برغم الاستقرار الإقليمي المظهري الذي تبدو عليه منطقة المغرب العربي بالمقارنة مع أقرب المناطق الجغرافية لها منطقة الشرق الأوسط التي تشتعل شكليًا بالصراع العربي الإسرائيلي، وواقعيًا وفعليًا بصراعات النفوذ بين الحكومات والجماعات المعارضة، تبدو شعلة النيران تحت الرماد المغاربي على أهبة الاستعداد للفوران في أية لحظة.
وبرؤى المراقبين، فإن المنطقة المغاربية المكونة في الأساس من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا حدوديًا بالإضافة إلى مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو بحسب الامتداد الجغرافي جنوبًا، تشكل أرضًا خصبة للصراع الوجودي ومحاولات فرض النفوذ من الجماعات الراديكالية المسلحة، خصوصًا القاعدة صاحبة المركز الفاعل والرئيس بتلك المناطق، والضيف الجديد الثقيل “داعش”، وهو ما يوحي باقتراب اشتعال المنطقة بالإرهاب، أو ربما حرب تصفية الحسابات بين الجماعتين الإرهابيتين الأقوى بالمنطقة، قبل الالتفات للأنظمة القابعة بتلك الدول والتفرغ لها.
وكانت تصريحات الجزائري عبدالمالك دروكدال، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في نهايات العام المنصرم 2015 بانضمام كتيبة المرابطين المهيمنة على الشمال المالي بقيادة مختار بلمختار، والتي تعادي تنظيم داعش للقاعدة، مؤشرًا حادًا على قرب اشتعال حرب التصفية والهيمنة بتلك المنطقة، وتبعتها تفجيرات وعمليات احتجاز رهائن بكل من مالي وبوركينا فاسو، ما دفع “نون بوست” لمحاولة استشراف مستقبل الجماعات المسلحة بالمنطقة وآلية تحركاتها، ومدى إمكانية تأثيرها في الواقع المغاربي الحالي في التحقيق التالي :
حرب شعواء
في البداية يعتبر الدكتور النسيم بهلول، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو، والمتخصص في شؤون الجماعات السلفية بالجزائر، أن الواقع الحالي يشي بالفعل باقتراب حرب شعواء لتقسيم مناطق النفوذ بين القاعدة وداعش، وبين التنظيمين الإرهابيين، وعدد من الجماعات المنشقة عنهما، وهو ما تخشاه بالفعل دول المنطقة خصوصًا مع استعار الإرهاب في الحدود الجنوبية، خصوصًا مالي وبوركينا فاسو والأزمة التشادية وضعف الحكومة بالنيجر، ما يعني سهولة انتقال تلك العناصر المسلحة عبر الحدود إلى دول الشمال خصوصًا الجزائر وتونس والمغرب، بعد اختراقها ليبيا.
الفضاء المقلق
ويرى بهلول، أن الفضاء المقلق من الحدود الجنوبية السيئة هو ما يدعم تلك التكهنات باشتعال المنطقة، بعيدًا عن اعتبارات الاستقرار الداخلية والأمنية من عدمها، بكل من تونس والمغرب والجزائر؛ لأن جغرافية تلك المواجهات ستكون بمناطق من الصعب السيطرة أمنيًا وسياسيًا عليها؛ باعتبارها امتداد صحراوي صعب الجغرافيا.
الجغرافيا الصعبة
ويعتقد الأكاديمي الجزائري، أن جغرافيا المنطقة ستحكم نوعية الحرب التي تتوقعها دول المغرب الإسلامي، انطلاقًا من نقاط الجغرافيا والدين والمصلحة التي تحكم تحركات الجماعات الإرهابية، فمسرح العمليات العسكرية ضد تلك الجماعات مبهم وغامض، ولا يمكن حيالها المجازفة بالجيوش غير المدربة عليها، لأن تلك الدول في النهاية لن تحصل على الحرب التي تريدها؛ بل ستنجر إلى حرب أخرى تحكمها العوامل السابقة ومدعومة غربيًا لإشاعة اللااستقرار حدوديًا، ولذلك نتوقع في القريب العاجل عدد من التفجيرات والعمليات الانتحارية وعمليات الاختطاف للرهائن، خصوصًا من السياح والسياسيين في عدد من دول المنطقة؛ لإجبارها على خوض تلك الحرب الخاسرة فيها سلفًا.
أنظمة غير مستقرة
الكاتب المغربي المتخصص في الشأن الإسلامي الدكتور العالي ضريف، يسير في نفس الاتجاه ويتوقع أزمة قريبة بمنطقة المغرب الإسلامي أقطابها الجماعات الإرهابية خصوصًا القاعدة وداعش، وأنظمة الحكم غير المستقرة بين شعوبها خصوصًا بالجزائر وليبيا وموريتانيا.
