مقديشو، أمامها ترتبك المشاعر، ويجف القلم ، وتتلعثم الألسن ، ويأن ذلك الحنين القديم بداخلك ، لتغوص في فوضى فكرية تنقض نسيج أفكارك ، فلاتدري من أين ، وكيف تبدأ؟!.
وكلّما حاولت البدأ والكتابة من جديد تتردد أصابعك أكثر، بأمر من قلب منهك سئم اجترار آلامه، وتحمّل جِراح الماضي بصمت لحزين المكلوم ، على أصداء حكايات سكبها الأجداد في وجداننا صغاراً ، زرعت ضمن دواخلنا فتيلاً قابلًا للإشتعال في أي لحظة ودون سابق إشعار، إذ لم نعد نثق بأحد أبداً ، لا بسلطة ولا بشعب ، بل بتنا نشكِّكُ بأنفسنا وصحة ضمائرنا أيضاً !
فماضينا بقدرما هو بهي، وبقدر ما تغنى الآباء والأجداد بجماله ، فإننا نجدنا نحاول دوماً الفكاك من دناءة بعض صفحاته ومحاولة نسيانها وطيها، بعيدًا عن مدارك أبنائنا والقادم من الأحفاد .
فقط تكفينا تلك العبارة بشقيها “إن أعظم قائد في تاريخنا، هو صاحب أكبر مجزرة في تاريخنا أيضاً” !!
عزيزي القارئ: هل شعرت بشيء من الإرتباك مع هذ العبارة المتناقضة؟!
وكذلك هي بلادي مرتبكة جداً وعارية تماما،ً تبحث لها عن رداء يستر سوءة التناقض “المصنوع” مكشوفة أمام العالم ، واليوم قد طال اقتحامها بأعين القريب والبعيد، يبدو الرداء الجديد غريـباً وغربـياً ، لأن حياكته ـ كذا ـ ستتم بواسطة خيّاط أمريكي بارع ومتمكّن جداً في مهنة الحياكة أسمه (باراك أوباما)، فمن براعته لن يكتفي بتحديد مظهر ذاك الرداء التحفة وطرازه وكيفية ارتدائه فقط ، بل سيحدد ثمن كل شكّة إبرة في ذلك الثوب مقدماً ومؤخراً ، أرأيتم كم هو بارع ؟!
أجزم أن معظمنا يحلم بصومال موحد ، آمنٍ ، متماسك الأطراف ، لكن صدقوني لا حلم يبقى حلماً ، إلا إذا أقنعنا أنفسنا وغيرنا بأنه مجرد حلم!
”متماسك الأطراف” معناه : أن تتحد الحواضر الأربع الكبرى مجدداً ، مقديشو ، هرجيسا ، كسمايو ، بوصاصو ، ولن يتم ذلك إلا بعد أن تتواضع مقديشو ، وتعترف بأخطاها القديمة لهرجيسا ، تنطلق بعدها لمصالحة كسمايو بطريقتها وشروطها الخاصة ، لتتفرغ بعدها لإيجاد حل لمشكلة عناد بوصاصو المفاجئ .
معادلة في الوهلة الأولى تجدها شبه مستحيلة , وفي بمنحها نظرة ثانية تدرك كم هي ممكنة !
عزيزي الصومالي ، والصوماليلاندي ، والبونتلاندي ، والجوبالاندي !
ألا ترون أنه من العار والشنار والمهانة ، أن نتلاعن ، ونتراشق ، ونقاتل لأجداد سكنوا التراب منذ زمن ، وتركوا لنا مسميات ركيكة نتمزق لأجلها اليوم !
ألا تتفقون معي جميعاً أن الرئيس السابق زياد برّي بقدر ما كان سياسياً محنّكاً ، كان ديكتاتورياً أحمقاً ؟!
لن أطلب منكم نسيان الماضي وطي صفحاته فذلك ضرب من الخيال ، فقط لندّعي أننا تصالحنا ، وتناسينا فذلك أفضل لنا ولأبنائنا ، وأحفادنا ، وأجيالنا القادمة ، وليغفر كلنا لكلنا ، “ونربّتْ” على أكتاف بعضنا ، ونمارس مخلصين مع بعضنا دورالأخ المحب لأخيه ، تاركين بذلك مساحة التي تسمح للإستقرار ليعود رويدًا رويدًا ، ولنتفاعل مع المشهد في وطننا، بوعي وحكمة حتى موعد الدورة الإنتخابية القادمة، فننتخب بعدها من نراه جديراً بقيادتنا بعد أن يستتب الأمن ، ويعود الأمان ، ويصلح القضاء ، ويعود الإقتصاد -كما وعد الشيخ حسن- ، ولنمنح لهذه الحكومة الحالية فرصة علّها تبسط نفوذها المقدّر، وتحقق ماعجزت عنه الحكومات القبلية والقمعية والمعتاشة على الخوف من المجهول!