ترجمة حفصة جودة
أنا عالم المناخ تم إخباره للتو بأنه في المرحلة الرابعة من سرطان البنكرياس، لقد وضعني هذا التشخيص في موقف مثير للاهتمام، فقد قضيت معظم حياتي المهنية مفكرًا في علم تغير المناخ والذي يظهر بشكل أفضل من خلال متابعته لعقود متعددة، وعند مستوى معين كنت متأكدًا بالرغم من بلوغي الستين أنني سأرى معظم الأجزاء الهامة للمشكلة والحلول المناسبة لها تحدث في حياتي، والآن بعد أن أصبحت حياتي قصيرة جدًا كان يجب عليّ أن أقرر كيف سأقضي بقية حياتي، هل متابعة التفكير في التغيرات المناخية يستحق هذا العناء؟
بعد تعاملي الفوري مع الأعمال المرتبطة بإخبار العائلة والأصدقاء والعمل، ترتيب الأمور المادية، والتخلص من أكوام مراجعات الكتب غير المقروءة على نيويورك تايمز لإعادة تدويرها، كان لدي بعض الوقت للجلوس على طاولة مطبخي ووضع قائمة أمنيات.
سريعًا، لم أجد لدي رغبة في التدافع مع السياح الأغنياء فوق قمة جبل إيفرست، أو التنازع على بضعة ياردات إضافية على أحد الشواطئ الخاصة والجميلة، أو كل هذه الأشياء التي نتسلى بها في ظهر يوم ممل من شهر يناير، بدلاً من ذلك، خلصت إلى أنني أريد بالفعل قضاء المزيد من الوقت مع الأشخاص الذين أحبهم لأستطيع بعدها العودة بأسرع ما يمكن إلى مكتبي.
من خلال عملي مع وكالة ناسا أقوم بالإشراف على مجموعة كبيرة من العلماء والخبراء تعمل على عدة أبحاث عن المنظومة الأرضية بأكملها ( يجب أن أذكركم أن وجهات النظر بهذا المقال تخصني ولا تخص وكالة ناسا)، يتضمن ذلك أبحاث عن الطقس والمناخ باستخدام عمليات رصد فضائية ونماذج حاسوبية قوية، تصف لنا هذه النماذج كيف يعمل كوكب الأرض وما الذي قد يحدث عندما نضخ ثاني أكسيد الكربون في الهواء، يبدو هذا العمل معقدًا ودقيقًا وذو أهمية كبيرة ومثيرة.
لقد كان العام الماضي هو أكثر الأعوام دفئًا على الإطلاق حتى الآن، وأعتقد أن الأجيال القادمة سوف تنظر إلى 2015 كأهم الأعوام لكنه ليس حاسمًا في النضال من أجل المواءمة بين السياسة والعلم، ويبدو أنه من الصعب جدًا تحقيق ذلك الأمر، فعلى الصعيد العلمي كان هناك العديد من الأدلة المتراكمة خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة تقول إن التغير المناخي أمرًا حقيقيًا وإنه يتجه إلى نقطة غير مريحة إطلاقًا إن لم تكن خطيرة، وعلى الصعيد السياسي في ختام مؤتمر المناخ المنعقد لتوه في باريس تم تحديد زيادة عالمية في درجات الحرارة بمعدل 2 درجة سيلزيوس أو 3.6 درجة فهرنهايت في المستويات ما قبل الصناعية.
وبينما سخر العديد من هذا المؤتمر وقالوا إنه بلا قوة وغير قابل للتنفيذ، فجدير بالذكر أن صانعي السياسية قد استقروا على هذا الرقم الذي تم اختياره بناء على أفضل العلوم المتاحة وضمن القدرة التنبؤية لنماذجنا الحاسوبية.
من غير المؤكد بأننا سنستمر بالثبات على ذات هذا المعدل (2 درجة سيليزيوس) لكننا بحاجة للقيام بأفضل المحاولات، فبعض التصورات تتجاوز هذا الهدف، فنحن نتحدث عن تغيرات هائلة في النماذج العالمية لدرجات الحرارة وهطول الأمطار، وتأثيرات هائلة على المياه والأمن الغذائي، وارتفاع ملحوظ لسطح البحر، ومع ارتفاع درجات الحرارة المتوقعة يزداد الشك بالنماذج الحاسوبية مما يزيد الاحتمالات غير المتوقعة والأحداث الكارثية.
