لا يبدو أن إسرائيل وافقت كليًا على اتفاقية الهدنة مع قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال على القطاع في شهر أغسطس عام 2014 والتي رعتها مصر نصًا بوقف الهجمات المتبادلة بين غزة وإسرائيل، إلا أنه ليس شرطًا أن يشن الجيش الإسرائيلي حربًا دموية فحسب، بل اتخذ لها بديلًا في صور عدة، شملت الحصار الاقتصادي والحرب النفسية، وآخرها الحرب الزراعية، فبداية من فرض القيود الاقتصادية والحصار الإسرائيلي من ناحية، والحصار المصري من جهة أخرى وإغراق الحكومة المصرية للأنفاق، وقع قطاع غزة بدون منفذ بري أو بحري أو جوي.
أعلنت السلطات الرسمية لوزارة الزراعة الفلسطينية عن الخطر الذي يهدد الكثافة السكانية في غزة بعد رش طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي المحاصيل الزراعية على الحدود الشرقية لغزة بالمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية، مخلفًا ورائه مساحة تالفة من المحاصيل الزراعية تبلغ 162 هكتارًا مع حدود غزة الشرقية مع إسرائيل، وهي المساحة التي تُمثل 17% من القطاع، بالإضافة إلى أنها تُمثل ثلثي مساحة الأرض الزراعية في غزة، مما يمثل خطرًا بالغًا على الأرض الزراعية بسبب تركيز السموم والمبيدات الحشرية التي تمّ رشها من قِبل الاحتلال، والذي أدى إلى بقائها بشكل مُركز في التربة، وبالتبعية أدى إلى تلف نسبة كبيرة من الأرض الخصبة الموجودة في القطاع.
لم يستهدف الاحتلال المحاصيل الزراعية فحسب، بل استهدف نظام الري الُمُغذي تلك المحاصيل بالماء، حيث دمر واحدًا من خزانات المياه في شرق خان يونس في منطقة الفراحين، والذي كلّف أصحابه ما يقرب الـ 15 ألف دولار لتأسيسه لتغذية مساحة كبيرة من المحاصيل بالماء.
ليست المرة الأولى لجيش الاحتلال بأن يهاجم المحاصيل الزراعية الخاصة بالفلسطنيين، فعلى مدار عامين حدث نفس الهجوم على المحاصيل الزراعية بغزة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تخرج طائرات الاحتلال على مستوى قريب من سطح الأرض وترشها بكميات كبيرة ومركزة من السموم على مدار أربعة أيام متواصلة، مما أدى إلى تلف أجزاء كبيرة منها وحرق البعض الآخر.
دفع الأمر مسؤولي وزراة الزراعة إلى اتهام إسرائيل بتكبيد المزارعين خسائر مالية فادحة، بالإضافة إلى تهديد الغزيين بنقص محتوى الاكتفاء الذاتي الخاص بهم من المحاصيل الزراعية، خاصة بأن المحاصيل التي تم تدميرها أغلبها محاصيل ورقية لا تشكل خطرًا على أمن إسرائيل كما أنها تبعد عن منطقة الشريط الحدودي، والتي يعتبرها الاحتلال منطقة معزولة بعمق 300 متر وتحرم إسرائيل الفلسطنيين من الاقتراب منها أو من زراعتها.
لا يشنّ جيش الاحتلال حربًا جوية فقط على المحاصيل الزراعية، بل هناك انتهاكات برية من قِبل الاحتلال يقوم بها عن طريق جرافات ودبابات تتوغل في عمق الأراضي الفلسطينية وتقوم بتجريف وتدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وبخاصة القريبة من الشريط الحدودي مع إسرائيل.
أعرب المزارعون عن قلقهم من ضياع أرضهم الزراعية لمدة طويلة من الزمن قبل أن تُصبح صالحة للزراعة من جديد، فمع تلك الكمية المُركزة والمرتفعة من المبيدات الحشرية والكيميائية، سيضطر المزارعون إلى الانتظار لعدة مواسم للمحاولة في زراعة أرضهم التالفة من جديد وإعادتها مرة أخرى للحياة بعد أن يزول مفعول المبيدات الحشرية منها.
في حرب أغسطس 2014، هاجمت القوات الإسرائيلية المحاصيل الزراعية وأدت إلى خسارة اقتصادية بلغت 550 مليون دولار نتيجة تدمير ما يقرب من 14.000 هكتار من المحاصيل، بالإضافة إلى محاصيل أخرى واجهت نفس المصير نتيجة عدم استطاعة المزارعين الوصول إلى أراضيهم بسبب الحرب.
قامت القوات الإسرائيلية منذ بضعة أيام بتدمير وحدة التجارب الزراعية في غزة، ليصل حجم الخسارة إلى 300.000 دولار تضمنت تدمير المعامل والأجهزة ومولد الطاقة، وكانت قوات الاحتلال قد دمرت تلك الوحدة الزراعية من قبل كليًا في حرب 2014، إلا أنها لم تزل تحاول تدميرها كلما بادرت في العودة للعمل من جديد، ليحكم الاحتلال قبضته في السيطرة على الجانب الزراعي في غزة، ويمنع الفلسطينين من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل، حيث أيد ذلك شاعر الريفي المسؤول عن الوحدة الزراعية قائلًا في حواره مع الجزيرة بأن الوحدة الزراعية تعمل بنسبة 30% من حجم عملها الطبيعي، ومع استمرار هجمات جيش الاحتلال عليها واستمرار فرضه للقيود الجمركية على استيراد الجرارات فستبقى الوحدة الزراعية خارج نطاق العمل لمدة طويلة من الزمن.
تواجه الزراعة في غزة مشاكل عدة منذ بداية أزمة الكهرباء في القطاع، والتي وصلت في أوجها إلى انقطاع للكهرباء يصل إلى 12 ساعة باليوم، مما يشكل صعوبة على المزارعين في توفير نظام ري منتظم للمحاصيل ويدفعهم للاعتماد على مولدات الطاقة التي تتسبب في إثارة أزمة جديدة عليهم وهي تكلفة وقود تلك المولدات.
من جانب آخر، يحكم الاحتلال الإسرائيلي قبضته على الصيد في غزة، حيث خصص عدة أميال بحرية (لا يتواجد فيها السمك بكثرة) للصيد لا يسمح بتعديها من قِبل الصيادين الفلسطينين وإلا سيواجهون اعتقال الاحتلال أو نيران الشرطة المصرية، كما حدث الشهر الماضي عندما شنت قوات البحرية الإسرائيلية حملة اعتقال لعشرة صيادين من عائلة واحدة يعملون في مهنة الصيد لسنوات رغم عدم تعديهم منطقة الصيد المسموحة؛ دفعت تلك القيود الصارمة على الصيد إلى ارتفاع نسبة استيراد الأسماك الإسرائيلية والتي غالبًا ما تكون من الأنواع الرديئة التي لا يأكلها الإسرائيليون.
بالإضافة إلى ذلك وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، قيودًا على حركة الشاحنات المحملة بالبضائع إلى غزة، تتمثل بمنعها من الحركة في أوقات معينة، بدعوى زيادة الأمن للمستوطنين خلال ساعات الذروة.
ووفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية فإن وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أصدر قرارًا يمنع الشاحنات المحملة بالبضائع إلى غزة، من الوصول إلى معبر كرم أبو سالم (التجاري الوحيد مع غزة) خلال ساعات الاكتظاظ؛ ما يعني أن مئات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية ومواد البناء والمنتجات الزراعية والوقود والغاز، ستواجه صعوبة في نقل البضائع إلى القطاع.