لا يوجد شيء بلا نهاية، ولن تستطيع الثورة القائمة على انقلاب العسكر أن تبقى طويلاً من غير أمد زمني، هذا إذا ما تجاوزنا الخلاف حول التقييم الدقيق لما يحدث على الأرض، هل هو ثورة حقيقية، أم مجرد فعاليات متناثرة رافضة وغاضبة لا يتجاوز أفرادها العشرات والمئات ولا ترقى بأي حال لتكون جديرة بأن تسمى ثورة.
المتفق عليه أن هناك حالة من حالات الحراك الرافض لما آلت إليه الأمور من بعد الثالث من يوليو عام 2013، واليقين أن هذا الحراك سينتهي يومًا ما، إما ببلوغ مراده ومقصده، وإما بإعلانه الهزيمة، وسيكون الإعلان حينها مباشرًا أو ضمنيًا عندما تنفض الجموع يومًا بعد يوم حتى تتلاشى تمامًا ويعود السكون المخيف إلى جنبات الشارع المصري كما كان في عهد نظام ما قبل ثورة يناير.
منذ أول أيام الانقلاب والرؤى مختلفة حول تقييم الموقف وتوقّع النهاية؛ فهناك من رأى انقلابًا محكمًا اجتمع العالم كله من أجل نجاحه، ومن هنا فهو انقلاب سيعايشنا طويلاً، وقد عدنا به إلى ما قبل ثورة يناير، فكأن ثورة لم تقم، وكأن تغييرًا لم يحدث.
وهناك من رأى انقلابًا يحمل في داخله نهايته الوشيكة، فهو انقلاب جاء بعد أن تذوق الناس حلاوة الحرية، ومن الصعب أن يقبلوا العودة إلى الديكتاتورية والاستعباد بهذه السهولة وبهذه السرعة، ولذلك فإن نهاية الانقلاب ستكون قريبة جدًا، وقد ساعد على تأكيد هذه الرؤية ما حدث بعد ذلك من دموية غير مسبوقة بديكتاتورية طاغية وعسكرية غاشمة، ويستحيل أن يتخيل أحد أن يدوم الحال مع كل ذلك طويلاً.
وهناك من رأى انقلابًا نهايته الانكسار، ولكن انكساره سيكون بعد فترة من الزمان قد تطول قليلاً، وهذه الفترة ستكون من خمس إلى عشر سنوات كما حدد بعضهم، وقد نادى أرباب هذا الرأي باستمرار الحراك وعدم توقفه، حتى ينكسر الانقلاب ولو بعد العشر سنوات.
كنت ممن يظن في البداية أن طول الزمن سلاح للثورة وليس سلاحًا ضدها، غير أنه قد تبين لنا فيما بعد أن طول الزمن من الممكن أن يكون سلاحًا للثورة ومن الممكن أن يكون سلاحًا عليها.
فكثيرة هي الأحكام النسبية في هذه الحياة، الأحكام غير المطلقة، الأحكام التي تتغير بتغير الحال والظروف.
حتى اللحظة يبدو أن طول الزمان ليس في صالح ثورتنا بل هو في صالح عدوها، الانقلاب يكسب أرضًا يومًا بعد يوم، تتجذر أركان دولته العسكرية البوليسية ويزداد الاعتراف الدولي به، وكل الظروف الإقليمية تصب في صالح وجوده وقوته (حرب اليمن، الحرب العالمية على الإرهاب، المسألة السورية).
وبالنظر إلى الحالة الثورية، يتبين لنا أن طول الزمن زرع اليأس في قلوب الكثيرين فقعدوا عن ثورتهم، وذلك مع القمع الشديد والحرب الضروس التي يشنها الانقلاب ضد كل أبناء الثورة.
تحولت الجموع الهادرة للثوار من قبل إلى مسيرات بسيطة يعدّ أبناؤها بالعشرات فتثير الحزن واليأس على الحال الثوري الذي آلت إليه الأمور أكثر مما تثير الأمل.
بقاء الحالة الثورية إلى ما يقارب الثلاثة أعوام شيء يدعو إلى بعض الأمل، وضعف هذه الحالة الثورية إلى هذا الحال في الأعداد والقوة شيء يدعو إلى كثير من اليأس.
إذن لا بد من النهاية، وأظنها ستكون نهاية قريبة.
قبل الثلاثين من يونيو الماضي، كنا على أعتاب ذكرى ثورية جديدة يتم الإعداد والشحن لها، كتبت ساعتها (ذكرى الثلاثين من يونيو القادمة هي الذكرى الأخيرة، فإن لم تكن فالخامس والعشرون من يناير التي بعدها، فإن لم تكن فالثلاثون من يونيو التي بعدها، فإن لم تكن فالخامس والعشرون من يناير التي بعدها، ولن يطول الأمر أكثر من ذلك).
ما زلت عند رأيي ونظرتي، آخر ما يمكن أن يستمر عليه حالنا هكذا عام آخر، والنهاية ستكون من بعده حتمًا، إما بانتصار للثورة وكسر للانقلاب، وإما بنهاية لها وتمكّن له.
ذكرى الخامس والعشرين من يناير التي نحن بصددها هي الأخيرة في عمر هذه الثورة أو قبل الأخيرة، وقد أصبح يلوح بقوة أنها لن تكون الأخيرة، فهي قبل الأخيرة إذن؟
غير أن الأمل في الله لا ينقطع، وقد جاءت أقداره في أحيان كثيرة على غير ما كنا نتوقع ونرى، فما كنا نتوقع في بداية ثورة يناير بأن ينتهي الأمر بخلع مبارك، وما كنا نتخيل قبل الثلاثين من يونيو أن ينتهي الأمر بخلع مرسي، وما كنا نتخيل في ثورة رابعة أن يقدموا على فض الاعتصام بهذا الشكل.
أقدار الله لا تأتي دائمًا على قدر نظرتنا ورؤيتنا، لكننا على الرغم من ذلك ننظر ونرى ونقدّر الأمور على قدر أفهامنا وعقولنا، ذكرى الخامس والعشرين التي نحن على أعتابها هي الذكرى الأخيرة أو قبل الأخيرة في حالنا الراهن، ويبدو الآن أنها لن تكون الأخيرة.