ظلت كلمة “لعبة” لقرون عديدة من الزمن، وفي بعض الثقافات حتى يومنا هذا، مجرد كلمة تعبر عن نشاط عديم الفائدة السيكولوجية أو البيولوجية للطفل، ولذا أهمل دورها العديد من الآباء والأمهات في القرون الماضية، ومازال العديد منهم يتبنى المنطق نفسه مع أطفالهم في القرن الـ 21 كذلك، فهل اللعبة ذات أهمية كبيرة في حياة الطفل ولها دور هام في النظرية التربوية للطفل؟
يقول أحد خبراء التربية في الاتحاد السوفيتي سابقًا: “لقد ألغت الثورة الاشتراكية كل الألقاب والامتيازات، ولم يعد لدينا أباطرة أو قياصرة، لكننا نؤكد دومًا، أن في الاتحاد السوفيتي قيصرًا واحدًا يتمتع بكل الامتيازات، ذلك هو الطفل”.
يجب علينا أن نقوم بإعطاء مفهوم للعب، قبل أن نحدد دورها في التربية الاجتماعية الصالحة لتوازن الطفل العقلي والنفسي، اللعب هو نشاط نفسي وعقلي وجسماني، لا يهدف لشيء سوى اللعب بحد ذاته، فالطفل لا يهدف للحصول على شيء من اللعب، بل يلعب من أجل اللعب نفسه، فهو ليس كالنشاط الجسماني الذي يهدف للحصول على نتيجة أو هدف معين.
لماذا يتم إقحام اللعب في المنهج التربوي للأطفال؟
يتم إدماج اللعب مع الأساليب التعليمية لتعليم الطفل مبدأ تحقيق الهدف، حيث تحتوي معظم الألعاب على تعاملات ديناميكية، وروايات تحفيزية بالإضافة إلى التحديات القائمة على المنافسة.
تقوم عملية إدماج اللعب بالنظام التربوي للطفل على ثلاث نظريات هي كالآتي:
1- التحفيز والانضباط الذاتي
تحتوي بعض الألعاب على أنشطة تحفز الطفل على إدماج أفكاره الخاصة التي تساعده على حل الألعاب التي تتضمن فك اللغز أو إعادة الهيلكة الخاصة باللعبة، والذي عرّفها “تسيمرمان” في 2002 بأنها عملية ضبط النفس التي تدفع الطفل إلى استخدام أفكاره وأسلوبه ومشاعره في الوصول إلى الهدف، فبحسب تعريف تسيمرمان فهذا يؤدي إلى تكوين مفهوم الانضباط في نفسية الطفل، الأمر الذي يجعله يحسن استخدام المصادر المتوفرة لديه لتحديد وتحقيق أهدافه عند وصوله إلى مرحلة الطالب (المدرسة).
فاللعبة تسمح للطفل بتكوين إستراتيجية خاصة في اللعب، إما يقوم بوضعها بفرده أو بالاتحاد مع آخريين، تدفعه تلك الإستراتيجية لمراقبه أدائه وما إذا كانت وسيلة تساعده في إحراز تقدم أم لا، مما يجعله يفكر في الاستمرارية على تلك الإستراتيجية إن كانت ناجحة، أو يقوم بتغيّرها بحسب احتياجات اللعبة، كما أن بعض الألعاب تحتوي على جوائز في حالة تحقيق اللاعب الهدف أو النتيجة المرغوبة، وهي التي عرفها تسيمرمان بأنها وسيلة من وسائل التقييم الذاتي التي تهدف إلى تحقيق الانضباط في شخصية الطفل، فذلك التأمل الذي يحدث عن الطفل تدريجيًا يقوّم سلوكه فيما بعد في اختيار الخطة المناسبة للعب، أو القيام بتحسين أدائه مستقبلًا، ومنها يأتي الشعور كذلك بالملكية، ملكية الطفل لشيء معين يقوم بتحقيق الأهداف من خلاله، ومع زيادة الشعور بالملكية يسعى الطفل لتحقيق المزيد من أجل الحصول على ذلك الشعور أكثر وأكثر.
