ترجمة حفصة جودة
مع حلول تاريخ التنفيذ لخطة العمل المشتركة الشاملة ودخول العناصر الرئيسية للصفقة النووية من كلا الجانبين حيز التنفيذ يوم السبت الماضي، مما يجعلها مؤهلة لتكون حقيقة حياتية على مستوى السياسات العالمية والإقليمية لسنوات عديدة، يبزغ التساؤل التالي، هل سيكون تأثير هذا الاتفاق عميقًا على السياسات الإقليمية؟
هذا هو الجدال الذي خاضته في الماضي إدارة باراك أوباما وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع المعارضين لهذا الاتفاق؛ ففي الوقت الذي صرحت فيه واشنطن بأن هذا الاتفاق سيجعل إيران في النهاية تتصالح مع جيرانها، كان للمملكة العربية السعودية وإسرائيل رأيًا مغايرًا تمامًا حيث صرحت بأن هذا الاتفاق سيجعل إيران بالتأكيد أكثر تشددًا وعدوانية.
بجميع الأحوال، وخاصة في ضوء الصراع العميق بين إيران والسعودية خلال العام الماضي، سيتوضح لنا فيما إذا كان تناولنا للقضية في ضوء إعادة صياغة السياسات الإيرانية هي طريقة خاطئة لتناول المشكلة أم لا، والأهم من ذلك ما إذا كان الاتفاق سيشكل دافعًا لأمريكا لإعادة تنظيم سياستها في المنطقة.
يبدو أن كلا الجانبين قد استخدما حججهما كأداة لتحقيق مصالحهما السياسية بدلًا من تقديم تحليل سياسي جاد، حيث كانت حجة الإدارة الأمريكية بأنه مع غلق مسارات السلاح النووي الإيراني سيسفر الاتفاق عن إمكانية حدوث تغييرات في السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية.
وربما كانت أكثر التعبيرات غير المتوقعة حول الحجة الأمريكية ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في لقائه مع وكالة رويترز في أغسطس الماضي: “الحرس الثوري الإيراني كان يعول على الأنشطة النووية لأنها تعطيه مظلة حماية لأنشطته الشنيعة، لذا فإنه يعترض على هذا الاتفاق تحديدَا لأنه سيسحب هذه المظلة بعيدًا عنه”.
تلك الحجة كانت ضعيفة للغاية وتخدم مصالحًا ذاتية، كون التصورات الأمريكية بإمكانية تصنيع أسلحة نووية إيرانية في المستقبل ليس لها علاقة البتة بتورط الحرس الثوري الإيراني مع حزب الله في لبنان أو تواجده في سوريا والعراق.
وعلى الجانب الآخر، فإن السعودية وإسرائيل تصرّان على أن هذا الاتفاق النووي سيمكّن الإيرانيين من التدخل بشكل أكبر في المنطقة ومواصلة السعي لامتلاك سلاح نووي، كما يروّج الإسرائيليون لفكرة أن إيران سوف تقوم باستخدام الدخل الإضافي الذي اكتسبته من رفع العقوبات في تمويل حزب الله والحكومة السورية، مما يهدد استقرار المنطقة ويفرض تهديدات أكبر على إسرائيل.
ومع ذلك فإن الدعم الإيراني لحزب الله يشكل أساسًا استثمارًا للأمن القومي، وهذا الدعم لا يعتمد أبدًا على أي ضخ إضافي للموارد من الاتفاق النووي، وفي الحقيقة، فإن التزام إيران بدعم قوات حزب الله في سوريا هو قرار اتخذته عام 2012 قبل أن تبدأ المفاوضات النووية.
وفي ذات السياق، أشار مسؤلون سعوديون وإسرائيليون إلى أن مفاوضات الإدارة الأمريكية حول الاتفاق النووي تمثل قرارًا اتخذته بإحداث تغييرات جذرية في سياسة أمريكا مع حلفائها بعد دخولها في شبه تحالف مع إيران.
اتخذ السعوديون خطوات تصعيدية أشد تطرفًا، ووفقًا لما أوضحه جريجوري جوز في أواخر 2013 “السعوديون يعبرون عن مخاوفهم من أن تقوم الولايات المتحدة بالتصديق على الهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان والخليج الفارسي في مقابل الاتفاق النووي”.
