أصدر وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بيانًا أعلن فيه أن الولايات المتحدة رفعت العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي إثر دخول الاتفاق الموقع معها من قِبل القوى الغربية حيز التنفيذ.
كذلك أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، وهي تستضيف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فيينا، أن المجتمع الدولي رفع كافة العقوبات الاقتصادية التي ارتبطت بنشاط طهران النووي، وذلك تنفيذًا للاتفاق النووي الذي وقع في 14 يوليو من العام الماضي.
هذا الإجراء الغربي هو بمثابة اعتراف رسمي بالتزام الجانب الإيران بتعهداته بشأن البرنامج النووي، بعدما شككت جهات في الغرب بمدى التزام طهران بما وقعت عليه في اتفاق فيينا، عبرت عن ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إعطائها الضوء الأخضر لدخول الاتفاق حيز التنفيذ، بعدما أعلنت أن إيران التزمت بما تعهدت به في الحد من برنامجها النووي.
الغرب بدأ بالفعل في الإجراءات الرسمية المتعلقة برفع العقوبات الدولية عن إيران، حيث وجه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، رسالة للكونجرس، يُعلن فيها تفاصيل القرارات الرئاسية السابقة التي تم إلغاؤها بقرار رئاسي تنفيذي جديد بعد التزام إيران بتقليص برنامجها النووي.
هذه القرارات التي تحدث عنها أوباما بالإلغاء هي تلك التي اتخذت في عهده في الأعوام 2010 و2011 و2012 باستثناء القرار التنفيذي الأول لعام 1995، والتي كانت تتضمن الحظر على الشركات الأمريكية التبادل الاقتصادي مع شركات البترول والغاز الإيرانية.
ماذا يعني دخول الاتفاق حيز التنفيذ؟
دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ بعد توقيعه يعني التزام طهران بشحن كميات من اليورانيوم المخصب إلى روسيا وهو ما يعني إشارة البدء في تطبيق الاتفاق باعتبار هذا الشرط على رأس قائمة شروط فرضها الاتفاق النووي، يأتي بعدها التزام آخر وهو خضوع البرنامج النووي الإيراني للرقابة الدولية من الآن وصاعدًا.
وعلى الجانب الآخر التزامت القوى الدولية التي كانت بمثابة الطرف الآخر في توقيع الاتفاق النووي برفع العقوبات الاقتصادية التي أعلنتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العام 2006، والتي تشددت بعد ذلك في السنوات التالية على قطاعات أساسية بعينها في الاقتصاد الإيراني مثل الدفاع والنفط والمالية.
على أن يمتد الرفع الكامل للعقوبات على عشر سنوات قادمة، مع بقاء في الإمكان إعادة فرض هذه العقوبات طوال 15 عامًا في حال ثبوت عدم وفاء إيران ببقية التزاماتها.
هذه العقوبات المرفوعة عن طهران تعني أن إيران ستحصل على سيولة مالية كانت مجمدة لدى الغرب قدرها مسؤولون أمريكيون بخمسين مليار دولار، بعد أن تُسدد طهران ديونها، كما سيتمكن الأسطول الإيراني الجوي من شراء طائرات تجارية بشرط عدم استخدامها في الأنشطة العسكرية، كما سيفتح إلغاء العقوبات باب حرية التجارة بين الشركات الغربية ونظيرتها الإيرانية.
كما قامت واشنطن تبعًا لرفع الحظر عن إيران بشطب 400 شخص وكيان من لوائحها السوداء كانوا قد اتهموا بانتهاك التشريع الأمريكي بشأن العقوبات المرتبطة ببرنامج إيران النووي، والذي يحظر التعامل التجاري مع إيران.
ناهيك عن إلغاء الحظر النفطي من جهة أخرى الذي تستعد له إيران منذ عدة شهور، في محاولة لغزو السوق الأوروبي القديم الذي فقدته عقب حظر استيراد النفط منها، وهو الأمر الذي يتطلب سياسة خارجية مرنة تخدم طموحات إيران الاقتصادية في أوروبا، حيث تنتوي إيران البدء في غزو سوق البتروكيماويات الأوروبي، ما سيعود عليها بأرباح تُقدر بنحو 2.5 مليار دولار سنويًا على الأقل، بعيدًا عن القطاعات الاقتصادية الأخرى.
بوادر حسن النية بين أطراف الاتفاق النووي
بوادر حسن النية كانت متوافرة بكثرة لدى أطراف الصفقة، كان آخرها الإعلان الإيراني عن إطلاق سراح أربعة مواطنين إيرانيين يحملون الجنسية الأمريكية كانوا محتجزين لدى طهران، مقابل سبعة سجناء إيرانيين تحتجزهم واشنطن، فيما أعلن مسؤول أمريكي أن بلاده أسقطت التهم عن 14 إيرانيًا إضافيًا في صفقة التبادل.
هذه المشاهد غير المألوفة بين البلدين تعضدت بعد إفراج إيران عن بحارة أمريكيين احتجزتهم لعدة ساعات وتم الإفراج عنهم بالطرق الدبلوماسية التي أشادت بها قيادات البلدين.
