ترجمة وتحرير نون بوست
جاء رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، والذي سوف يسفر عن الإفراج عن مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة، بعد أسبوعين بالضبط من النزاع الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية الذي صعّد المنطقة إلى نقطة الغليان.
قد يعكس هذان الحدثان آثارًا دولية عميقة على المملكة العربية السعودية؛ فإبان الخلاف الدبلوماسي، تعرضت المملكة لهجوم شرس من وسائل الإعلام التي صورتها كلاعب إقليمي متسرع أثار غضب إيران عمدًا من خلال إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وهذه الاتهامات لا تلعب في صالح السعودية في خضم استعداها لدخول الساحة الدولية كمنافس إقليمي.
بشكل عام، تميل أغلب التفسيرات لتحركات المملكة العربية السعودية ودول الخليج عمومًا للتعويل على تفسيرها في ضوء الحقائق والخرافات القديمة التي يعود معظمها إلى حقبة التسعينات، وأن تكريس استمرارية الصور النمطية القديمة لتفسير السياسة الخارجية السعودية، يتجاهل التقدم والتغييرات الجذرية الحاصلة على مدى العقد الماضي، وعلاوة على ذلك، يسهم هذا النهج أيضًا في قصر الدور الإيراني في المنطقة على حقيقة تنافسها الجيوسياسي مع جيرانها، بدلًا من صب هذا الدور في ضوء قالبه الحقيقي الذي يتمثل بالأجندة الطائفية العدوانية التي تنتهجها، والتي أودت بحياة الآلاف من الناس وعملت على استدامة الصراعات والنزاعات الأهلية.
بغية تحقيق فهم أفضل للسلوك الإيراني، ينبغي علينا تقصي نهج السياستين، الإيرانية والسعودية، منذ اندلاع الانتفاضات العربية قبل خمس سنوات.
دعونا نبدأ بسوريا، المراقب للأحداث يستطيع تذكر بأن المملكة العربية السعودية استغرقت ثلاثة أشهر للتنديد علنًا بالحملة العسكرية الدموية التي أطلقها بشار الأسد ضد المتظاهرين السلميين في عام 2011، والسوريون في تلك الفترة عبروا عن غضبهم تجاه صمت المملكة المتلازم مع صمت القنوات الإعلامية الخليجية التي غطت بكثافة الانتفاضات العربية الأخرى، والسبب خلف ذلك يعود لتأسيس الرياض لروابط مع النظام في دمشق خلال السنوات التي سبقت الانتفاضة، وحتى بعد أن خرج الملك المتوفى عبد الله عن صمته في نهاية المطاف ليدين جرائم النظام السوري، كان دعم الرياض للمعارضة السورية في حده الأدنى خلال كامل عام 2012.
في الوقت الراهن، بقي الدعم المالي السعودي للثوار السوريين متقيدًا بالخطة التي وضعتها الولايات المتحدة والممولة من قِبل دول أخرى في المنطقة ومن أوروبا؛ فالمجموعة الدينية الوحيدة التي تتمتع بصلات مالية مع السعودية هي جيش الإسلام، الذي يعد القوة الأكثر اتساقًا وفعالية في الحرب ضد داعش، وفي ذات الوقت، مولّت الرياض بشكل مباشر معظم قوى المعارضة الوطنية التي تشكلت أو توجهت لمحاربة تنظيم داعش، مثل جبهة ثوار سوريا، وبالإضافة إلى ذلك، دعمت السعودية كتلتين سياسيتين، الأولى يقودها المعارض المسيحي ميشيل كيلو، والثانية يقودها زعيم الائتلاف الوطني السابق أحمد الجربا، وذلك لمواجهة نفوذ الإخوان المسلمين.
