أوردت وكالة الأنباء القطرية أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، غادر متوجهًا إلى العاصمة الروسية، موسكو، في زيارة رسمية لدولة روسيا الاتحادية، لتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ توليه مقاليد الحكم في منتصف 2013.
الزيارة وفقًا لما أُعلن على المستوى الرسمي ستستمر لمدة ثلاثة أيام، وسيجري خلالها الأمير القطري مباحثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمناقشة سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى بحث وتبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
لا تبتعد هذه الزيارة كثيرًا عن الدور الروسي المتنامي في الشرق الأوسط، خاصة بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، وقبيل عقد المباحثات الدولية بشأن سوريا في الأيام القادمة.
الزيارة بدأت بأحاديث دبلوماسية معتادة كتأكيد قطر على دعم التسوية السياسية في سوريا منذ اليوم الأول من النزاع، كما أكد الأمير القطري أنهم يدعمون جميع المنظمات الدولية التي تبذل جهودًا لتسوية الأزمة السورية بطرق دبلوماسية.
لكن في حقيقة الأمر لا يمكن تصور الموقف القطري من القضية السورية اعتمادًا على هذه الأحاديث الدبلوماسية، حيث لا يخفى على المتابعين للساحة السورية تباين وجهات النظر القطرية الروسية في الأزمة السورية، حيث تدعم قطر المعارضة المسلحة التي تواجه نظام بشار الأسد الذي وقع تحت الحماية الروسية مؤخرًا.
السياق الذي يسبق هذه الزيارة يشي بأن ثمة محاولات خليجية تقودها قطر لاحتواء التدخل الروسي في المنطقة، ربما لمحاولة إيجاد صيغة مشتركة لحل النزاع في سوريا كبديل عن التصادم المباشر، إذ إن الأطراف الدولية والإقليمية المشاركة في الأزمة السورية أدركت أن الحل يبدأ من موسكو وليس ومن دمشق.
حيث تحدث رئيس البرلمان الروسي “الدوما” سيرغي ناريشكين إلى أمير قطر بصراحة بالغة على ضرورة وضع قوائم موحدة للتنظيمات الإرهابية في إطار مفاوضات فيينا الخاصة بسوريا، وهو أمر مضاد للرغبة الخليجية التي تقودها السعودية في استثناء تنظيمات بعينها من هذه القوائم الروسية التي تضع كافة المعارضين لنظام الأسد في خانة الإرهاب.
كما يمكن القول أن موسكو وجهة نظرها إلى الخليج عبر قطر في هذه الزيارة بإعلان أن روسيا مازالت تولي اهتمامًا أولويًا لمهمة تشكيل تحالف واسع النطاق لمحاربة الإرهاب، وهو تحالف غير التحالف الدولي الذي تشترك فيه قطر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ما يعطي لهذه الزيارة أهمية بالغة كونها تأتي بعد أقل من شهر من زيارة قام بها وزير خارجية قطر، خالد العطية لموسكو، في شهر ديسمبر الماضي، التقى خلالها نظيره الروسي سيرغي لافروف.
دعوة بوتين الرسمية لأمير قطر لزيارة روسيا تُعد بمثابة قبول لعملية تبادل للآراء حول المسائل الملحة على الأجندة المنطقة، وفق ما جاء في بيان أصدره الكرملين، وقد تحمل هذه الزيارة في طياتها عروضًا احتوائية من الخليج لروسيا.
هذا الموقف ليس الأول من نوعه خليجيًا تجاه روسيا، إذ تحدثت صحف التايم والإيكونوميست بالإضافة لوكالة رويترز قبل عامين عن عروض خليجية لشراء الموقف الروسي في المنطقة، أبرزها عرض من الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية السابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء لهما في عام 2013، حول شراء أسلحة روسية في صفقة ضخمة قدرت بـ 15 مليار دولار.
ورغم أن المصادر السعودية والروسية نفت الأمر، فإن دبلوماسي أوروبي يعمل بين بيروت ودمشق أكد الأمر، مشيرًا إلى أن السعودية أدركت أن لروسيا دور أكبر في الشرق الأوسط في الفترة المقبلة، في ظل انحسار التعامل الأمريكي مع مشكلات المنطقة المتفاقمة.
لكن محللين أكدوا أن السعودية فشلت في شراء الموقف الروسي حينها، لأن المصالح الروسية في سوريا بالتحديد أكبر من أن تبيعها روسيا بصفقات سلاح، وربما تكون المحاولة القطرية هذه المرة هي الثانية خليجيًا في عملية لحلحة وجهة نظر روسيا في حل الأزمة، أو محاولة للتقريب على أقل تقدير، وهي أمور لا يمكن الجزم بها في النهاية.
كما لا يمكن نفي الأبعاد الاقتصادية للزيارة من خلال تقوية العلاقات الاستثمارية من الجانب الروسي مع مع الجانب القطري في المجال الاقتصادي، وبالدرجة الأولى التعاون بين جهاز قطر للاستثمارات والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة ومصرف “في تي بي” الروسي.
كما تعمل روسيا على التنسيق مع الدوحة في سياق منتدى الدول المصدرة للغاز، وذلك على خلفية تنامي التحديات في مجال إنتاج والإتجار بموارد الطاقة، بعد انخفاض أسعار البترول لمستويات هي الأدنى تاريخيًا في العقود الأخيرة.
بالإضافة إلى معاناة الاقتصاد الروسي مؤخرًا جراء الحرب في سوريا ومن قبلها العقوبات الأوروبية الصارمة التي أضرت بالاقتصاد الروسي، بالتزامن مع قرار السعودية استمرار ضخ النفط بدفعات هائلة هوت بأسعاره عالميًا، وهو ما أصاب الاقتصاد الروسي المعتمد على صادرات النفط في مقتل.
تلك الأوراق الاقتصادية أيضًا قد تكون ذات خلفية سياسية يستخدمها الجانبان على حد سواء، فالخليج ربما يساوم الروس اقتصاديًا من أجل اقتناص موقف أكثر مرونة من الروس في قضايا الشرق الأوسط، والروس قد يستغلوا نفس النقطة في علاج بعض الأزمات الاقتصادية عن طريق تفاهمات مع الخليج ترفع بعض المعاناة عن كاهل الاقتصاد الروسي.
دول الخليج ورسيا تلعب على المصالح المشتركة مؤخرًا وتتجه لتأجيل حسم الخلافات، فالمتفق الأول هو التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يهدد الخليج وروسيا على حد سواء، وربما يحتاج الخليج أيضًا إلى روسيا في كبح جماح إيران الدولة الحليفة الأولى للروس بعد تفاقم مشكلاتها مؤخرًا مع السعودية.