ترجمة وتحرير نون بوست
تقّدر عائدات صناعة الألماس بحوالي مليار دولار سنويًا يتم ضخها لتمويل الجيش الإسرائيلي، ورغم الانتهاكات الخطيرة والمتعددة لحقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل، تواصل صناعة المجوهرات الإسرائيلية خداعها للمستهلكين من خلال الزعم بأن الألماس الإسرائيلي خالٍ من الصراعات، أي لا يُنتج في مناطق الحروب والأزمات المسلحة لتمويل حروب أو تمرد أو نشاطات أمراء الحرب.
لا يمكن تحقيق ديمومة المشروع الصهيوني السائد في فلسطين واستمراره، إلا من خلال الإنكار العنيف لحقوق الإنسان والإرادة الديمقراطية للشعب الفلسطيني، والحفاظ على حكم الإرهاب الصهيوني يضع عبئًا ثقيًلا على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعد المصدر الرئيسي للإيرادات اللازمة لاستمرار المشروع الصهيوني.
أقرت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا الميزانية العسكرية لعام 2016 والبالغة 60 مليار شيكل، أي حوالي 15 مليار دولار، وهذه الأموال سيتم استقطاعها من الاقتصاد الإسرائيلي على شكل ضرائب بطريقة أو بأخرى، زد على ذلك المساعدات الأمريكية الممنوحة إلى إسرائيل على شكل مساعدات عسكرية، والتي تبلغ في الوقت الحاضر حوالي 3 مليار دولار سنويًا، ومن المرجح أن ترتفع هذه المساعدة إلى 4.5 مليار دولار سنويًا في عام 2018.
الجهود الممارسة للضغط على إسرائيل بغية دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، يتم تقويضها بشدة من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يحميان إسرائيل من العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومن هذا المنطلق، فإن الحملة الدولية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات، اختصارًا BDS، تزود المجتمع المدني بوسائل للتغلب على جدران الحماية السياسية التي تحمي النظام الإسرائيلي، وتحوز القدرة على فرض خسائر اقتصادية قد تغيّر من جدوى التكاليف السياسية والاقتصادية للمشروع الصهيوني.
بغية إحداث التغييرات اللازمة لتحويل الموازين السياسية لصالح العدالة والسلام، يجب على حملة المقاطعة أن تستهدف القطاعات الضعيفة للاقتصاد الإسرائيلي، والتي تلعب دورًا اقتصاديًا مهمًا بذات الوقت؛ فإسرائيل تستورد سلعًا أكثر مما تصدر، ولكن البضائع التي تصدرها ترفدها بكميات هائلة من العملات الأجنبية التي تعد في غاية الأهمية للاقتصاد الإسرائيلي في سعيه لتوفير الخدمات الاجتماعية التي يتطلبها الناخبون، والحفاظ، في الوقت عينه، على مصفوفة السيطرة العسكرية اللازمة لإخضاع السكان الفلسطينيين بوحشية لا مثيل لها.
تعد بعض قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي أكثر ضعفًا بمواجهة حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات من غيرها، وإذا أردنا أن نتلمس أهم، وبذات والوقت أضعف، قطاع للاقتصاد الإسرائيلي، لا يمكننا أن نخطئ هدفنا المتمثل بصناعة الألماس.
حقيقة أن صناعة الألماس هي “إحدى الأركان الأساسية للاقتصاد الإسرائيلي”، تم تأكيدها من خلال دراسة أداء التجارة الإسرائيلية لعام 2014 التي نشرت مؤخرًا.
أعلى صناعات التصدير دخلًا في إسرائيل لعام 2014، ويتبين بأن صناعة الألماس (باللون الأصفر) تتغلب بفارق كبير على باقي الصناعات
على عكس صناعات الإلكترونيات، المستحضرات الصيدلانية، والمواد الكيميائية وغيرها من السلع التي تصدرها إسرائيل، يعد الألماس منتجًا شخصيًا للغاية محملًا بمعانٍ عاطفية للمستهلكين الأفراد؛ فمعظم مشتري الألماس ربما لا يعرفون سوى القليل عن محنة الشعب الفلسطيني، ولكن عندما يقررون إنفاق آلاف الدولارات على قطع من الكربون المصقول، فإنهم بالتأكيد لا يريدون أن يبتاعوا ألماس الدم.
عقود الدعاية العلنية والواسعة حول الفظائع المرتبطة بتجارة الألماس في أجزاء من أفريقيا، كانت سببًا في رفض الجمهور لشراء ألماس الدم جرّاء روادع الأخلاق أو تطور الموضة أو امتثالًا لضغط الأقران، وبائعو المجوهرات يدركون ذلك جيدًا؛ لذا لا يمكنهم أن يتحملوا بسهولة تشويه سمعتهم التجارية من خلال الإقرار بالتعاون مع سفاكي الدماء ومرتكبي الفظائع الصهيونيين في فلسطين أو الأنظمة المارقة الأخرى في أفريقيا.
