عين الصقر في موسكو كانت مغطاة

وصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأحد، إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة امتدت ليومين وهي الأولى من نوعها للقاء المسؤولين الروس في موسكو، وتأتي الزيارة بعد توتر العلاقات التركية الروسية إثر حادثة إسقاط طائرة السوخوي 24 يوم 24 نوفمبر الماضي، وفي الوقت الذي تعيش العلاقات السعودية الإيرانية أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، وفي ظل التنسيق الروسي الإيراني في قضايا الشرق الأوسط وخاصة المسألة السورية التي تنتظر اجتماعًا مهمًا في جنيف يوم 25 يناير الحالي.
ولما سبق فإن الزيارة تكتسب أهمية كبيرة من حيث التوقيت ومن حيث القضايا موضع البحث ومن حيث كونها محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين؛ حيث حظيت الزيارة بأجواء دافئة من خلال التصريحات المتبادلة حول أهمية دور البلدين في قضايا الشرق الأوسط، حيث أعلن بوتين استعداده للعمل مع قطر التي اعتبرها بلدًا مهمًا في الشرق الأوسط، فيما أكد أمير قطر على أهمية روسيا في تحقيق الاستقرار العالمي وأمله في البناء على العلاقات القوية بين قطر وروسيا
كما تم تبادل الهدايا بين بوتين وتميم، حيث قدم الرئيس الروسي للأمير القطري صقرًا مدربًا كهدية رمزية خلال اللقاء وكتعبير عن متانة العلاقات، وتعد هذه الأجواء جديدة على العلاقات الروسية القطرية فقدت شهدت العلاقات بينهما مراحل توتر متعددة في السابق.
أما في سياق الزيارة الحالية فقد نوقشت عدة ملفات من السياسة إلى الطاقة ووصولاً إلى الرياضة، ولكن الأولوية بالتأكيد كانت للملف السوري خاصة العمل على تذليل العقبات التي تعيق المفاوضات في جنيف في 25 من الشهر الجاري وكذلك العمل على معالجة الأزمات الإنسانية الخطيرة في سوريا.
وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن روسيا وقطر تتفقان على حق الشعب السوري في اختيار حكومته بناءً على اتفاق فيينا وقرارات مجلس الأمن، وأمل أن يكون هناك تقدم إيجابي في محادثات جنيف بين المعارضة والأسد في 25 من الشهر الحالي وفقًا لتأكيد مبعوث الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا في وقت سابق.
ومن الجدير ذكره أن روسيا منخرطة في الأزمة السورية منذ بدايتها وعلى كل الجبهات، لكنها زادت من حجم ونوعية تدخلها منذ تدخلها العسكري المباشر في سبتمبر 2015، وكذلك الحال فإن قطر أيضًا كان لها جهود كبيرة في دعم المعارضة السورية تزامنًا مع دعمها الكبير لثورات الربيع العربي.
وبينما تحدث الأمير مع بوتين حول المواضيع السياسية وأمور الطاقة فإن وزير الخارجية القطري خالد العطية قد ناقش بشكل أوسع مع وزير الخارجية الروسي لافروف موضوع العمل على استقرار أوضاع ملف الطاقة وأسواق الطاقة والعمل على التعاون والتنسيق فيما يتعلق بالغاز المسال، يذكر أن قطر قد أرسلت قبل فترة شحنات من الغاز المسال إلى بولندا، وكذلك موضوع التنسيق بشأن منتدى الدول المصدرة للغاز والذي يجمع في عضويته أهم الدول والتي تستحوذ على 67% من الغاز في العالم.
وفي هذا الإطار فإن روسيا تشعر بالتضرر من أسعار النفط الحالية التي تريدها السعودية وتدعمها دول الخليج في هذه السياسة وقد يكون لملف الطاقة دور في التأثير على القرار الروسي في بعض الملفات ولكن أيضًا الخبرة بالموقف الروسي لا تشي بإمكانية تغييرات كبيرة.
وعلى المستوى الرياضي فقد ناقش الطرفان التعاون في مجال تنظيم كأس العالم في روسيا 2018 وقطر 2022، حيث حظي البلدان بفرصة تنظيم البطولة الرياضية الأهم في العالم على التوالي، وفي هذا السياق فإنه من الضروري الإشارة إلى أن البلدين يهتمان بالرياضة بشكل كبير وخاصة الفعاليات الكبرى كالأولمبياد وغيرها للاستفادة منها كقوة ناعمة.
وفي سياق آخر ذكرت بعض التقارير أن أمير قطر طلب من الرئيس الروسي أن يلعب دورًا فاعلاً في فك الحصار على قطاع غزة الذي يعيش ظروفًا صعبة في هذه الأثناء، وربما يأتي هذا الطلب في الوقت الذي تنسق روسيا مع إسرائيل بشكل أكبر فيما يتعلق بتحركاتها العسكرية في سوريا.
وحول نتائج الزيارة فإنها تعطي العلاقات بين البلدين أهمية كبيرة وكذلك على مستوى الأزمات في الموضوع السوري وعلى مستوى جهودهما الدولية، ولكن التعقيدات الحالية لا توحي بإمكانية تنازل طرف للآخر – خاصة في ظل التوتر الحالي بين السعودية وإيران – إلا بضمانات موثقة، ولكن المشكلة تكمن في غياب هذه الثقة في ظل عدم قيام المؤسسات الدولية بواجباتها ومسؤولياتها.
يتوقع أن تلطف هذه الزيارة الأجواء قبل اجتماع جنيف لكن لا يتوقع الكثير من التغيير في مواقف الأطراف كما ذكرنا، وربما يكون للزيارة انعكاسات على تلطيف الأجواء بين تركيا وروسيا خاصة في ظل العلاقة القوية بين قطر وتركيا مؤخرًا وقد تكون تركيا قد نسقت مع قطر بهذا الخصوص.
وفي الختام فكما كانت عين الصقر الذي أهداه بوتين للأمير مغطاة فإن مواقف الأطراف الحالية مغطاة عن إمكانية التنازل، حيث يعني كل تنازل في هذه المرحلة إعطاء الخصم نقطة تقدم جديدة وهو ما لا يريده أي طرف لذا فإن الأمور من المرجح أن تبقى على ما هي عليه من تعقيد ما لم تتفتح عيون أحد الخصوم في صراعات المنطقة على آليات جديدة قد تفتح ثغرة في جدر التعقيد.