لا تزال قصص الانسحاب الآمن لمنفذي العمليات التي تسببت بأرق مزمن لأجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي، وهوس وهلع لجنود الاحتلال ومستوطنيه، تلقي بظلالها على حياة الإسرائيليين وتجعل من حياتهم اليومية كابوسًا يلاحقهم حتى في صحوتهم.
من “قناص الخليل” وعملياته الموجعة، إلى عملية “عتنئيل” الأولى، فعملية نشأت ملحم في “دزينكوف” بتل أبيب، إلى عملية “عتنئيل” الأخيرة، كلها قصص باتت تملأ أروقة أجهزة الاحتلال وجلسات المحققين بالأسئلة عن كيفية تمكن المنفذين من تنفيذ عملياتهم تحت أعين تلك الأجهزة وانسحابهم بكل سلاسة واحترافية دون أن يصابوا بأي أذى، ليتركوا تلك الأجهزة في دوامة من الرعب المتجدد وطرح المزيد من الأسئلة حول الهدف القادم.
قناص الخليل
قصة “قناص الخليل” وحدها تعتبر أطول عملية مطاردة وأكثرها خطرًا بالنسبة لأجهزة الاحتلال الأمنية، فهذا “الشبح” لا تزال خيوط قصته مفقودة لدى مخابرات الاحتلال وكل أجهزته الأمنية، فالمنفذ مجهول بالمطلق ولا يملك الاحتلال أية معلومة عنه سوى أنه يمتلك مهارة عالية الدقة في التصويب ويعرف مكامن القتل لدى جنود الاحتلال والمستوطنين بين أزقة الخليل، فينفذ عمليته بحنكة ودقة وينسحب من المكان بأمن وأمان دون أن يلفت إليه أحد ويترك المكان نظيفًا.
بعد 3 سنوات من المطاردة والتفتيش، حيث سيَّر الاحتلال خلفة كتائب من نخبة جنوده وكانوا كلما شعروا أن من الممكن أنهم تخلصوا منه، عاد ليصطادهم من جديد ومن نفس المكان ويتركهم بين قتيل وجريح.
قررت سلطات الاحتلال تسيير منطاد يطير على مسافات منخفضة فوق مدينة الخليل لمراقبة حركة القناص، غير أن حنكته وذكائه كان لهم بالمرصاد، فكان لا يقدم على تنفيذ عملياته قبل التأكد من أن أعين الاحتلال مغمضة.
تقول أجهزة الاحتلال الأمنية وفقًا للمصادر الصحفية الإسرائيلية “إنها استغرقت في عمليات البحث عن قناص الخليل أكثر من 800 ساعة لكن دون جدوى”، مؤكدة أنها القضية الأولى التي أعجزتها ولا تزال تعجزها دون التوصل لطرف خيط للإمساك ببطلها.
موقع “والا” الإسرائيلي عاد وتطرق مجددًا لأعمال القناص، متحدثًا عن الفشل الذي منيت به أجهزة استخبارات الاحتلال طوال الفترة الماضية حتى في الوصول لأي معلومة عنه، حيث يقول الموقع: “لا نعلم إن كان القناص مر من هنا، نظر في أعيننا وابتسم”.
ووصف والا القناص بأنه “شبح الخليل”، و”القناص الغامض الذي يشكل خطرًا على المستوطنين وعلى الجنود”، مضيفًا، “من مرة لأخرى يخرج من مخبئة ثم يختفي، يطلق النار على الجنود في المسجد الإبراهيمي ويختفي”.
ويقول الموقع: “إن القناص متهم بقتل جندي وجرح عدد آخر، وأن الجيش يحاول احتواء الأحداث لحين القبض عليه”، معترفًا في الوقت ذاته بأن الوضع على الأرض متوتر وأنه لا معلومات عن الهدف القادم.
