اليحياوي شاب عاطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، مات بعد أن تسلق عمودًا كهربائيًا بنية الاحتجاج والتهديد بحرق نفسه مساء السبت في مدينة القصرين الحدودية احتجاجًا على حذف اسمه من قائمة انتدابات في الوظيفة العمومية، إلا أن التيار الكهربائي صعقه فأرداه ميتًا .
موت اليحياوي خلف موجة من الاحتجاجات جابت بعض مناطق محافظة القصرين والعاصمة تونس، أحرق خلالها المحتجون الإطارات المطاطية وخرجوا في مسيرات تضامنًا معه ومطالبةً بالشغل والكرامة التي انتهكت.
أصدقاء اليحياوي قالوا إن صديقهم وُعِد بالانتداب في الوظيفة العمومية رفقة زملائه المضربين عن الطعام في حال توقيف إضرابهم، وهو ما حصل بالفعل، لكن أحد المسؤولين المحليين في محافظة القصرين تلاعب بقائمة الانتدابات وحذف اسم اليحياوي منها.
رئيس الحكومة الحبيب الصيد بادر بإقالة المسؤول المحلي وأمر بفتح تحقيق في الأمر، لكن أهالي الجهة لم يرضوا بهذه القرارات على اعتبار أنها لن ترجع ابنهم حيًا.
مات اليحياوي وبقي الآلاف من المعطلين عن العمل الذين لم يسعفهم حظهم بعد ولا عطف الحكومة للحصول على وظيفة وإن كانت غير قادرة ولا تلبي أبسط حاجيات الإنسان.
بالأمس كان محمد البوعزيزي واليوم رضا اليحياوي وبينهما كثير من الشاب قرر الانتحار ووضع حدًا لحياته احتجاجًا على بطالة طالت وغياب أمل رغم تعدد الوعود.
خمس سنوات من الثورة لم تتمكن خلالها الحكومات المتعاقبة على قصر القصبة (قصر الحكومة) من إيجاد حلول كفيلة لمشكلة البطالة في تونس، وإن وجدت فتظل حبرًا على ورق حبيسة أدراج المسؤولين وخزائنهم، فظل شعار الشباب نفسه “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق”.
البعض يتساءل كم شاب عليه الانتحار حتى تنهض الحكومة بشعبها وتطبق بعض فصول الدستور الذي ينص على أن التشغيل حق، شباب درس سنوات طوال وتخصص أفضل الاختصاصات على أمل إيجاد شغل يوفر له مقومات العيش الكريم، وما إن يكمل دراسته الجامعية حتى يجد الأبواب موصدة والمستقبل مظلم.
في بعض الأحيان تفتح الحكومة باب الانتدابات، غير أنها انتدابات تتسم بالمحسوبية والمحاباة ولا تولي للكفاءة العلمية اهتمامًا؛ الأمر الذي جعل العديد من الشباب الحاصلين على شهادات جامعية يشتغلون مهن حرة تعيلهم على همّ الزمان وشظف العيش كالبناء والنجارة.
وشهدت نسبة البطالة في تونس خلال الثلث الثالث من العام الماضي ارتفاعًا إلى حدود 15.3% مقابل 15% خلال الثلث الأول من نفس السنة بحسب ما كشف عنه المعهد الوطني للإحصاء.
وأبرزت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلث الثالث من سنة 2015 أن عدد العاطلين عن العمل يقدر بـ 612.3 ألف عاطل من مجموع السكان النشطين الذي بلغ عددهم 3 ملايين و392 ألف.
أما بخصوص بطالة حاملي الشهادات العليا فقد بلغ عددهم حوالي 242 ألف في الثلث الثالث لسنة 2015 مقابل 222.9 ألف في الثلث الأول لسنة 2015 بازدياد نحو20 ألف عاطل ضمن هذه الشريحة، وتقدر بذلك نسبة البطالة في هذه الفئة 32% مقابل 30% في الثلث الأول من العام الجاري.
نسبة ما انفكت ترتفع السنة تلو الأخرى نتيجة عجز الحكومة التونسية عن إيجاد حلول كفيلة لتشغيل مئات الآلاف من الشباب المعطل عن العمل، وإن بقت على هذه الحالة فإن عواقبها ستكون فادحة على المجتمع التونسي ومستقبله.