الانتقال الحلم
“النني يوقع لأرسنال”، تصدر هذا العنوان العريض صفحات معظم الصحف الإنجليزية والعالمية صباح الخميس 14 يناير الجاري، وذلك بُعيد إعلان مدرب الغانرز الفرنسي أرسين فينغر، إتمام تعاقد فريقه مع لاعب وسط بازل السويسري، في صفقة قُدرت قيمتها بـ 7 ملايين يورو، ليصبح المصري محمد النني عضوًا في كتيبة مدفعجية لندن، التي تتربع على صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز منذ نهاية مرحلة الذهاب، ولتنطلق بعدها عشرات آلاف التغريدات والمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً من مصر، محتفلةً بانتقال ابن مدينة المحلة الكبرى إلى أحد أكبر وأشهر أندية العالم، وراجيةً التوفيق له في محطته الاحترافية الجديدة.
حواري المحلة وأحلام الطفولة
النني في صفوف صغار النادي الأهلي
في حي “أبو شاهين” ضمن مدينة المحلة عاصمة محافظة الغربية بمصر، ولد محمد ناصر السيد النني في 11 يوليو 1992، لأب يحترف كرة القدم ضمن صفوف نادي بلدية المحلة، وأم عاشقة للساحرة المستديرة، لم تثنها صعوبة التنقل اليومي من المحلة إلى القاهرة، عن تحقيق حلم طفلها – ذي الـ 5 أعوام – باللعب للنادي الأهلي القاهري، فكانت تسافر معه يوميًا وتحضر تدريباته ضمن النادي، إلى أن غدا يافعًا ضمن صفوف ناشئي الأهلي، وحينها تعرض محمد لصدمة هزت كيانه وزعزعت استقراره، تمثلت بانتقال والدته إلى جوار الرفيق الأعلى، تاركةً ولدها ابن الـ 15 عامًا في حالة من الذهول والحزن، اعتكف على إثرها شهرين في منزله، ليعود بعدها إلى صفوف فريقه كليل الخاطر حزين الفؤاد، فتباغته صدمة أخرى تمثلت بقرار جائر من إدارة ناديه، يقضي بحل فريق الناشئين وتسريح جل لاعبيه، ومنهم محمد الذي وجد نفسه خارج النادي الأحمر الذي بنى حوله أحلامه الوردية، فلم يضعف ذلك من عزيمته، بل أوقد ما بداخله من روح التحدي لإثبات خطأ ناديه السابق، فانضم إلى نادي “المقاولين العرب” اعتبارًا من عام 2008، ولعب في صفوف ناشئيه حوالي عامين، قبل أن يتم تصعيده إلى الفريق الأول مطلع موسم 2010-2011، ولم يلبث كثيرًا حتى أصبح قطعةً أساسيةً في فريقه، فخاض 21 مباراةً في موسمه الأول سجل خلالها هدفين، و14 مباراةً في موسمه الثاني الذي لم يكتمل، بسبب توقف مباريات الدوري المصري اعتبارًا من 12 فبراير 2012، إثر أحداث ملعب بور سعيد المأساوية.
في صفوف منتخب الفراعنة
النني مع المنتخب المصري
النني مع المنتخب المصري
بعد موسمه الأول الناجح مع المقاولين، ضمه مدرب شباب مصر ضياء السيد إلى تشكيلة منتخب (تحت 20 عامًا)، التي خاضت كأس العالم للشباب في كولومبيا عام 2011، ومن ثم إلى تشكيلة المنتخب الأوليمبي (تحت 23 عامًا)، التي بلغت ربع نهائي أولمبياد لندن عام 2012، وقبل ذلك حظي النني بدعوة مدرب منتخب مصر الأول هاني رمزي، لتمثيل الفراعنة في مباراة تصفيات أمم أفريقيا أمام سيراليون في 3 سبتمبر 2011، ومنذ ذلك الحين حافظ صاحب الرقم 17 على مكانه الأساسي في جل مباريات المنتخب، ليصل عداد مبارياته الدولية إلى الرقم 39، وعدد أهدافه إلى 3، أولها أمام جامايكا في 4 يونيو 2014، خلال الودية التي انتهت بالتعادل 2-2.
بازل، ورحلة الصعود إلى القمة
بقميص نادي بازل السويسري
بعد خوضه 4 مباريات مع منتخب مصر الأوليمبي خلال أوليمبياد لندن صيف عام 2012، توجهت أنظار كشافة نادي بازل السويسري إلى الشاب محمد النني ذي الـ 20 ربيعًا، فتمت دعوته للانضمام إلى معسكر تدريبي للفريق، خاض خلاله معهم بعض المباريات الودية، حاز من خلالها على إعجاب المدرب مراد ياكين، فتم ضمه للنادي رسميًا في يناير 2013 بعقد إعارة مدته 6 أشهر، ليلتحق بصديقه وزميله في المنتخب المصري محمد صلاح، الذي سبق أن زامله كذلك في نادي المقاولين.
