ذكرت وكالات وتقارير صحفية متعددة مؤخرًا معلومات عديدة تشير إلى استخدام مقاتلي داعش حبوب الكابتاجون قبل المعارك ومهماتهم الجهادية، حيث ذكرت التقارير أهمية ذلك المخدر كممول لعمليات داعش، وأشارات كذلك إلى صفقات التهريب القائمة على حدود سوريا مع لبنان والأدرن، حيث أطلق عليه البعض لقب “وقود داعش” الجديد.
الكابتاجون (captagon) وهو أحد مشتقات مادة الأمفيتامين، وهي مادة كيميائية منشطة، ترفع المزاج وتقلل الحاجة إلى النوم وكذلك تقلل الشهية للأكل، ويعتبر أنه وقود داعش الحالي، الذي يسمح لمقاتليها بالتغلب على الخوف والإجهاد أو التردد في القيام بالمهمات الجهادية، ليبقيهم على الأقل أربعة أيام متواصلة من النشاط بدون الحاجة إلى النوم.
ليست داعش الأولى في استخدام المخدرات بين مقاتليها، بل بدأ الأمر منذ القرن الحادي عشر مع اليابانيين، ثم مع الميليشيات الأفريقية، ومع “الحشاشين” في بلاد فارس المعروفة بأفغانستان حاليًا، وصولًا إلى النازيين في القرن الماضي، بدأ استخدام الكابتاجون بالتحديد كعلاج طبي لمرضى اضطراب نقص الانتباه عند الأطفال في الستينات، إلا أن تمّ منعه لخطر إدمانه في عام 1980، وهو من المخدرات الرخيصة نسبيًا، حيث تتراوح تكلفة الحبة ما بين 5 – 20 دولارًا أمريكيًا.
بحسب تقرير لصحيفة هآرتزالإسرائيلية، فإن حزب الله قد بدأ في صناعة الكابتاجون تجاريًا من أجل تمويل عملياته، حيث وصل الدعم الذي تقدمه تجارة حزب الله للكابتاجون لمقاتليه إلى 6 بليون دولار سنويًا، ومن ثم أصبحت لبنان المُنتج الأول في الشرق الأوسط للكابتاجون، لتأخذ داعش تلك المرتبة بعد بدء تنظيم الدولة الإسلامية في صناعته والتجارة به وتوفيره لمقاتليه، حيث اعترف العديد من الجهاديين السابقين في حواراتهم مع وكالات الأنباء بتناولهم الكابتاجون قبل المعارك، والذي يمكنه إبقاءهم بدون حاجة للراحة أو النوم لمدة تصل إلى أربعة أيام.
يمكن صناعة الكابتاجون من مواد كيميائية بسيطة ورخيصة نسبيًا، الأمر فقط يحتاج إلى المعرفة والخبرة الكيميائية لصناعته من مواد كيميائية متاحة وقانونية في الأسواق، حيث نشرت سي إن إن تقريرًا بآثار الكابتاجون على مقاتلي داعش قائلة بأن الكابتاجون يمكن أن يجعلهم أبطالاً خارقين لا ينامون لأيام، ويجعلهم نشطاء وفاقدين الشهية للنوم والأكل.
وفي لقاء لوكالة رويترز مع أحد أفراد الشرطة في حمص، تحدث عن استجواب أحد مقاتلي داعش في السجون السورية، إلا أنه أفاد بأن الأمر يكون صعبًا لعدة أيام لوقوعه تحت تأثير المخدر، الذي يجعله يضحك أثناء تعذيبه ولا يشعر بالألم، إلا أن بعد عدة أيام يصبح الاستجواب أسهل بكثير بعد غياب تأثير الكابتاجون من جسده تدريجيًا.
يتكون الكابتاجون من مادتين كيميائيتين وهما: الثيوفيلين والأمفيتامين أو المنشطات، وتلك التركيبة موجودة داخل جسم الإنسان بصورة غير فعالة، إلا عندما يتم فصل المركبين عن بعضهما، يصبح كل منهما فعالًا داخل الجسم، يعتبر الثيوفيلين شبيهًا بالكافيين، كما يستخدم أحيانًا في علاج مرض الربو، أما الأمفيتامين فهو المركب الذي له تأثير مباشر على الدماغ في الكابتاجون، فهو يقوم بتنشيط كل شيء داخل جسم الإنسان، كما يعطي شعور بالسعادة وعدم الحاجة إلى الأكل، وأحيانًا يمكن له أن يخدر شعور الإنسان بالألم، على الرغم من أن الكابتاجون لا يعمل كمخدر للآلام، إلا أن عدم الشعور بالألم عند مدمني الكابتاجون يأتي من شعورهم بالسعادة والنشاط المفرط الذي يجعلهم يتناسون وجود الألم، بالإضافة إلى أن الكابتاجون لا يحرز نجاحًا مع مدمني الكحوليات أو مدمني أنواع أقوى من المخدرات، بحيث يرونه أضعف تأثيرًا مقارنة بأنواع المخدرات الأخرى.
يمكن للكابتاجون أن يصيب المدمن بهلاوس سمعية وبصرية، ويؤثر على قدرته على التركيز في المعارك، إلا أن مقاتلي داعش يجدون في فعالية الكابتاجون بإبقائهم بعيدين عن النوم لأيام متواصلة ما يستحق التضحية بقدرتهم على التركيز وإصابتهم بهلاوس بصرية وسمعية قد تؤدي فيما بعد لأمراض نفسية مزمنة من بينها الانفصام أو جنون العظمة، بالإضافة إلى تلك الأمراض قد يصاب مدمن الكابتاجون بالشك المستمر في الآخرين والشعور بالاضطهاد، كما يستخدم بعض مدمني الكابتاجون الكحوليات أو الحشيش للتخلص من أثر الكابتاجون في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى الوقوع في إدمان الكحوليات أو الحشيش.
هناك ادعاء آخر بأن داعش يمكنها صناعة وتجارة أنواع أخرى من المخدرات تحت تسمية “الكابتاجون”، فلم يختبر أحد المواد الفعلية التي تقوم داعش بصناعتها أو بتوفيرها لمقاتيلها، ولكن لا شك هنا في المكسب الاقتصادي الذي تحصل عليه داعش من وراء صناعة الكابتاجون، الذي لا تكلف صناعته الكثير، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب عليه في دول الخليج العربي، والذي ساعد داعش على تحقيق مكسب اقتصادي ضخم من وراء عمليات تهريب الكابتاجون.
منذ ما يقرب من شهرين، ضبطت السلطات اللبنانية أميرًا سعوديًا حاملًا معه طنين من الكابتاجون موزعة على ثمانية حقائب سفر و32 صندوقًا ليقوم بتهريبهم في طائرة خاصة إلى السعودية، حيث أطلقت السلطات اللبنانية على تلك العملية بأنها أضخم عملية تهريب شهدها مطار بيروت، لتزيد الشكوك حول الكابتاجون وعلاقته بتمويل تنظيم الدولة والصراع الدموي في سوريا، حيث انتشر الكابتاجون بشراسة في الشرق الأوسط بعد الحرب السورية.
لا يحرم مقاتلو داعش استخدام المخدرات، مادامت أداة تساعدهم على الجهاد، فيبدو أن الضرورات هنا تبيح المحذورات، فالكابتاجون تحوّل ليكون أحد ممولي الصراع الدموي في سوريا، ليصبح لقبه “مخدر الجهاد” في الشرق الأوسط.