بدأت الأزمة الاقتصادية في إقليم كردستان العراق منذ الخلاف الحاصل بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد برئاسة نوري المالكي في عام 2014 والذي أدى إلى قطع حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية المقدرة بـ 17%، علمًا أن أصل الخلاف يعود حول النفط المستخرج والمسائل المتعلقة بتوزيعه، بينما يشكو الإقليم أن الميزانية الاعتيادية لا يصل منها سوى 10% فقط.
يعتبر اقتصاد الإقليم هشًا ولم يبن على أسس صحيحة وقوية؛ إذ تميز بإهدار كبير في صرف الموازنة عبر الوزارات والمؤسسات الحكومية حيث شكلت النفقات التشغيلية في الموازنة الحكومية قرابة الـ 75% بينما النفقات الاستثمارية شكلت باقي الموازنة 25%، وهذا يظهر حجم الهدر الذي كانت تقوم به الحكومة في الصرف.
كما أنّ اقتصاد السوق في الإقليم في الفترة من 2003 إلى 2014 طغى عليه المضاربة في سوق العقارات وهذا يعد كارثة للاقتصاد على المدى المتوسط والطويل، حيث تؤدي المضاربة في سوق العقارات إلى أرباح هائلة بدون جهد وبدون خلق فرص عمل، ومع مرور الوقت فإن ارتفاع الإنفاق والطفرة في أسعار العقارات والنفط ساهموا بازدهار هذه السوق التي شكلت فقاعة اقتصادية تُنبئ بوقت من الأوقات بالانفجار، ليخيم على البلاد أزمة اقتصادية مزمنة وتضخم عالٍ مما يعني ارتفاع قيم الأصول والسلع بشكل غير منطقي لوجود سيولة كثيرة ومنتجات أقل، وعند انفجار الفقاعة تجد البلد نفسها غارقة في بحر من السيولة المالية مع بقاء نفس الأصول أو السلع أو المنتجات أو الخدمة دون أي إضافة، ولعل تلك الفقاعة انفجرت لتظهر اقتصاد الإقليم على حقيقته وطبيعته الذي أظهر الحكومة كأنها آلة لا عمل لها إلا ضخ النقود.
يوظف الجهاز الحكومي في الإقليم مليون وثلاثمائة ألف موظف من موظفين مدنيين وعسكريين تصرف الحكومة لهم رواتب شهرية، وقد واجه الإقليم مؤخرًا تقليص في رواتب موظفي وزارة التربية والتعليم إلى حدود النصف بعد عجز حكومة الإقليم عن تسديد رواتب موظفيها المدنيين والعسكريين (البيشمركة) لأربعة أشهر في عام 2015.
بينما الراصد والمحلل في الشؤون الكردية بدر الملا يرى أن البيشمركة “لم يحصلوا على رواتب من بغداد تزيد عن 8 أعوام، قام الإقليم بتغطيتها من ميزانيته, إلا أنّ المعركة مع داعش والقتال على خط يزيد عن 1050كم وضع الإقليم في موقع صعب من ناحية تأمين التمويل” حسبما أفاد ل “نون بوست”
الشعرة التي قسمت ظهر حكومة الإقليم هي انخفاض أسعار النفط العالمية إلى دون 30 دولارًا للبرميل؛ فالنفط يعد المصدر الرئيسي لموازنة الإقليم حيث ينتج كل يوم ما يقرب من 600 ألف برميل نفط يوميًا تشحن إلى ميناء جيهان التركي لتصديرها، ويُذكر أن الإقليم يبيع النفط بأقل من السعر العالمي بعشرة دولارات بسبب سوء نوعيته ولدفع جزء من القيمة إلى الشركات المستخرجة.
إذا لم تعدل الحكومة في الإقليم سياساتها الاقتصادية فإن الإقليم متوجه نحو مزيد من البطالة والتضخم وشح في السيولة النقدية التي ستؤدي إلى الركود العام، وما يترتب على ذلك من اتساع رقعة الفقر والمشاكل الاجتماعية، وأهم نقطة هي ضعف القدرة التمويلية للإقليم على مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وكان الطالباني، نجل الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، قد حذر قبل أيام في تصريحات لرويترز من تسونامي اقتصادي قد يجرف الإقليم في حال عدم اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
أصل الأزمة في العراق
طبيعة الأزمة التي تواجه اقتصاد إقليم كردستان العراق تتماهى مع ما يعانيه الاقتصاد العراقي بصورة أشمل، فالاقتصاد العراقي واقتصاد الإقليم الذي يعد جزءًا منه يعتبر اقتصادًا ريعيًا نفطيًا غير إنتاجي يعتمد على استيراد السلع التي يحتاجها السكان، وهو نموذج اقتصادي مشوه ومتخلف أثبت فشله بالإضافة إلى أنه نموذج مكشوف للدول الخارجية التي تسعى لاستغلاله وجعله سوقًا استهلاكية لمنتجاتها في مقابل امتصاص ثروات البلاد دون النظر إلى المصلحة الوطنية ومصلحة الأجيال المقبلة التي لها نصيب من هذه الثروة كما للأجيال الحالية.
