مع مطلع العام الجديد، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن عام 2016 سيكون عام الشباب المصري، ففي التاسع من يناير، وخلال احتفالية أُقيمت في دار الأوبرا المصرية بمناسبة يوم الشباب المصري، أعلن السيسي أن 2016 سوف يكون هو عام الشباب المصري، مع حزمة من القرارات والإجراءات المتعلقة بدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة، ودعم مراكز الشباب، وتطوير مناهج التعليم.
هذا الإعلان استقبلته العديد من الأوساط، حتى المحايد وبعض المؤيد منها لـ “ثورة” 30 يونيو، وانقلاب 3 يوليو 2013، بالكثير من الريبة والتوجُّس، في ظل العديد من المؤشرات التي تقول بأن أوضاع الشباب المصري لا تسير على ما يُرام.
مبدئيًا؛ فإنه ولئن كانت هناك دلالة مهمة في هذا الإعلان من جانب الرئيس المصري بشأن عام للشباب، في مقابل مؤشرات إحصائية لا يمكن تجاهلها حول واقع الشباب المصري وسلوك الدولة تجاه هذه الشريحة التي تمثل حوالي ثُلُث المجتمع، فإن هذه الدلالة تقول بأن الدولة المصرية تفرق بين مواطنيها بناءً على الانتماء السياسي أو الفكري.
وهذه الحقيقة لا يمكن القول إنها افتئات على الدولة أو على النظام الحالي، فكيف يكون العام 2016، هو عام الشباب المصري، بينما من بين هؤلاء الشباب، عشرات الآلاف خلف القضبان في قضايا سياسية، ويقوم القضاء – قضاء الدولة – بتبرئتهم في كثير من الأحيان، من الاتهامات التي توجه إليهم، والتي تتعلق في الغالب بمواقفهم المعارضة للنظام الحالي في مصر، والذي أفرزته حركة 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو؟!
أي أن عشرات الآلاف من الشباب – وغالبيتهم الساحقة من خريجي الجامعات وأصحاب مؤهلات جامعية عليا وما بعد الجامعية، وكفاءات يمكن للوطن الاستفادة بها – قابعون خلف القضبان، كطاقات معطلة، بل وتزيد من الحالة السلبية داخل المجتمع، ويبتعدون أكثر فأكثر عن انتمائهم الوطني، وذلك لمجرد كونهم ينتمون إلى مبدأ سياسي مختلف عن الدولة، أو يرون أن يكون حِراك المجتمع والدولة، من وجهة نظرهم لمصلحة الوطن الذين هم أحد أبنائه، مختلفًا عن ذلك الذي يراه الرئيس أو تراه الدولة ومؤسساتها.
وهو بالمناسبة، من أبسط حقوقهم ليس كبشر فحسب، ولكن كمواطنين بالمعنى السياسي والقانوني؛ حيث إن اختلاف الرؤى سُنَّة وقانون من قوانين العمران البشري التي وضعها الله تعالى في خلقه، وتجاوزها يقود إلى مشكلات مدمرة لمن يقوم بذلك.
وهو يبدو واضحًا في الحالة السياسية والأمنية في مصر، فبالرغم من كل الإجراءات التي تبنتها الدولة لكتم أصوات شريحة الشباب التي لا تزال مؤمنة برسالة الثورة؛ فإن الحالة الثورية لا تزال حاضرة، وربما أبرز مؤشرات ذلك حالة الهوس الأمني والإعلامي التي تجتاح مصر حاليًا استعدادًا للذكرى الخامسة لثورة يناير، مع استمرار الكثير من الشباب الثوري في العمل من خارج مصر، بشكل قوي وفعال، من خلال الأطر الثورية في الخارج، مثل المجلس الثوري المصري، والتنسيقية المصرية للحريات وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الأطر.
والسؤال المهم الذي يؤكد هذا الأمر المبدئي الذي نناقشه هنا، هو: كيف سوف تجسد الدولة شعار “2016عامًا للشباب”؟! هل سوف تجسده كما جسدت شعار أن ثورة يناير، والتي اعترف بها الدستور المصري الجديد ذاته، هي ثورة الشباب؟!