حيث تمثل هذه الخطوات تحولًا جوهريًا في السياسة الأمريكية والإيرانية على حد سواء خلال السنوات الخمس الماضية، فلم تكن أزمة البحارة الأمريكيين تمر بهذه السلاسة، ولما شهدت الخطوات الأمريكية مؤخرًا تراجعًا عن ملاحقة التجارة غير المشروعة مع إيران قضائيًا، لولا دخول الطرفين في عهد جديد تم الإعلان عنه مع القوى الكبرى ببدء رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران.
وماذا بعد؟
أعلنت إيران في 14 من يناير الماضي على لسان رئيسها حسن روحاني سحب قلب مفاعل آراك العامل بالماء الثقيل، في حين تحول حديث روحاني عن “الازدهارالاقتصادي” الذي سيصيب إيران مع دخول عملية رفع العقوبات حيز التنفيذ، وبعدها بيومين، دخل الاتفاق حيز التنفيذ بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما أدى إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
ما يعني أن إيران سال لعابها اقتصاديًا في مقابل التخلي عن مشروعها القومي الأول، بعدما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران فككت عدة مفاعلات كانت سببًا لكوابيس عالمية، باستثناء واحد من أهمها، وهو مفاعل “آراك”.
هذا المفاعل الذي قامت إيران بتفكيك قلبه وملئه بالأسمنت، وهو ما يعني بشكل جلي أنه لا يمكن استخدامه مجددًا، في خطوة لا يمكن التراجع عنها، وهو ما كان أيضًا بمثابة إعلان إيران تخليها عن حلم “القنبلة النووية” حيث أن أكثر من 90% من الرؤوس النووية لا تبنى من اليورانيوم، بل من البلوتونيوم، وهو الذي كان متواجدًا في مفاعل “آراك” للمياه الثقيلة.
لكن إيران قامت بدفن مشروع العمر النووي وعيناها تنظر إلى ثاني أكبر مخزون من الغاز، وثالث أكبر مخزون من النفط في العالم، الذي سيدر تصديره مليارات دولارات في الخزانة الإيرانية التي عانت ويلات الحصار طوال العقود الماضية.
كما تنتظر إيران قرابة 200:150 مليار دولار من مبيعات نفطية سابقة مجمدة، تأكد بالفعل الإفراج عن قرابة 50 مليار دولار منها، وهو ما فتح تساؤلات من عدة جبهات عن مصير تلك الأموال وكيف ستستخدمها القيادة الإيرانية.
وجهة نظر أمريكية اقتصادية ترى أن إيران لن تكون لديها رفاهية صرف هذه الأموال على سياستها الخارجية في الوقت الحالي، بمعنى تمويل أنشطة الجماعات المرتبطة بمشروعها خارج إيران، لكن على الأقل في هذه الفترة سيكون عليها أن تعيد إحياء صناعة قطاع النفط والغاز المتهالك بفعل العقوبات، ويحتاج ذلك ما قيمتة 200 مليار دولار.
بينما يرى خصوم إيران خاصة من السعوديين والإسرائيليين أن الأموال التي ستتدفق على الخزينة الإيرانية، سيكون من شأنها أن تطيل أمد الصراع في الشرق الأوسط، بعد إتاحة الفرصة لإيران لزيادة تمويلها للجماعات المسلحة في المنطقة، فيما ذهب البعض للتشكيك في نية إيران التخلي عن برنامجها النووي، خاصة الخصم الإسرائيلي.
حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تصريحات عقب دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ إن”إيران لم تتخل عن طموحاتها بامتلاك أسلحة نووية، رغم توقيعها على الاتفاق النووي مع مجموعة دول (5+1)”، كما أضاف أن “إسرائيل ستواصل متابعة تطبيق الاتفاق النووي الإيراني، وستحذر من أي خرق له”.
مشيرًا إلى أنه: “حتى بعد توقيعها على الاتفاق النووي، لم تنبذ إيران طموحاتها لامتلاك الأسلحة النووية، وهي تواصل العمل على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى ممارسة الإرهاب في شتى أرجاء العالم انتهاكًا لتعهداتها الدولية”.
فيما ذهب، ديفيد بلير، كبير المراسلين الأجانب في صحفية التلغراف البريطانية للقول: إن “التاريخ والزمن وحده الكفيل بمعرفة ما ستنفذه إيران فعليًا من اتفاقاتها مع الدول الكبرى فيما يتعلق ببرنامجها النووي”.
وهو الأمر الذي ذهبت إليه أيضًا هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي المحتملة لانتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي حثت على فرض عقوبات جديدة على طهران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية.
حيث أعلنت أنه في حالة انتخابها رئيسة للولايات المتحدة في الانتخابات القادمة سيكون موقفها بشأن إيران هو “عدم الثقة والتحقق”، مضيفة أن: “إيران مازالت تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي ببرنامجها للصواريخ الباليستية الذي يجب أن يواجه بتحديد عقوبات جديدة وبتصميم حازم”.
بينما ينتظر الجميع التحركات الإيرانية التي ستكذب هذه التكهنات أو تصدقها فيما يمكن أن تفعله عقب إنجاز هذا الاتفاق التاريخي، حيث يسمح الاتفاق بهامش كبير من المناورة لدى الإيرانيين لم يكن موجودًا في السابق، والذي بالطبع سيكون له التأثير الأكبر في مشروعها التوسعي في المنطقة، وهو ما يعني أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة تنافسية بين مشروع إيران وفي مقابله المشروع السعودي الذي يتأهب لهذه اللحظة منذ عدة أشهر.