وبحسب البروفيسور العراقي كاظم حبيب فإن اعتماد حكومة الإقليم على إيرادات النفط وحدها، وعدم اتباع كل من الحكومة الاتحادية أو حكومة الإقليم أسس التنمية الوطنية وتنويع مصادر تكوين الدخل القومي وتوجيه موارد النفط المالية صوب التصنيع وتحديث الزراعة وتنميتها، أي بناء القاعدة المادية لعملية التنمية الشاملة وتوفير مستلزمات التثمير والتشغيل الإنتاجي والتخلص من عبء البطالة التي بلغت 40% في أوساط الشباب والبطالة المقنعة التي تعبر عن توظيف المؤسسة والشركة فائضًا عن حاجتها التوظيفية بحيث يحصل هؤلاء على أجر دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة، بالإضافة إلى عدم تطبيق أسس التنمية الصناعية والزراعية التي شكلت فرصة للإقليم منذ تشكليل حكومة الوحدة، إلا أنها آثرت استخراج النفط وبيعه خامًا واستيراد المشتقات النفطية وأضاعت فرصة بناء اقتصاد تنموي مع (ضرورة التكامل بخطة تنموية للحكومة الاتحادية) لزيادة الدخل القومي وتعظيم الثروة الوطنية وتوفير الأمن الاقتصادي والاستفادة من إمكانيات الإقليم بما تتوفر فيه من خامات أولية وأرض صالحة للزراعة ومياه جوفية وأمطار، فالتنمية تساعد على تغيير بنية الاقتصاد الريعي وتنويع مصادر الدخل والتشغيل وتعظيم الثروة الوطنية ومواجهة الأمن الاقتصادي والغذائي.
علاقة الإقليم بتركيا
شكلت العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة التركية مصلحة اقتصادية مشتركة، حيث بلغت إجمالي الصادرات التركية إلى إقليم كردستان 1.4 مليار دولار في عام 2007 ليحتل الإقليم المرتبة التاسعة عشرة في قائمة أكبر الأسواق المستوردة من تركيا. وفي عام 2011 أصبحت حكومة الإقليم سادس أكبر سوق للصادرات التركية، حيث بلغت 5.1 مليار دولار. وبحلول عام 2013، قفز الإقليم ليصبح ثالث أكبر سوق للصادرات التركية التي بلغت قيمتها 8 مليار دولار. وعلى سبيل المقارنة، كانت قيمة الصادرات العراقية إلى تركيا، باستثناء النفط والغاز – تشمل أيضاً صادرات «إقليم كردستان» – قليلة إذ تراوحت بين 87 و153 مليون دولار في الفترة ما بين عامي 2007 و2014.
في عام 2009 بلغ عدد الشركات المسجلة في الإقليم 485 شركة تقريبا وبحلول عام 2013 ارتفع العدد إلى 1500 شركة ويظهر التواجد التركي في جميع أنحاء كردستان فالعلامات التجارية منتشرة في كل أنحاء الإقليم بدءً بمراكز التسوق إلى مشاريع الإسكان ومتاجر الأثاث والسلع التجارية والاستهلاكية والقطاعات الزراعية والخدمية والمالية والبناء والتعليم وأنظمة الطاقة الكهربائية والرعاية الصحية واستخراج النفط والغاز والاتصالات والسياحة والنقل غيرها.
بالإضافة إلى تواجد ما يقرب من 600 عنصر من الجيش التركي في قاعدة بعشيقة التابعة لمدينة الموصل لتدريب قوات البيشمركة بإقليم كردستان العراق في حربهم ضد نتظيم الدولة الإسلامية.
في النهاية وحسب الملا فإن الإقليم استطاع بناء شبكة علاقات صداقة مع الدول الاقليمية والعالمية والتي بدورها ترى في معركة الاقليم ضد داعش معركة العالم كله، كما استطاع الاقليم جعل تركيا بوابته التجارية النفطية، وتوقيع مشروع تصدير الغاز من الإقليم عبر تركيا الذي من المتوقع ان يبدأ الشروع به في عام 2017، وينهي الملا حديثه ل نون بوست باستبعاده “تخلي العالم عن الاقليم ليدخل في حالة إنهيار اقتصادي” حسب تعبيره.