في العراق، حافظت المملكة على نهجها المتمثل بعدم التدخل في الصراع هناك، وفي أحاديث خاصة، عارضت السعودية حتى العمل مع الخصوم السنيين الذي يحاربون داعش، وبعد استيلاء الأخيرة على الموصل في عام 2014، قدمت الرياض مبلغ 500 مليون دولار للعراقيين المهجرين “بغض النظر عن طائفتهم”، وتوجهت لحل النزاعات الحدودية مع العراق واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وقامت بإعادة افتتاح سفارتها في بغداد الشهر الماضي بعد انقطاع دبلوماسي دام لمدة 25 عامًا.
إذا كانت نية المملكة العربية السعودية خلف إعدام نمر النمر تتجه، كما زعم البعض، نحو إثارة النزاعات الطائفية، فإن خطوة إعادة افتتاح السفارة السعودية في العراق، حيث التوترات الطائفية على أشدها، لن تكون خطوة ذكية لتعزيز هذا النهج.
فيما يخص الشأن اليمني، يصف المراقبون تحركات المملكة باعتبارها الأكثر عدوانية، ولكن هؤلاء تغافلوا عن حقيقة أنهم تحدثوا غير مرة عن “النموذج اليمني” الذي أنقذ البلاد من التحول إلى ليبيا أو سوريا أخرى؛ فالمملكة العربية السعودية دعمت الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، وعندما عطّل الحوثيون سير هذه العملية واستولوا على صنعاء، انتظرت المملكة العربية السعودية ستة أشهر حتى قادت تدخلًا عسكريًا يهدف علنًا لاستعادة مسار العملية السياسية.
بالمقابل، لم تسعَ إيران للتوسط في عملية انتقال سياسي في اليمن، كما لم تستوعب المطالب الشعبية في سوريا، بل على العكس من ذلك، دعمت حملة النظام السوري العسكرية العدوانية منذ البداية، من خلال نشطائها الذين دخلوا البلاد متنكرين في زي “حجاج” إيرانيين، متسببة جرّاء ذلك بوفاة حوالي 300.000 شخص وتدمير البلاد التي طالما تاقت للحرية، كما ساعدت سياستها لتمهيد الظروف لصعود داعش كجماعة إرهابية امتدت على أراضي سوريا والعراق، وتوسعت لما بعدهما، فضلًا عن أن السياسة الإيرانية، المدعومة من ميليشيات لبنان والعراق، رسخت التوترات الطائفية وصعدتها إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.
مزاعم طهران بأن تدخلها في سوريا لا ينبع من أسس طائفية وإنما لدعم الحكومة الشرعية، مدحوضة بدعمها لحزب الله على حساب الدولة اللبنانية، كما أن أدوات تنفيذ الأجندة الطائفية الإيرانية هم من المتعصبين الدينيين المنحدرين من أفغانستان واليمن والخليج والعراق وسوريا ولبنان، الذين غالبًا ما مارسوا ذات الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المتطرفة كداعش.
على الجهة المقابلة، يُلقى باللوم على المملكة العربية السعودية لكونها تعادي بنهجها الجماعات الدينية السنية في المنطقة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، داعش، تنظيم القاعدة وذراعه في سوريا، جبهة النصرة، حيث صنفت الرياض جميع هذه المجموعات في خانة المجموعات الإرهابية.
خلال الأسبوع المنصرم، أصدر تنظيم القاعدة بيانًا على لسان زعيمه أيمن الظواهري وصف فيه آل سعود بـ “قتلة المجاهدين”، كما أن الخطابين الماضيين لزعيم داعش، أبو بكر البغدادي، يستبطنان خصوصًا غضبًا عارمًا تجاه المملكة العربية السعودية لعملياتها العسكرية في اليمن، ولتشكيلها الائتلاف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الشهر الماضي.
إذن، أيًا كان موقفنا من التنافس بين السعودية وإيران، لا بد لنا من الإقرار بوضوح اعتدال السياسة الخارجية السعودية منذ سنوات عديدة، في حين أن إيران، وللأسف، هي الطرف الذي يمارس التنمر الإقليمي، والذي يسعى لفرض أجندته الطائفية على المنطقة من خلال “حجاج” الكراهية والوحشية.
المصدر: ذي ناشيونال