يتحمل رؤساء الشركات المدرجة في البورصة مسؤوليات أخلاقية وقانونية جسيمة تجاه كل من المساهمين “حملة الأسهم” والرعاة على حد سواء؛ فمتوسط فترة إدارة كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الرائدة المدرجة بالبورصة تبلغ حوالي 10 سنوات، وخلال تلك الفترة يتعين عليهم أن يقودوا سفينة شركاتهم إلى بر الأمان حتى يتمكنوا من ترك منصبهم وهم ضامنين الاستحصال على مرتباتهم التقاعدية.
بائعو المجوهرات الذين يبيعون الألماس الذي يولّد إيرادات تُستخدم لتمويل انتهاكات حقوق الإنسان، يخاطرون بتدمير علامة وسمعة شركاتهم التجارية، كما يعرّضون شركاتهم لإجراءات قانونية قد تكون مكلفة يتقدم بها ضدهم الرعاة الساخطون الذين يشعرون بالظلم لاكتشافهم بأنهم ابتاعوا ألماس الدم، ومن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الممولة من خلال إيرادات الألماس الذين يتقدمون بدعاوى قضائية سعيًا للحصول على التعويضات.
أدى كشف المنظمات غير الحكومية لحقائق تجارة ألماس الدم في بعض البلدان الأفريقية لتهديد السمعة التجارية للألماس، وتنامى خطر هذه التهديد لدرجة أنه وفي عام 2002 وافق بائعو المجوهرات في نهاية المطاف على تأسيس نظام مراقبة ذاتي معروف باسم عملية كيمبرلي، اختصارًا (KP)، لمراقبة تجارة الألماس الخام، ولكن مع ذلك، رفضت الصناعة فرض حظر على جميع أنواع ألماس الدم، وقصرت اختصاص عملية كيمبرلي على “ألماس الصراعات”، أي صناعة الألماس الخام التي تمول عنف المتمردين، وبهذا بقي ألماس الدم الذي يمول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات الحكومية جزءًا مشروعًا من صناعة سوق الألماس القانونية.
يعد الألماس مصدر دخل كبير للأنظمة العنيفة في إسرائيل وأنغولا وزيمبابوي، ويشكل انخراط هذه الدول في تجارة الألماس نحو 30% من القيمة الإجمالية لسوق الألماس العالمي، وألماس الدم الذي يدخل في نطاق هذه الصناعة لا يعد ألماس صراعات، ولكن بمجرد خلطه مع الألماس القادم من دول أخرى يضحي من المستحيل التعرف عليه، وهكذا، يتم غسل مليارات الدولارات من ألماس الدم في صناعة المجوهرات في كل عام.
واجهت الجهود الرامية لتوسيع نطاق عمل عملية كيمبرلي ليشمل مبيعات الألماس التي تمول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات الحكومية مقاومة واسعة من إسرائيل وأصحاب المصالح المكتسبة الأخرى ضمن مبادرة كيمبرلي، حيث يحوز كل عضو حق النقض “الفيتو”، وما زالت بعض المنظمات غير الحكومية، التي تشكل أحد الأجزاء الثلاثة من مبادرة كيبمرلي إلى جانب الحكومات وممثلي صناعة الألماس، تحاول دعم المبادرة التي فقدت مصداقيتها؛ فمثلًا انسحبت شركة جلوبال ويتنس من نظام كيبمرلي عندما اُعتبر ألماس الدم القادم من منطقة مارانج في زيمبابوي متوافقًا مع شروط نظام كيبمرلي في عام 2011.
أخيرًا، وفي إشارة لها إلى تصدير ألماس الدم من جمهورية أفريقيا الوسطى، ذكرت منظمة العفو الدولية مؤخرًا بأن “شركات الألماس لا تزال تختبئ خلف قشرة الاحترام التي تقدمها عملية كيمبرلي بدلًا من النهوض لتحمل المسؤولية عمّا يحدث على طول سلاسل التوريد الخاصة بهم”، علمًا بأن قشرة الاحترام المذكورة تتزايد رقة يومًا بعد آخر مع إدراك المزيد والمزيد من الأشخاص للروابط التي تجمع شركات المجوهرات الرائدة، بما في ذلك شركة دي بيرز، هاري وينستون، سوثبي وتيفاني، مع تمويل انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين.
المصدر: ميدل إيست مونيتور