ونفذ القناص هجومه الأول قبل أكثر من عامين، ومنذ ذلك الحين استنفرت أذرع الاحتلال العسكرية والاستخباراتية محاولة الوصول له دون جدوى، وقبل أسابيع نفذ القناص عمليتين في وقت متقارب جدًا وفي نفس الموقع تقريبًا، ليوقع إصابات في صفوف جيش الاحتلال، وأول أمس عاد قناص الخليل ليجدد ضرباته في جيش الاحتلال والمستوطنين بنفس المكان، ليعلن لهم أنه لا يزال موجوداً، لكن ضربته الأكبر حينها كانت بإسقاطه أذرع الاحتلال التي فشلت في الوصول إليه رغم تقارب الوقت والمواقع.
عتنئيل الأولى
بتاريخ 13 ديسمبر 2015 نفذ شاب فلسطيني عملية إطلاق نار قرب مستوطنة عتنئيل في منطقة الخليل أدلت لمقتل مستوطنين اثنين وجرح آخرين، في عملية نوعية وصفتها أجهزة الاحتلال الأمنية بأنها “عملية مثالية بعلامة كاملة”.
الشاب الفلسطيني منفذ العملية الذي اعتقلته قوات الاحتلال بعد 4 أيام من المطاردة والبحث، نفذ عمليته بواسطة بندقية عثر عليها قرب منزله في الخليل خلال عملية اعتقاله، لكن وقبل الوصول إليه أقامت قوات الاحتلال الدنيا ولم تقعدها في سبيل الوصول لطرف خيط يمكنها منه، واستخدمت في عمليات البحث كل طاقتها بما فيها طائرات الاستطلاع التي لم تفارق سماء الخليل.
أثناء ذلك، خرجت العديد من التحليلات والتخمينات من قِبل الخبراء العسكريين والمحللين الإسرائيليين حول هوية منفذ العملية وخلفيته وانتمائه وقدراته القتالية.
وأجمع معلقو الشؤون العسكرية في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، على أن التقديرات الأولية لجهاز المخابرات الإسرائيلية تشير إلى احتمالين مركزيين بخصوص هوية منفذ العملية، هما حركة حماس أو حركة الجهاد الاسلامي.
ونقل ألون بن دفيفد معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة الإسرائيلية أقوال مصادر بجهاز مخابرات الاحتلال “الشاباك”، أشارت إلى أن الشاباك مقتنع أن المنفذ شخص ينتمي لخلية نائمة تابعة إما للجناح العسكري لحركة حماس أو خلية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي.
في حين أكد محللون آخرون أن الهجوم يشكل ضربة أمنية لجيش الاحتلال ومخابراته، بعد نجاح المنفذ في تنفيذ هجوم إطلاق النار والانسحاب رغم حالة الاستنفار لجيش الاحتلال، في المنطقة المحيطة.
كما شكل الهجوم تحديًا للدعاية الإسرائيلية، بعد امتناع المهاجم عن قتل الأطفال، رغم أنه اقترب من السيارة إلى مسافة صفر.
عملية “نشأت ملحم”
بتاريخ 1 يناير 2016 نفذ شاب من فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 عملية إطلاق نار داخل ملهى ليلي بشارع ديزنكوف وسط تل أبيب أوقعت قتلين إسرائيليين وأصابت 10 آخرين بجراح مختلفة، لتبدأ عملية مطاردة المنفذ الذي انسحب من المكان بطريقة خيالية ليستقر به المخبأ لمنزل مجاور لمنزل عائلته الذي كان عرضة للمداهمات اليومية على مدار الساعة من قِبل قوات الاحتلال.
في صبيحة اليوم التالي للعملية كانت قوات الاحتلال قد استنفرت كل كتائبها، وعناصر الأمن والقوات الخاصة والمستعربين تنتشر في كل مكان من أول تل أبيب حتى آخرها، عمل على مدار الساعة بحثًا عن نشأت ملحم ابن بلدة عرعرة بالداخل المحتل المتهم الأول والأخير بالمسؤولية عن العملية.
كانت كل ساعة تمر على قوات الاحتلال تعتبر حاسمة ومصيرية في عمليات البحث وفقدان الأمل في العثور على ملحم.
