غطى كساء أبيض ناصع السهول والمرتفعات التونسية، في مشهد لم يعتده التونسيون كثيرًا، كساء مثّل قِبلة الزائرين الآملين في قضاء أحلى الأوقات وأمتعها، فيما مثّل من جهة أخرى محنة للسكان المحليين الذين انقطعوا عن الحياة بعد عزل بعض التجمعات السكنية.
تشهد تونس منذ يومين موجة برد قاسية خاصة في مرتفعات الشمال الغربي للبلاد، سقطت خلالها كميات كبيرة من الثلوج في عدة مناطق، وشهدت محافظات ومدن الشمال الغربي التي زادها الثلج جمالاً على جمالها الطبيعي، إقبالاً كبيرًا من قِبل السياح التونسيين والأجانب للتمتع بجمالها وروعتها والثلج يغطي مرتفعاتها وسهولها.
وانتشر مئات السياح في مختلف المناطق التي كساها الثلج كساءً أبيض، يلعبون بكرات الثلج ويتسابقون مع أطفالهم، من جهته قال محمد بن علي (42 سنة) أحد السياح القادمين من العاصمة تونس إلى مدينة عين دراهم من محافظة جندوبة المحاذية للجزائر: “جميل جدًا أن يتساقط الثلج في بلادنا، أشعر بإحساس رائع وأنا ألعب مع ابني بكرات الثلج”.
بدوره قال مصطفى بن أحمد (25 سنة): “هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها الثلج أمامي، لطالما رأيته في التليفزيون وحلمت أن أعيش مثل تلك اللحظات”، وتابع “إنها مشاهد رائعة لا نراها كثيرًا في بلادنا”.
ثلج يتساقط من السماء كأنه لؤلؤ براق، مرتفعات وسهول بيضاء، غابات جثم الثلج على أرجائها كعروس تكتسي بثوبها الأبيض الناصع، ومساجد زين الثلج مآذنها.
وفي مقابل ذلك أخفت هذه الثلوج والمشاهد الطبيعية الخلابة في طياتها وضعًا إنسانيًا كارثيًا في عدة مناطق عُزِلت عن بقية العالم، حيث انقطعت الطرقات المؤدية إليها رغم الجهود التي تبذلها المصالح المختصة لإزالة الثلوج عنها، كما زاد تساقط الثلوج وموجة البرد التي تجتاح عدة مناطق من تونس من معاناة السكان المحليين الذين لم يجدوا ما يكفيهم من وسائل تدفئة ومن مواد غذائية.
وبلغ سمك الثلوج في عدة مناطق حوالي 50 سم، ممّا استوجب تدخل مختلف الوحدات من إدارة غابات وتجهيز وديوان وطني للتطهير وحماية مدنية لفتح عدد من الطرقات وتمكين السيارات العالقة من المرور.
بدوره أعلن المكلف بالإعلام في وزارة التجارة منعم البكاري، أمس الأحد، أنه تم تكوين خلية أزمة صلب الوزارة استعدادًا للتدخل في أي وقت على خلفية الانخفاض الحاد المسجل في درجات الحرارة، كما تم فتح بعض المراكز لإيواء المتضررين من موجة البرد وتوفير الخدمات الضرورية لهم، وتم كذلك تسخير العديد من الفرق الميدانية للحماية المدنية لتفادي أي مكروه.
وآذنت لجنة مجابهة الكوارث الطبيعية بتوزيع مساعدات لعدد من العائلات على غرار الأغطية الصوفية ومواد غذائية وكميات من الحليب المعقم وملابس شتوية.
ثلج وبرد يعيش تحت رحمته سكان مناطق الشمال الغربي لتونس، يذوقون خلاله شظف العيش وصعوبته، في ظل غياب أبسط متطلبات الحياة وضعف البنية التحتية وقلة الإمكانيات.
ظروف طبيعية ما فتئت تكشف ضعف الدولة وحالات التهميش التي تعيشها أغلب مناطقها، وتهاون السياسيين واكتفائهم بالخطب الصماء في المنابر التلفزيونية، وعدم اهتمامهم بمعاناة أبناء شعبهم