أقر مجلس وزاري عقد مساء أمس الأربعاء جملة من القرارات لفائدة محافظة القصرين الحدودية، على خلفية الاحتجاجات الدائرة هناك والمطالبة بالتشغيل والقضاء على الفساد.
قرارات بانتداب أكثر من 6 آلاف عاطل عن العمل وإقامة حوالي 500 مشروع صغير وتغيير صبغة الأراضي الاشتراكية في المحافظة إلى أراضٍ خاصة وإنشاء 9 مقاولات للتهيئة الترابية هناك.
قرارات اعتبرها متابعون دعوة ضمنية لباقي المدن والمحافظات التونسية للاحتجاج والتظاهر وطلب حقها دون أن تنتظر عطف حكومة ثبت أنها لا تتحرك دون ضغط من الشارع ومظاهرات.
أول أمس أطل على التونسيين الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات بإطلالته البهية وقال للناس إن الحكومة لا تمتلك عصا سحرية لتغير الوضع القائم، نفس الشخص يخرج ليلة أمس ويؤكد عزم الحكومة على انتداب آلاف الشباب، فبقدرة قادر أصبحت لهم عصا سحرية ولهم القدرة على التشغيل والتنمية.
نفس الأمر يعاد كل مرة فمع كل احتجاج تشهده إحدى محافظات البلاد للمطالبة بالتشغيل أو كشف الفساد وضمان الكرامة، يخصص مجلس وزاري استثنائي للنظر في مطالب تلك الجهة فيرصد لها الأموال ويقرر فتح باب الانتداب ومعالجة مشاكلها.
حدث هذا الأمر سابقًا في محافظات سيدي بوزيد وقفصة، رغم عدم تحقق أغلبية الوعود وبقائها حبرًا على ورق، ونأمل أن نرى القرارات الأخيرة تطبق على أرض الواقع ولا تكون مجرد وعود تنفذ على المدى الطويل.
أبناء القصرين ليسوا الوحيدين المحرومين من التشغيل والعيش الكريم فغيرهم كثير، حتى إن البطالة أضحت الرابط المشترك بين شباب تونس، ومع ذلك فحكومة بلادهم لا تنظر إليهم بعين واحدة.
شباب سيدي بوزيد وقفصة وتوزر وقبلي وباقي المحافظات الداخلية سيسمعون بهذه القرارات وسيطالبون هم أيضًا بحقهم وتطبيق فصول الدستور التي تنص على التمييز الإيجابي للمناطق الداخلية، فهم أيضًا يرنون للعمل ويعانون من مسؤولين محليين تشوب حولهم شبهة الفساد.
مناطق فاقت نسبة البطالة فيها 30% من جملة الطبقة العاملة، حتى الذين يشتغلون منهم ففي مهن حرة (بناء، نجارة، كهرباء، فلاحة..) لا تكاد تضمن لهم كرامة العيش ولا تقيهم شظفه.
نعم محافظة القصرين مهمشة وأغلب أبنائها من الفئة الفقيرة، ولا يتمتعون بالمستوى الأدنى للحياة، فلا تشغيل ولا نوادي ترفيه ولا دور ثقافة ورياضة، ومع ذلك فهي ليست الوحيدة، وغيرها كثير.
لا نقول هذا الكلام لدعوة الناس إلى الاحتجاج ولا بغية تحريضهم، فالحكومة قامت بالواجب ودعتهم إلى ذلك، المطلوب هو العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء البلد الواحد.
ومع كل ما قلنا تؤكد القرارات الأخيرة هشاشة الحكم وعدم جدية السلطة الحاكمة في حل أزمة البلاد والحيلولة دون تطورها وتفاقمها، فمثل هذه الإجراءات كان من الممكن اتخاذها في وقت سابق دون لجوء المواطنين إلى التظاهر ودون تقديم ضحايا مواطنين وأمنيين وسقوط مصابين.
بدأت الاحتجاجات في محافظة القصرين إثر تشييع جنازة الشاب رضا اليحياوي البالغ من العمر 28 سنة ونتج عنها عشرات المصابين في صفوف المدنيين وقوات الأمن بالإضافة إلى مقتل عنصر أمن.
وانتقلت الاحتجاجات إلى العديد من محافظات البلاد؛ حيث عمد شبان إلى حرق العجلات المطاطية وإغلاق الطرقات قبل أن تتحول مساء الأمس إلى مدينة تالة، ونُظِمت مسيرات في العاصمة تونس للتضامن مع أبناء القصرين والمطالبة بالتشغيل.
وتوفي رضا اليحياوي البالغ من العمر 28 عامًا متأثرًا بإصابات نتجت عن صعق كهربائي، بعد تسلقه لأحد أعمدة الإنارة قرب مقر المحافظة احتجاجًا على خلو قائمة كشوف المعينين بالوظائف من اسمه، متهمًا مسؤولين بالولاية بالتلاعب بالقائمة.