تجسيد الدولة لشعار “ثورة يناير.. ثورة الشباب”، يمكن أن نعرفه من مطالعة قوائم المعتقلين والمقيمين في المنافي الإجبارية خارج الوطن، وقوائم من ماتوا في المواجهات مع الدولة ذاتها، منذ أحداث محمد محمود الأولى، وحتى الآن، مرورًا بأحداث الاتحادية وفض اعتصامَيْ رابعة والنهضة، حيث سنجد في هذه القوائم غالبية من شاركوا في أحداث ثورة يناير من النشطاء الشباب.
هذا أمر، الأمر الآخر المهم أن النظام حاليًا، ومن خلال قنواته الإعلامية يروج لفكرة أن أكثر من ثلث برلمان “ثورة” يونيو الجديد، هو من الشباب “المستقل” الذي لا ينتمي لأية قوى سياسية، ونزل إلى المعترك الانتخابي، وجاس في الدوائر، حتى نجح.
هنا لا بد من نقطة نظام لتوضيح الأمور، فالشباب الذي دخل مجلس الشعب، غالبًا، من الشريحة المؤيدة للشرعية التي أفرزتها 30 يونيو/ 3 يوليو، ولا توجد أصوات من شباب 25 يناير بداخل المجلس.
وهو مؤشر مهم للغاية يؤكد صحة نظرية أن للدولة “شباب وشباب”، أو كما تساءل الناشط إبراهيم الجارحي في “المصري اليوم”، يوم 11 يناير، أي بعد يومين من إعلان السيسي هذا: “أي شباب يا سيادة الرئيس؟”، فيلخص الجارحي، وهو من رموز الميدان في 25 يناير وما بعده، الموقف في العبارة التالية: “بدا لي أننا – نحن من ناحية والرئيس من ناحية – لسنا على اتفاق واضح عن الشباب الذي يقصده كل منا، فكل جانب له تصره عن الشباب، وهناك صورة ثالثة هي الحقيقة التي لا يراها أينا كاملة من زاويته”
وحتى على المستوى القريب للتفكير، وهو كيف ستجعل الدولة عام 2016، عامًا للشباب، فإن هناك خلل كبير في التصور، سيقود بكل تأكيد إلى خلل في التخطيط، ثم خلل في السياسات بطبيعة الحال.
فالشريحة العمرية المسماة بالشباب، والتي تمتد في الفترة ما بين سن 18 عامًا إلى 30 عامًا، ليست موحدة في مصر، لا على المستوى الفكري ولا الاقتصادي ولا السياسي، ولا تحتفظ بذات النصيب من التعليم وفرص العمل.
وهذا طبيعي، فهذه الشريحة هي جزء أصيل وضخم من المجتمع المصري الذي يعاني بشكل عام، من تمايزات في عملية توزيع السلطة والثروة، وكانت تلك واحدة من أكبر الأسباب التي اندلعت لأجلها ثورات الشباب العربي في العامين 2010 و2011.
فمصر قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير – وللآن للأسف – من المعروف أن الثروة والسلطة في يد نسبة لا تزيد على الـ 5% من أبنائها، من بينهم العاملين في قطاع القضاء والمؤسسة العسكرية، وهي مؤسسات تسيطر عليها الشرائح العمرية الأكبر سنًّا، مما اصطلح على تسميته بـ “دولة عبد الناصر”.
أي أنه فعليًّا، تُعتبر شريحة الشباب في مصر، قابعة في ذيل القائمة فيما يتعلق بتوزيع السلطة والثروة، وهو ما يعني استمرار بذور الثورة في التواجد داخل المجتمع، باعتبار أن هذه الشريحة العمرية – كما تقدَّم – توازي ما يقرب من ثُلُث المجتمع المصري.
وبنظرة أكثر دقة؛ فإنه وفق إحصائيات أصدرها جهاز التعبئة العامة والإحصاء، في أغسطس 2014، ووزارة الإسكان في أغسطس من العام 2015، فإن تعداد الشريحة العمرية الأقل من 30 عامًا، هي حوالي 62% من تعداد سكان البلاد، بينما الفئة العمرية ما بين 18 إلى 30 عامًا، أي الشباب “رسميًّا”، حوالي 23.5% من تعداد السكان في مصر.
التباين داخل هذه الشريحة واسع بالفعل، فهناك نحو 27.7% منهم يعانون الفقر، و24.1% يقتربون من خط الفقر، فى حين يمثل غير الفقراء 48.2% لذات الفئة العمرية.