وقد تكون المخاوف السعودية بشأن الوفاق بين واشنطن وطهران قد اطردت منذ توقيع الاتفاق، ولكن المخاوف السعودية من إذعان الولايات المتحدة لتوزيع القوى في المنطقة – والذي تراه الرياض أمرًا غير مقبول – ليست مرتبطة في الحقيقة بالاتفاق النووي بحد ذاته، بل أنها تتعلق بالأحرى بفشل الولايات المتحدة في دخول الحرب في سوريا.
وبالمثل، يبدو بأن الاعتراضات الإسرائيلية على الاتفاق النووي لم تكن ترغب في الحقيقة بإنهاء السعي الإيراني للحصول على أسلحة نووية، ولكن ما كانت ترغب به إسرائيل حقًا هو الحد من قوة إيران الاقتصادية والعسكرية إما من خلال مواجهة عسكرية بين أمريكا وإيران أو من خلال فرض عقوبات شديدة.
بشكل عام، يمكن القول بأن هذا الاتفاق يمثل فشلًا مطلقًا للإستراتيجية الإسرائيلية طويلة المدى، ولكن هذا الفشل لا يمت بصلة للقضايا طويلة الأمد التي تعاني منها المنطقة والقوى الفاعلة التي تنشط ضمنها.
يبدو واضحًا أن هذا الاتفاق لا يسعى للتأثير على السياسات الإقليمية بحرمان إيران من الأسلحة النووية والتي لم تكن إيران تنتوي الحصول عليها بأي حال؛ فالقضية الحقيقة هي إذا ما كانت عملية المفاوضات تلك ستخلق ديناميكية سياسية جديدة بين إيران وأمريكا قد تؤثر على نتائج الصراع في سوريا والعراق واليمن.
يبدو أن هذا ما تطمح إليه الإدراة الأمريكية وحكومة روحاني، فقد أشار كل من وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف إلى أن العلاقة الجديدة ما بين البلدين ساعدت على سرعة الوصول لحل في حادث السفينتين التابعتين للبحرية الأمريكية واللتان أبحرتا في المياه الإقليمية الإيرانية.
وبالرغم من ذلك فمن المستبعد أن يكون لهذا الاتفاق تأثيرًا عميقًا على سياسة الولايات المتحدة في السنوات القليلة القادمة أو أن يكون له تأثير على الصراعات المتشابكة والتي ستعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط، فالسياسة الأمريكية تجاه إيران هي نتيجة عقود مستمرة من الأخبار والتصريحات الرسمية والآراء المناهضة لإيران، وفكرة أن إيران تشكل تهديدًا عدوانيًا لمصالح الولايات المتحدة أصبحت متأصلة في السياسات الانتخابية والبيروقراطية للبلاد.
هذا الافتراض تمت ترجمته إلى قوانين وبرامج أدت إلى خلق مصالح مؤسساتية جديدة للإبقاء على الوضع الراهن، ليس أقلها المحافظة على الدور الإيراني المحوري كسبب منطقي يبرر الوجود العسكري الأمريكي، ودور أمريكا في الشرق الأوسط، فضلًا عن تبريره لاستمرار بيع الصورايخ والأنظمة المضادة للصورايخ الأمريكية لحلفائها في المنطقة.
فضلًا عن ذلك، أصبحت إيران منذ زمن طويل محورًا رئيسيًا – إن لم تكن الهدف الأساسي – للجهود التجسسية التى تقوم بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالة الأمن القومي حول العالم، ويبدو أن وجهة نظر أوباما التي تقول بأن السعودية تستطيع أن تكون بمثابة بديل جزئي للعمليات العسكرية المباشرة للولايات المتحدة من أجل مكافحة الإرهاب وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، قد أضافت عقبة أخرى لإعادة تنظيم السياسة الأمريكية في المنطقة.
بعد مرور ستة أشهر على توقيع الاتفاقية النووية في يوليو 2015، لم يظهر أوباما أي رغبة في قطع العلاقات علنًا مع السعوديين في سوريا أو اليمن بالرغم من رعونة وتهور السياسات السعودية في تلك البلدان؛ فالتحركات الأخيرة التي قام بها السعوديون لزيادة التوتر مع إيران تدل على رغبتهم في إجبار الإدراة الأمريكية على اتخاذ موقف أكثر عدوانية من إيران في المنطقة، ويبدو أن هذه التحركات قد فشلت تمامًا.
على المدى البعيد ستقوم الولايات المتحدة باتخاذ مواقف أكثر إنصافًا تجاه إيران للتعامل مع الفوضى التي قد حلت في المنطقة، ومتى حدث ذلك، فلن يكون للاتفاق النووي تأثيرًا كبيرًا على هذا القرار.
المصدر: ميدل إيست آي