منذ خمس سنوات مضت ثار سكان محافظة القصرين ضد النظام القائم آنذاك، مطالبين بالتشغيل وكشف الفساد وحفظ كرامتهم التي انتهكت؛ قُتل منهم العشرات وجُرح المئات في سبيل تحقيق مطالبهم رغم بساطتها، لكن لا شيء من ذلك تحقق، فالحال على حاله بل ازداد سوءًا؛ الأمر الذي عجل بانتحار بعض شبابها بعد أن يئسوا من الحياة وتيقنوا من انسداد أفق العيش الكريم في بلادهم.
وهاهي الاحتجاجات نفسها تتكرر والمطالب ذاتها تعاد بعد موت الشاب المعطل عن العمل رضا اليحياوي كأن الزمان يعيد نفسه.
احتجاجات جابت مختلف مدن المحافظة منذ الأحد الماضي إثر وفاة اليحياوي البالغ من العمري 28 سنة متأثرًا بإصابات نتجت عن صعق كهربائي، بعد تسلقه لأحد أعمدة الإنارة قرب مقر المحافظة احتجاجًا على خلو قائمة كشوف المعينين بالوظائف من اسمه، متهمًا مسؤولين بالولاية بالتلاعب بالقائمة.
وبدأت الاحتجاجات إثر تشييع جنازة الشاب اليحياوي ونتج عنها عشرات المصابين في صفوف المدنيين وقوات الأمن قبل أن تتوقف قليلاً ثم ترجع إلى حي الزهور أحد أكبر أحياء المدينة بأكثر شدة حيث عمد شبان إلى حرق العجلات المطاطية وإغلاق الطرقات قبل أن تتحول مساء الأمس إلى مدينة تالة.
وقرر رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، إقالة المعتمد الأول لمحافظة القصرين، تبعًا للملابسات التي حفت بضبط قائمة العاطلين عن العمل بالمحافظة، والتعاطي مع الملف الاجتماعي لأصحاب الشهادات العليا في الجهة، ووفاة الشاب اليحياوي.
كما أعلن رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر إثر اجتماع مع نواب المحافظة أمس الثلاثاء عن قرار استدعاء رئيس الحكومة الحبيب الصيد لجلسة عامة مخصّصة للنظر في برنامج الحكومة بخصوص بطالة أصحاب الشهادات العليا وإرسال وفد نيابي من مختلف الأحزاب لمحافظة القصرين للاستماع لمطالب ومشاغل شباب وأهالي الجهة.
وقال والي القصرين اليوم إن الحكومة ستدفع بإجراءات عاجلة لجهة القصرين وستعمل على إدماج المئات من العاطلين في مؤسسات اقتصادية.
بالتزامن مع ذلك أعلنت وزارة الداخلية التونسية مساء أمس فرض حظر التجول، بمدينة القصرين من السادسة مساءً إلى الخامسة صباحًا بداية من تاريخ اليوم 19 يناير على خلفية تواصل الاحتجاجات.
وأوضح المكلف بالعلاقات مع وسائل الإعلام بوزارة الداخلية وليد لوقيني، في تصريح إعلامي، أن هذا القرار يأتي على خلفية التخوف من التصعيد الذي قد يقع في المدينة جراء الاحتجاجات المتواصلة فيها خاصة وأن العناصر الإرهابية تحاول استغلال هذا الوضع.
كما أشار لوقيني إلى أن قوات الأمن استعملت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين ألقوا المولوتوف ورشقوا أعوان الأمن بالحجارة وفق قوله.
وانطلقت الاحتجاجات، بعد أن تجمع عدد من الشباب احتجاجًا على ما أسموه “تلاعبًا من قِبل السلطة المحلية في قائمة أسماء المعينين في وظائف حكومية”، وأغلقت بعض المحلات التجارية والمدارس ومكاتب البريد أبوابها في وقت مبكر بسبب الاحتجاجات.
ورشق المحتجون قوات الأمن بالحجارة، كما أشعلوا النيران في عجلات مطاطية بوسط الطريق الرئيسي بالمدينة، ما أدى إلى إطلاق الأمن للغازات المسيلة للدموع، وامتدت الاحتجاجات إلى داخل حي الزهور، ومنه توسعت لتشمل أحياء أخرى وتواصلت إلى ساعات متأخرة من ليلة الأمس رغم فرض حظر التجوال في المدينة.
كما شهدت المدينة، محاولتي انتحار من قِبل شابين، داخل مقر المحافظة، دون تحديد طريقة الانتحار، وتم نقلهما إلى المستشفى الحكومي بالقصرين.
ويتهم المحتجون السلطة الجهوية بالتلاعب بقائمة المنتدبين، ويطالبون الحكومة بمحاسبة الفاسدين وتوفير فرص العمل والتنمية في القصرين، التي يعد سكانها من أفقر السكان في تونس.
وشهدت محافظة القصرين في وقت سابق من هذا الشهر تلاعب من قِبل أحد المسؤولين هناك في توزيع دراجات هوائية خصصتها رئاسة الجمهورية لتلاميذ المناطق المحاذية للجبال في القصرين، لتسهيل عملية تنقلهم إلى مدارسهم البعيدة عن مقرات سكنهم، في إطار برنامج يهدف إلى الحد من الانقطاع المبكر عن الدراسة بسبب غياب وسائل النقل.
وأرجع مراقبون ما يحدث في مدن محافظة القصرين من احتجاجات متكررة إلى تفشي البطالة والفقر نتيجة لسياسات خاطئة ووعود زائفة وانتشار الفساد والرشوة، بالإضافة إلى غياب منوال تنمية من شأنه أن يضع حدًا للتفاوت الجهوي بين مختلف مناطق البلاد.
وتعاني محافظة القصرين الواقعة في غرب تونس منذ استقلال البلاد من التهميش والتفقير، وكانت مختلف مدن المحافظة وقراها من أبرز المساهمين في أحداث الثورة التونسية.
تعاني تونس من وضع اقتصادي صعب ونسبة نمو لم تتجاوز 0.5% في 2015، بينما شهدت نسبة البطالة خلال الثلث الأخير من العام الماضي ارتفاعًا إلى حدود 15.3% مقابل 15% خلال الثلث الأول من نفس السنة بحسب ما كشف عنه المعهد الوطني للإحصاء.
وأبرزت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلث الأخير من سنة 2015 أن عدد العاطلين عن العمل يقدر بـ612.3 ألف عاطل منهم 242 ألف حاصل على شهادة جامعية عليا من مجموع السكان النشيطين الذي بلغ عددهم 3 ملايين و392 ألف.