كل ذلك، مع توقعات بزيادة سكانية من 7 مليار نسمة حاليًا لتصل ذروتها إلى 9.5 مليار نسمة في عام 2050، وقد وصل بوب فرانس ومجموعة من ضباط الجيش المتقاعدين إلى نفس النتيجة تقريبًا باستخدام توقعات نموذج الحاسوب،
علمًا بأن أسوأ التأثيرات ستصيب سكان البلدان الفقيرة الواقعين بالفعل تحت ضغط هائل ومواردهم أضعف من أن تساعدهم على التكيف مع تلك التغيرات، فهؤلاء سيرون أنفسهم ضحايا أبرياء للتجاوزات التي تقوم بها الدول المتقدمة، وبالعودة للوراء نجد أن أسباب الثورة الفرنسية 1789 ليست غامضة بالنسبة للمؤرخين، وبالنظر للأمام نجد أن الضغط يرفع من نسبة التطرف بكل أشكاله والصراع قد يزداد اشتعالاً مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
يمكننا وصف العام الماضي بأنه عام “اندثار الإنكار”، فعلى الصعيد العالمي يثق معظم صانعي السياسة بالأدلة والتنبؤات العلمية ويصارعون بكل الطرق لحل المشكلة، ويعتقد غالبية الأمريكيين – حوالى 70% طبقًا لاستطلاع أجرته جامعة مونموث – أن المناخ يتغير بالفعل، لذا يمكننا الآن أن ننتقل إلى أصعب جزء في العمل كله.
ستقع الأعباء الأولية الثقيلة على عاتق صانعي السياسات، إنني حقًا أشعر بهم، فمن الصعب اتخاذ موقفًا صارمًا في قضية مهمة لكنها طويلة المدى في مواجهة بعض المشكلات الأخرى قصيرة المدى وسط مخاوف بشأن خفض “الانبعاثات الكربونية” التي قد تضعف موقفنا الاقتصادي العالمي والخوف من أن تقوم البلدان الأخرى بالاحتيال في مستوى انبعاثاتها.
ما يستطيع العلم أن يساعدنا به هو مراقبة التغيرات في النظام الأرضي – وهذه مهمة بحثية ورصدية تقوم بها وكالة ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ونظرائها على مستوى العالم – واستخدام النماذج الحاسوبية القوية بشكل أكبر لاكتشاف الفرص المستقبلية الممكنة والمرتبطة بالسياسات المقترحة، هذه النماذج سوف تساعدنا على اختيار أكثر الطرق فاعلية، ومقايضة التأثيرات قصيرة المدى على الاقتصاد بالتأثيرات طويلة المدى على المناخ.
في النهاية، الأمر متروك للمهندسين ورجال الصناعة في العالم لإنقاذنا، ويجب عليهم أن يصلوا إلى ذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل تنفيذها، ويقبع في طريقهم تحديات تقنية وتنظيمية هائلة لحل مشكلات توليد وتخزين وتوزيع الطاقة النظيفة، ويجب عليهم حل تلك المشكلات في غضون عقود قليلة مراعين تحقيق أقل خلل ممكن في الاقتصاد العالمي، وسوف يترتب على ذلك تغير كبير في الطاقة النووية والشمسية ومختلف أنواع الطاقات المتجددة مع استخدام الكهرباء في نظام النقل لأقصى حد ممكن.
هؤلاء المهندسون ورجال الصناعة سوف يقومون بالمهمة كاملة بعد تزويدهم بالتمويل والمحفزات المناسبة، يجب علينا أن ننظر فقط إلى الإنجازات التي تمت خلال الحرب العالمية الثانية: فالتكنولوجيا والصناعة الأمريكية قد قفزت إلى نتائج كانت تحتاج إلى عقود للقيام بها في الظروف العادية وقدمت إلى العالم عام 1945 ما هو مختلف كليًا عن أواخر 1930.
ما الذي يجب أن يقوم به البقية؟ هناك شيئان يتبادران إلى ذهني؛ أولاً يجب أن نستعد للتغيير فهو قادم لا محالة، وسيظهر ذلك في التغيرات المناخية وفي طريقة توليد واستخدام الطاقة، ثانيًا يجب أن نستعد لاستيعاب تلك التغيرات برباطة جأش كبيرة، بعضها قد يكون من الصعب التعامل معه مثل ارتفاع مستوى البحار ولكن التغيرات الأخرى قد تكون إيجابية، فالتقنيات الحديثة تستطيع أن تغير حياتنا للأفضل بصورة لا يمكن توقعها، فليس هناك أدلة مقنعة تجعلنا نعتقد بأن المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر بافتراض وجود إدارة واعية للتحديات والمخاطر، فالتاريخ حافل بالأمثلة التي توضح قدرة البشر على الخروج من المواقف الصعبة، والفائزون دائمًا ما يميلون للواقعية والمرونة والتعامل بصورة عملية بينما يميل الخاسرون غالبًا إلى إنكار التهديدات.
بالنسبة لي فليس لدي أي شكاوى، فأنا ممتن للتجارب التي قمت بها على هذا الكوكب، كرائد فضاء مشيت في الفضاء مسافة 220 ميلاً فوق الارض، وطفوت بجانب محطة الفضاء الدولية، وشاهدت الأعاصير تعبر المحيطات، ورأيت ثعبان الأمازون يشق طريقه إلى البحر من خلال الغابات الخضراء، والعواصف الرعدية الهائلة التي تومض وتضيء ليلاً على طول خط الاستواء، لقد رأيت كم هي هشة وثمينة تلك الأرض، ولذا فأنا متفائل بمستقبلها. وعليه فسوف أذهب إلى العمل غدًا.
المصدر: نيويورك تايمز