الغوص تحت الماء ممتع بالطبع، لكن أنابيب الأوكسجين التي نضطر لحملها فوق ظهورنا والخراطيم وكل ما يلتحق بهما، ليست ممتعة بالتأكيد، لكن ماذا لو عرفت أن هناك مادة جديدة يمكن لبضع حبات منها فقط أن تسمح لنا بالتنفس تحت الماء دون خزانات أوكسجين لفترة طويلة؟
هذا ما فعله العلماء من جامعة جنوب الدنمارك، عندما تمكنوا من صناعة مادة بلورية تستطيع امتصاص وتخزين الأوكسجين بتركيزات عالية، لدرجة أن دلو واحد منها قادر على أن يفرغ غرفة كاملة من محتواها من الأوكسجين!
هذه المادة قادرة على إطلاق الأوكسجين المختزن فيها، عند الحاجة بشكل منظم، وبالتالي، فإن امتلاك بضع حبات منها فقط يغنيك عن حمل أثقال كثيرة.
المكون الرئيسي لهذه المادة، هو عنصر الكوبالت، والذي يوجد مرتبطًا في جزئ عضوي تم تصميمه بشكل خاص، ويستغرق امتصاص هذا الجزئ للأوكسجين الخارجي وقتًا يتراوح من الثواني إلى بضعة أيام، تختلف باختلاف محتوى الأوكسجين في المكان، ودرجة الحرارة المحيطة، والضغط الجوي.
وقد قالت الأستاذة كريستين مكينزي من جامعة جنوب الدنمارك، إن ميزة هذه المادة هي في كونها لا تتعامل مع الأوكسجين بشكل لا رجعة فيه، أي أنها تستطيع الامتصاص والإطلاق، ثم معاودة الكرّة، فهي مستشعرة للأوكسجين، وقادرة على اختزانه في ذات الوقت، مثل الهيموجلوبين الصلب الاصطناعي، الذي يتحد مع الأوكسجين، ويخزنه وينقله.
تفاوت الهيكل التكويني لهذه المادة يؤهلها للدخول في استخدامات مختلفة، حيث تتحد مع الأوكسجين وتطلقه بمعدلات مختلفة، ما يعني أننا نستطيع استخدامها في تنظيم إمداد الأوكسجين في خلايا الوقود، أو صنع أدوات مثل أقنعة وجه فيها عدة طبقات من هذه المادة، لكي توفر للشخص الأوكسجين النقي مباشرة من الهواء، بدون الحاجة إلى أدوات أخرى.
الشيء الأكثر إثارة للاهتمام، هو أن هذه المادة يمكنها أن تدخل في تكوين المواد في جهاز يستطيع أن يمتص الأوكسجين مباشرة من الماء، بحيث تسمح للغواص بالبقاء تحت سطح الماء لفترات طويلة من الوقت، دون الحاجة لخزانات الهواء الثقيلة، بل وبما أنها قادرة على امتصاص الأوكسجين من الماء، يستطيع الغواص أن يكتفي بالحبات القليلة في قناعه، وينعم برحلة خفيفة وسهلة تحت الماء، وأكثر من ذلك، هناك فائدة حيوية لهذا الابتكار، إذ يستطيع مرضى الرئة المضطرون لحمل خزانات الأوكسجين الثقيلة دائمًا في كل مكان يذهبون إليه، حمل بضعة حبات تحتوي على الأوكسجين اللازم لنَفَسْ واحد.
العلماء قاموا باستخدام تقنية حيود الأشعة السينية، لكي يعرفوا الترتيب الذري لهذه المادة في وضع تخزين الأوكسجين بداخلها، وأدركوا أنه بمجرد أن تمتص المادة الأوكسجين، يمكنها أن تختزنه حتى يتم إطلاقه بالتسخين الهادئ أو تعريضها للفراغ.
وقد قالت الأستاذة مكينزي، إنهم استطاعوا رؤية انطلاق الأوكسجين عندما قاموا بتسخين المادة، وكذلك عندما عرضوها للفراغ، والفريق يتساءل الآن ما إن كانت هناك إمكانية لاستخدام الضوء كمؤثر يطلق الأوكسجين المختزن أيضًا أم لا.
تم نشر هذا البحث في دورية الجمعية الملكية للكيمياء، وحتى الآن، لا يوجد موعد تم تحديده لنزول هذه المادة إلى الأسواق والاستهلاك التجاري.