خطر الخلايا النائمة
ويرى ضريف، أن أزمة مواجهة الجماعات الإرهابية والمسلحين لا تكمن أساسًا في الطبيعة الجغرافية الصحراوية المفتوحة بحدود بعض دول المغرب الإسلامي، التي تمنح الجانبين – سواء الجماعات المسلحة أو جيوش تلك الدول – ميزة، فللجيوش ميزة استخدام الأسلحة الثقيلة وأسلحة الرصد والتصوير الجوي، فيما تعفي الجماعات الإرهابية المهاجمة من احتمالات المباغتة؛ لأن مساحة الرؤية البعيدة موجودة ومتاحة للجميع، وبالتالي تلك الحالة التضاريسية ليست هي المشكلة في الأساس كونها عامل سلبي وإيجابي للطرفين، لكن الأصعب هي علاقات المصاهرة بين الحدود التي كونتها تلك الجماعات على مدار السنوات الأخيرة مع قبائل المنطقة، بالإضافة لمزدوجي الجنسية المنتشرين بها، والتي تحمي خلاياها النائمة التي تؤثر بشكل فعال خلال أي حرب بتلك المناطق، ناهيك بالطبع عن غياب الدولة بتلك المناطق وانعدام الإحساس بالانتماء بين قاطنيها، وبالتالي فإن مغامرة الجيوش النظامية بتلك المناطق تعد مجازفة محفوفة بالمخاطر، لأن الحزام القبلي ومزدوجي الجنسية سيشكلان حائط صد، وخطر محدق بتلك الجيوش.
تشتيت ولا مركزية
وفي سياق مواز يعتقد محفوظ ولد بلخير السياسي الموريتاني الباحث في شؤون الجماعات المسلحة بشمال وغرب أفريقيا، أن ما يحدث بالمنطقة تحركه الأطماع الإمبريالية لدول الاستعمار القديم، بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية، وخطتها تكمن في إنهاء حالة الأهداف الثابتة من الجماعات الإرهابية لسهولة التعاطي معها من قِبل الجيوش النظامية، لحالة الهدف المتحرك، عبر خلق وافتعال بعض الجماعات الإرهابية في الصحراء مثل أنصار الدين والجهاد والتوحيد، وغيرها من التنظيمات، لإبعاد الأنظار أولاً عن الهدف الرئيس الثابت، القاعدة، واللاعب الجديد داعش، ليتسنى لها – دول الاحتلال – تحويل خطر تلك التنظيمات الرئيسة للعمق في كل دول المغرب الإسلامي تحت أي غطاء، بالإضافة طبعًا لتوافر التسليح الذي تم إلقاؤه بكثافة في الصحراء الليبية خلال الثورة على نظام القذافي؛ وبالتالي لن يكون لتحركات “درودكال” و”بلمختار” أي تأثير حاليًا سوى التشتيت، ولا مركزية العمليات.
العدوى قريبة
واعتبر ولد بلخير، أن الداخل ببلدان المغرب العربي خصوصًا، والإسلامي بشكل عام، سيلعب دورًا فاعلاً في المواجهات المتوقعة مع الجماعات الإرهابية، مع قرب انتقال العدوى من مالي وبوركينافاسو، للداخل المغاربي، وتوقعات السيارات المفخخة والتفجيرات والعمليات الانتخارية باتت أمرًا لا مفر منه.
وبرر السياسي الموريتاني وجهة نظره تلك بأن الداخل المغاربي، يشهد صراعات بدأت في الظهور منذ الربيع العربي، وانتشار حالة من عدم الإجماع السياسي، مع الوضع في الاعتبار الأزمة المغاربية – المغاربية نفسها، وسباق التسلح بين تلك الدول، الذي يشي بأزمة قريبة ستأتي على الجميع، خصوصًا وأن الجماعات المسلحة تنتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليها.
المبادرة المغربية
وتوقع بلخير، في المستقبل القريب حرب محتملة بين تنظيمي القاعدة وداعش أولا؛ لفرض النفوذ خصوصًا بعد المخاطر التي فرضها داعش على قادة القاعدة، باستقطاب ما يقرب من 10 آلاف جهادي من دول المغرب العربي، الأمر الذي يسحب بساط الهيمنة من تحت أقدام القاعدة الفاعل الوحيد بالمنطقة خلال العشرية الأخيرة، وطالب في هذا السياق بتشكيل تحالف دولي على غرار ذلك الذي يخوض الحرب على داعش بسوريا والعراق، لمواجهة التنظيمين المنشغلين بحربهما معًا حاليًا، قبل استفحال قوتيهما، بما يملكاه من أسلحة متطورة خطرة بمنطقة المغرب الإسلامي.
وهو ما يستدعي النظر في المبادرة المغربية التي تقضي بتفعيل منظمة اتحاد المغرب العربي، قفزًا على كل ما بين أطرافها من خلافات تنظيمية وهيكلية؛ لمواجهة الخطر الوجودي الحالي مع انضمام دول إقليمية مثل مالي وموريتانيا له، مع ضرورة معالجة القضايا الأمنية العالقة بالمنطقة، والاتفاق على إستراتيجية مشاركة تكاملية، تتصدى لاتساع نفوذ الجماعات الإرهابية على حدودها الجنوبية وفي الداخل، للخلاص من حرب الرمال المقبلة التي تهدد بتحويل منطقة المغرب الإسلامي إلى مقابر جماعية.