهم.
مؤيدي النظام من الدرجة الثالثة
وهم الأغبياء أصحاب الكِبر و الأدعاء بالعلم و الرؤية و غالبيتهم من طبقة المثقفين، كمحمود سعد و الذي يعد حالة غريبة تماما، فهو مؤمن بثورة يناير و مبادئها إيمانا تماما، كان من أوائل المجاهريين بتأيدها، ومع ذلك تطلب الوضع سنتان و نصف ليعود لبيته و بيجاماته و التي تعتبر بشرة خير الي حد ما.
فئة تتطلب تحليلا نفسيا علي ما أعتقد لمحاولة الوصول لسبب يدعو هؤلاء لتأييد نظام هم علي معرفة تامة بعدم صلاحيته وفساده، قد يكون الأمر آلاف الملفات التي يتم التشهير بيها بين الحين والآخر وقد يكون المصالح التي تدفعهم للكفر بمادئهم في سبيل لقمة العيش.ليس من المستحيل محاولة جذبهم و إعادة التأثير فيهم، بالترغيب حينا و الترهيب حينا.
المؤيدون من الطبقات الأجتماعية الضعيفة
علي رأس تلك الفئة، لكن هم راغبون لقمة العيش والأستقرار المتوهمين به، هم نتاج الجهل و الفقر، هؤلاء القادرون علي القيام بثورة جياع تأخذ بالأخضر و اليابس، هم حاليا إحدي أذرع النظام في التغلغل، تحت تصدير رؤية الثورة التي حرمتكم قوت يومكم.
فئة ليس من السهل الوصول لها، لأنها لن تؤمن بك حتي تنتصر. أو تري بين يديك خبزا و ماءا.
الجبهة الثانية
معارضي النظام الحالي و مؤيدي النظام السابق
مجموعة يجب صب الأهتمام الأولي لهم في محاولة التأثيير، فبالرغم من إيمانهم بالقضية ولكهنم كذلك من ضمن المؤثريين بالسلب عليها، التصريحات و اللقاءات و حتي المناقشات الشخصية لأغلبهم لا تتضمن آليات سليمة للتأثيرر بشكل كبير، فتجد أن الصراع بينهم وبين معارضي النظام و المختلفين معهم فكريا هي الأكثر إنتشارا و كذلك تفتيتا للجبهات و تقسيما للشريحة، فالمسئوليين عن جماعة الأخوان بشكل خاص، يزيدون من حدة الخلاف بين معارضي النظام بشكل مستمر، فأي نظام هذا الذي قد يسقط بفئة تفتت من ذاتها أكثر من عدوها! .
محاولة تغيير الفكر الفردي لأفراد الجماعة فيما يخص آليات المرحلة والرؤية في إدارة الصراع وما بعده ،، تستدعي ليونة أكثر مما يمتلكون حاليا، وتفضيلا في دحر الأنقلاب يزيد عن رغبتهم في إستعادة مستحقاتهم السياسية. وأعترافا صريحا بأخطائهم، ومحاولة لم الشمل.
معارضي النظام الحالى ومعارضي النظام السابق
تلك المجموعة قابلة للتقسييم بشكل أكثر تفصيلا، فمن الممكن وضعها في هذا الشكل :
معارض للنظاميين
قابل للأتحاد مع المجموعة السابقة سعيا في إزالة النظام الحالي ووضع آليات مشتركة لإدارة الوضع لما بعد سقوط الأنقلاب.
معارض النظامين، ساعي لتدمير كلاهما
و بالرغم من عدد هذه الفئة و كثرتها الا أنها بلا قوة منظمة تستطيع أتخاذ قرار أو موقف كامل قابل للتأثير بشكل كامل.
و إن أثبت عام 2012 فشل الأخوان دون تعاون مع المجمعوتيين السابقتين, أثبتت أحداث 30-6 عدم مقدرة المجموعتين على شئ إلا بمساعدة مجموعة أكثر نظاما وقوة وهو ما أستدعى من النظام السابق والمؤسسة العسكرية لأستغلالهم لصالحها. فالعدد وحده قوة غير كافية للتأثير أو التغيير. بكل بساطة ثلاث أجزاء لا يمكن أن ينفصل مستقبلهم وعنادهم و قصر رؤيتهم يمنعهم أى فرصة لأتحاد حاضرهم.
الجبهة الثالثة
الغير فاعلين من مؤيدي الجبهتيين
قابلون الي حد ما للتأثير فكريا، لكن من الصعوبة محاولة تحويلهم لطرف فاعل فى الوضع، الأمر يتطلب تهيئة علي مرحلتين، فى البداية الوصول بهم لإيمان تام بالقضية، ثم محاولة دفعهم للتأثير الفعال في مجريات الأحداث.
و إن كانت قصص التاريخ و أحداث الأوليين تؤكد إن مراحل التغيير العُظمي لا تقوم إلا باعداد قليلة هي المؤثرة بشكل مباشر، لكن محاولة إيجاد قاعدة شعبية قادرة علي تقبل التغيير و لو بعدم المعارضة علي الأقل، أمر هام و مطلوب. وهو نصف الطريق.
الموجة الأولي ليناير، كان من أسباب عدم إستمرار حالتها لوقت أطول أن ثقافة متطلبات الثورات لم تكن متوافرة للشعب، فالفوضي و ما بعدها من تخبط تام لمدة عامان ، أمر صحي جدا لثورة في مجتمع كالمجتمع المصري و ضد نظام كنظام مبارك و ما بعده، حتي ما أفرزته الأنتخابات الأولية من مجالس شعب و محليات غير قادرة علي تمثيل المجتمع بشكل يرضيه، وضع آخر طبيعي لمجتمع ما بعد ثورة. فيجب خلق وعى لفكرة التغيير أولا, ووضع خطط واضحة تجلب جزء من الآمان للآخريين. فالأغلبية وإن كانت تؤمن بفشل نظامى السيسي ومبارك ولكن فكرة الذهاب للمجهول أمر غير وارد وإن العيش تحت ظلال الفساد أفضل من نور الثورة بلا وجهة محددة.
لهدم نظام منظم، متشعبة أطرافه في كل مفاصل الدولة ووعي وثقافة شعب، يتطلب فوضى خلاقة, أيضا تغيير الآليات التي لم تثبت نجاحا على مدار خمسة أعوام، كذلك تغيير الرؤية الحالية والسعي لأتفقيات محلية ودولية يجب وضعها علي رأس القائمة، كذلك الأتفاق على أنه لا مفر من تصالحات وأتفاقيات للأحزاب والحركات وإلا يستمر الوضع لما هو عليه و تبقى قدراتنا جميعا مفتتة بلا تأثير.