قد تكون فكرة تغيير بعض رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية قيد التشاور لدى المسؤولين في قطاع غزة، فالتغيير رحمة للناس، ويعكس وعيًا قياديًا بأهمية التجديد والتنقية، ولكن التغيير في الوقت نفسه يكرس منهج التعيين والتكليف لمواقع عمل حساسة لها احتكاكها اليومي مع المواطن، ولها تأثيرها الإيجابي والسلبي على شعبية حركة حماس نفسها، التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة 2 مليون إنسان في قطاع غزة، فتطبخ لهم الحصى على النار تارة، وتضرب بعصاها البحر كي تسبر أغواره تارة أخرى، وسط أجواء رسمية تتمنى لها العثرة بقصد إفشال التجربة التي جمعت بين المقاومة وترتيب البيت.
إن سقوط تجربة الحكم في غزة لا تعني إلا سقوط فكرة المقاومة الفلسطينية، لأن البديل الناجز لنموذج المقاومة في غزة هو نموذج التعاون الأمني القائم لدى السلطة في رام الله، لذلك فالنجاح في غزة لا يخص حركة حماس وحدها بمقدار ما يخص المجتمع الفلسطيني بكل تنظيماته وفصائله وتجمعاته وأشخاصه، بينما فشل التجربة في غزة سيصب على رأس حركة حماس وحدها، وعليه فإن مصلحة حماس تكمن في التغيير، وإرباك المياه التنظيمية الآسنة، ولا يتم ذلك إلا من خلال العمل على خلق معادلة سياسية جديدة؛ تعتمد على الحضور وسط الشارع، وفي الوقت نفسه تحترم التعددية وحرية الرأي، وأزعم أن المدخل إلى ذلك هو إجراء انتخابات للمجالس المحلية، تستند قانونيًا على المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 14 مايو 2012 بشأن تعديل قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم 10 لسنة 2005، والذي يجيز لمجلس الوزراء “إصدار قرار بإجراء الانتخابات على مراحل وفق ما تقتضيه المصلحة العامة”.
بإمكان حركة حماس التواصل مع مجلس الوزراء، والتواصل مع لجنة الانتخابات المركزية؛ بهدف تطبيق المرسوم الرئاسي على مدن قطاع غزة أسوة بمدن الضفة الغربية التي شملتها الانتخابات، مع التأكيد على استعداد حركة حماس للمشاركة في انتخابات رئاسية وتشريعية تأتي لاحقة لانتخابات المجالس المحلية، فإذا تجاهل مجلس الوزراء الأمر، وإذا لم تشرف لجنة الانتخابات المركزية على انتخابات المجالس المحلية في غزة، تكون حركة حماس قد أحرجت الجميع، وصار له الحق في تطبيق القانون الذي سيفضي إلى احتمالين:
الاحتمال الأول: أن تشارك الفصائل الفلسطينية بعضها أو كلها في الانتخابات البلدية، بما في ذلك حركة فتح، وفي هذه الحالة سيقول سكان قطاع غزة رأيهم في حركة حماس وغيرها من الفصائل، وستكون نتائج الانتخابات بمثابة استفتاء شعبي له نتيجتان:
1- فوز حركة فتح بمعظم المجالس المحلية في قطاع غزة، وسيكون هذا الفوز نصرًا لحركة حماس كما هو نصر لحركة فتح، حيث ستنقل المسؤولية عن خدمات الناس إلى حركة فتح.
2- فوز حركة حماس بمعظم المجالس المحلية، وفي هذه الحالة تجدد حركة حماس شرعيتها داخل الشارع بقوة أكثر.
الاحتمال الثاني: عدم مشاركة الفصائل الفلسطينية المنضوية في إطار منظمة التحرير، واقتصار المشاركة على حركة حماس، وأصدقائها، وهنا ستكون نتائج الصندوق شرعية، بغض النظر عن نسبة المشاركين، وستكشف النتائج عن بروز قيادات ميدانية لها رصيدها الجماهيري.
قيمة الانتخابات تكمن في مشاركة الناس في تحمل المسؤولية، وفي التأكيد على عدم رغبة حركة حماس في الاستئثار بحكم قطاع غزة، وقد تشكل انتخابات المجالس البلدية محفزًا لمرسوم رئاسي يحدد موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بهدف قطع الطريق على نتائج الانتخابات البلدية في قطاع غزة، وقد يحرك الإعلان عن موعد الانتخابات البلدية بعض الفصائل للتحرك باتجاه تحمل حكومة التوافق مسؤوليتها الكاملة تجاه سكان قطاع غزة.
إن انتخابات المجالس البلدية التي ستغضب السلطة الفلسطينية من جهة، والتي ستغضب بعض الفصائل التي تخشى من فضح ضعفها الجماهيري من جهة أخرى، هذه الانتخابات الشرعية لن تفرز مجالس محلية فقط، بل ستبرز شخصيات سياسية فلسطينية منتخبة ديمقراطيًا، يحترم العالم مواقفهم، ولا يمكن القفز عنهم في رسم المستقبل السياسي للشعب الفلسطيني، ولنا بانتخابات المجالس المحلية التي جرت في الضفة الغربية سنة 1978 أسوة حسنة، حيث أفرزت تلك الانتخابات رؤساء مجالس محلية، ولكنهم في الحقيقة كانوا قادة سياسيين أسهموا في بناء الإنسان المنتمي لوطنه، وكانوا على رأس المقاومين للاحتلال.