2- البنائية Constructivism
اللعب من أفضل الوسائل التي تعمل على البنائية الاجتماعية للطفل، فهي في أغلب الأوقات تدور بين مجموعة من الأطفال لتعطيهم خبرة اجتماعية مبكرة لها تأثير على حياتهم بشكل كبير في وقت مبكر، فسواء كان الطفل يلعب بالتعاون مع غيره من الأطفال أو في شكل تنافسي ضد مجموعة أخرى من الأطفال فذلك يساعد بشكل إيجابي في تعوّد الطفل على التعامل مع الآخريين.
فاللعب القائمة على تعاون الفرق المكونة من الأطفال تُكسب اللاعبين الشعور بالبقاء “Survive”، إما لإبقائه كلاعب داخل اللعبة أو للحفاظ على ممتلكاته داخل اللعبة، كما تزوّد اللعب التعاونية “Cooperative game” الأطفال بمفهوم المشاركة والمبادلة فيما بينهم من أجل الحصول على مصادر أفضل للعب أو من أجل الحصول على نتائج أفضل، يفضل في ذلك ذكر دور المسرحيات والتمثيليات التي يقوم الأطفال بتمثيلها كنوع فعّال في اللعب التعاونية.
3- ICAP_Frameworks_Interactive_Constructive_Active_and_Passive
إطار التفاعلات البنائية الإيجابية والسلبية
هي العملية التي تقوم بإدماج الطفل إدراكيًا مع المادة التي يستخدمها في الألعاب، وذلك عن طريق تحويل العملية التربوية من عملية سلبية إلى عملية إيجابية عن طريق تفاعل الطفل مع المادة المستخدمة في الألعاب، وذلك يختلف كليًا عن التعليم السلبي الذي يتلخص في حصول الطفل فقط على المواد المستخدمة، أما التعليم الإيجابي فيشمل تحليل الطالب للمادة المستخدمة ولمسه إياها وفهمه لها ليستطيع من خلالها عقد مقارنات بين المواد المختلفة المستخدمة، مما يدفعه للوصول إلى مرحلة إنتاج أفكاره الخاصة ليصل بذلك إلى مفهوم الإبداع.
هل يمكن أن يُستخدم اللعب في العلاج؟
اللعب في حد ذاته لا ينطوي على قيم تربوية، إلا أنه يكتسبها بشكل كبير إذا تم توظيفه لخدمة تلك القيم، لكن هناك وظيفة أخرى للعب غير المذكورين هنا، وهي أن اللعب يمكن أن يكون علاج، للعب وظيفة إكلينيكية تُسمى باللعب العلاجي، وهي الطريقة التي يُعبر بها الطفل عن انفعالاته، حيث يستخدمها الطفل للتخلص من القلق والتوتر، كما هي طريقة مثلى ليشبع بها الطفل حاجاته التي يمكن للحياة اليومية ألا تشبعها له، بالإضافة إلا أن اللعب العلاجي وسيلة من وسائل التشخيص من أجل دراسة نفسية الطفل وطريقة استجاباته المختلفة طبقًا لمراحل عمره.
إذن اللعب ليس نشاطًا عبثيًا، يقول الأستاذ الجامعي الدكتور هنس شويرل، وهو من أشهر روّاد الأبحاث في مجال اللعب، قد صاغ هذه المقولة في عام 1979 على النحو التالي: “يوفر اللعب ميدانًا لخوض التجربة وجمع والخبرة لا يمكن تعويضه، وبدونه سنكون أقل مهارة”.
إن الاهتمام الكبير باللعب يمهد لنشوء وصلات بين خلايا عصبية في المخ تحقق مهارات معينة، نذكر منها القدرة على التحمل والتركيز والاستعداد لبذل الجهد والبحث عن حلول، هذه الوصلات التي تنشأ في المخ تكون بدورها في المراحل اللاحقة من الحياة حاسمة بشأن إقدام الطفل على التعامل مع المهام الجديدة ومدى حماسته لفعل ذلك ومدى قدرته على التعلّم من خلال التركيز ومدى نشاطه للاستفادة من نتائج ما تعلمه.