هذا عن المستوى المعيشي، ونجد ذات التباينات داخل الشريحة الواحدة في سوق العمل؛ حيث تبلغ معدلات البطالة بين الشباب حوالي 29%، كما بلغت نسبة العاملين بعقد مؤقت 35.1%، فيما لا تصل النسبة سوى إلى 44.9% من هؤلاء المشتغلين بعمل دائم، أي أن أكثر من نصف تعداد شباب مصر عاطلون عن العمل أو معرضون لذلك، وتبلغ النسبة أشدها في أوساط الشباب الحاصلين على مؤهل جامعي فأعلى، بنسبة 36.4%، بينما تزيد هذه النسبة في أوساط الإناث إلى 57.2%!
ذات التباينات سوف نجدها في باقي القطاعات المرتبطة بالشباب، فحالات العنوسة أكبر في حالة الفقراء، وحالات الطلاق كذلك أكبر في حالة القاطنين في العشوائيات، وهكذا.
في المقابل، لا تراعي خطط الدولة ذلك، بافتراض حُسن النية فيها، فالرئيس المصري ووزراؤه لا يتحدثون سوى عن سياسات عامة، ولا تقترب من هذه الخريطة المتشابكة المعقدة لشريحة الشباب في مصر؛ فهناك تطوير مراكز الشباب، وهناك تطوير مناهج التعليم، ولكن ماذا عن مكافحة الفقر والبطالة، وتوزيع فرص العمل بالشكل العادل؟
فعلى سبيل المثال، فإن فرص العمل التي تعلنها الدولة، وتمويلاتها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، في الغالب تختص بها شريحة دون أخرى من الشباب، فهي لا تتضمن أي شيء يخص شباب العشوائيات، أو موظفي التعيينات المؤقتة، وتعداد هؤلاء بالملايين بالفعل.
أي أننا سوف نظل في ذات الحلقة المفرغة، هذا حتى لو كانت الدولة صادقة النية، كما ذكرنا، في تبنيها لشريحة الشباب في العام 2016.
ثم إن الإعلان مثير لبعض السخرية، فهل العام 2016، سوف يكفي لحل مشكلات الشباب؟! كلا بطبيعة الحال؛ فهي مشكلة تتعلق بثلث الشعب المصري بالكامل، ثم ماذا بعد 2016، هل سوف تعلن الدولة تخليها عن الشباب باعتبار أن “المهمة قد أُنْجِزَتْ”، بحسب تعبيرات العسكريين؟!
إن الإجراء الأول للدولة – بنظري – كان ينبغي أن يكون عبارة عن مبادرة للمصالحة مع الشباب، كل فئات الشباب، والإفراج عن المعتقلين والسماح لمن هم بالخارج منهم بالعودة إلى وطنهم للمشاركة في بنائه.
كما كان من اللازم اللازب، كما يقول النحويون في صيغ التشديد في اللغة العربية، أن يتم طرح خطة عاجلة لعلاج المظالم التي يواجهها بعض الشباب، كحالات كبيرة العدد، ولكنها خاصة بأصحابها، مع أجهزة الدولة.
فهذا ممنوع من السفر لاعتبارات أمنية، فضاعت عليه فرصة تعليم أو عمل جيدة، وهذا بينه وبين إدارة الكلية/ الجامعة التي درس أو يدرس فيها، مشكلات سياسية وأمنية، فلا يتم تعيينه كمعيد برغم أحقيته بذلك.
هذه الأمور وغيرها، بالرغم من أنها حالات فردية، إلا أنها تمثل قلبًا مهمًّا للأزمة، لأنها تخص عددًا معتبرًا من الشباب، وشريحة مهمة منه، وهي شريحة المتعلمين المستنيرين القادرين على الفعل والحركة، وهي شريحة إما أن تكون عونًا وساعدًا في بناء الوطن، أو تكون أحد أهم أسباب الفوضى والعجز فيه.
وفي الأخير؛ فإنه بكل تأكيد، ووفق الصورة الحالية، ووفق ما نعلمه من سياسات الدولة والواقع الاقتصادي لمصر، فإنه حتى لو خلُصَتْ النوايا – وهي غير خالصة كما يقول الواقع – فإن العام 2016 لن يكون عام الشباب المصري.