مرت 48 ساعة على تنفيذ العملية دون الوصول لطرف خيط عن مكان اختباء ملحم، فجن جنون أجهزة الاحتلال الأمنية، والإسرائيليون باتوا يمضون معظم أوقاتهم داخل منازلهم نظرًا لوجود شبح قاتل يطاردهم بين أزقة تل أبيب لا تستطيع أعتى أجهزة المخابرات في المنطقة الوصول إليه، وأعلن الاحتلال عجزه عن الوصول لملحم وكأن الأرض ابتلعته.
قررت قوات الاحتلال توسيع دائرة منطقة البحث عن ملحم بعد اعتقال عدد من أفراد عائلته بينهم والده وشقيقيه للضغط عليه لتسليم نفسه، غير أنها كانت محاولة فاشلة لم يستجب لها نشأت، ووصلت عمليات البحث عنه لمنطقة المثلث، في أم الفحم والمدن المحيطة بها، لكن دون جدوى.
في يوم الخميس بعد أسبوع من المطاردة وعمليات البحث والتمحيص، أعلنت أجهزة أمن الاحتلال أنها توصلت إلى طرف خيط يمكن أن يقود لمكان اختباء ملحم دون تقديم أي تفاصيل، وكان رئيس أركان جيش الاحتلال قد أعلن قبلها أن عمليات البحث في تل أبيب قد انتهت.
وفي صبيحة يوم الجمعة 8 يناير 2016 حاصرت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال الخاصة منزلاً في بلدة عرعرة مسقط رأس ملحم، حيث كان يختبئ نشأت، وطالبته بتسليم نفسه، لكن ملحم وعلى ما يبدو أدرك أنه ميت في جميع الحالات فرد عليهم بوابل من الرصاص من رشاشه الذي كان بحوزته غير أن الشهادة عاجلته فارتقى شهيدًا بعد 8 أيام من مطاردة ما يزيد عن 3 آلاف عنصر بجيش الاحتلال ومخابراته له.
عتنئيل الثانية
وفي عملية مشابهة للعملية الأولى، نفذ شاب فلسطيني أمس الأحد عملية طعن بعد تمكنه من اقتحام منزل أحد المستوطنين داخل مستوطنة عتنئيل قرب الخليل ما أدى لمقتل مستوطنة، وانسحب المنفذ من داخل المستوطنة بأمان.
ومنذ مساء أمس، تواصل قوات الاحتلال بمشاركة كبار الضباط أعمال التمشيط والتفتيش بحثا عن منفذ العملية، وذلك في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة إسرائيلية عن رعب كبير عاشته المستوطنة القتيلة قبل أن تُنهي سكين المقاوم رعبها وحياتها.
وفي هذا الوقت وصل إلى الخليل صباح اليوم رئيس أركان جيش الاحتلال غادي آيزنكوف برفقة كبار الضباط، وتفقد موقع العملية ثم أجرى جولة ميدانية في محيط المنطقة، استمع خلالها لآخر التطورات في أعمال البحث عن منفذ العملية.
هذه الجولة جاءت لتدارك خيبة جيش الاحتلال في العملية التي شكلت وفقًا لمسؤول الديسك العربي في القناة العاشرة نقلة نوعية في أعمال المقاومة الفلسطينية، حيث استطاع الفدائي اقتحام منزل في المستوطنة بهدوء وقتل مستوطِنة ثم الانسحاب بهدوء كذلك.
هذا ولا تزال قوات الاحتلال تفرض طوقًا أمنيًا مشددًا على المنطقة، وتنفذ عمليات دهم واسعة لمنازل الأهالي في القرى المجاورة بحثًا عن المنفذ، دون الوصول لطرف خيط، لتسجل فشلاً آخر لا تزال أجهزة الاحتلال الأمنية تعايشه يومًا بعد يوم في أيام الانتفاضة المستمرة، أبطالها شبان فلسطينيون ملأوا أعين مخابرات الاحتلال بالرماد.
المصدر: قدس الإخبارية