يوم 10 فبراير شهد المشاركة الأولى للنني مع فريقه السويسري، وذلك في الشوط الثاني من مباراته أمام سيون ضمن الدوري، الذي أنهاه فريقه متوجًا بلقبه، بعد خوضه 15 مباراةً ضمنه، إضافةً إلى 8 مباريات في مسابقة (اليوروبا ليغ) التي بلغ فيها فريقه الدور نصف النهائي، و3 مباريات في كأس سويسرا الذي بلغ مباراته النهائية، ليكون ذلك كافيًا تمامًا لإقناع إدارة ناديه بتوقيع عقد انتقال دائم معه لمدة 4 سنوات، وذلك في 30 يونيو 2013.
شهر أبريل 2014، شهد تسجيل النني أول أهدافه في القارة الأوروبية، حين أحرز رابع أهداف الفوز على زيوريخ، في الموسم الذي أنهاه فريقه متوجًا بلقب الدوري مجددًا، بعد أن خاض خلاله 32 مباراة، إضافةً إلى 4 مباريات في الكأس الذي بلغوا مباراته النهائية، و6 مباريات في دور المجموعات من دوري أبطال أوروبا، إضافةً إلى 6 مباريات أخرى في مسابقة اليوروبا ليغ التي بلغوا دورها ربع النهائي.
موسم 2014-2015، ورغم رحيل زميله صلاح ومدربه ياكين، كرس النني نفسه كواحد من أهم دعائم تشكيلة المدرب الجديد باولو سوزا، فقادهم للفوز ببطولة الدوري للمرة الثالثة تواليًا، من خلال مشاركته في 28 مباراةً وتسجيله هدفين، كما خاض جميع مباريات فريقه الـ 8 في الشامبيونز ليغ، التي بلغوا خلالها دور الـ 16، بعد تجاوزهم دور المجموعات على حساب ليفربول العريق، فضلًا عن تسجيله هدفًا في مبارياته الـ 5 التي خاضها في مسابقة الكأس، التي خسروا مباراتها النهائية مجددًا.
الموسم الحالي، بدأه النادي بتغيير مدربه ليصبح أورس فيشر، دون أن يؤثر ذلك على مكانة النني الذي أصبح نجم الفريق الأول، فقاده إلى صدارة الدوري مع نهاية مرحلة الذهاب بفارق 10 نقاط عن أقرب ملاحقيه، وذلك بإحرازه هدفين وصناعته للعديد منها خلال مشاركته في 16 مباراة، كما خاض 9 مباريات أوروبية، نجح من خلالها بقيادة فريقه إلى صدارة مجموعته وضمان التأهل إلى دور الـ 16 في اليوروبا ليغ، التي اختير كأبرز نجوم دور المجموعات فيها، بعد تسجيله هدفين ونجاحه في 161 تمريرة.
هل ينجح المدفعجي الجديد؟
محمّد صلاح لم يستمر طويلًا مع تشيلسي
في الـ 13 من يناير الجاري أصبح النني أول لاعب مصري يمثل الغانرز عبر تاريخهم (إذا استثنينا الحارس رامي شعبان الذي فضل تمثيل منتخب السويد)، ولكنه بالتأكيد لن يكون المصري الأول الذي يلعب ضمن الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ سبقه إلى ذلك عدة لاعبين، كأحمد حسام ميدو الذي قضى 6 مواسم في البريمير ليغ مع 4 أندية مختلفة هي: توتنهام، ميدلسبرة، ويغان، وويستهام، وعمرو زكي الذي لعب لويغان وهال سيتي، وأحمد المحمدي الذي لعب لسندرلاند، ومازال يلعب حاليًا لهال سيتي في الدرجة الأدنى، إضافةً إلى: حسام غالي، محمد شوقي، أحمد فتحي، محمد ناجي جدو، وإبراهيم سعيد، وجميعهم سبق أن خاضوا تجارب قصيرةً في الملاعب الإنجليزية لم يُكتب لها النجاح والاستمرارية.
وآخر تلك التجارب خاضها النجم محمد صلاح مع تشيلسي الموسم الماضي، ولم يكتب لها الاستمرار أكثر من 6 أشهر، فضل اللاعب بعدها الرحيل إلى إيطاليا نظرًا لندرة مشاركاته، وهذا ما لا نتمناه لابن المحلة الكبرى مع مدفعجية لندن، الذين أبدى مدربهم الفرنسي إعجابه بإمكانيات لاعب وسط فريقه الجديد، الذي يجيد بناء الهجمات لفريقه بقدر إجادته لإفساد هجمات الخصوم، ويمتلك القدرة على التسديد البعيد وتسجيل الأهداف فضلًا عن مجهوده البدني الوافر، وهي ميزات يحتاجها متصدر البريمير ليغ حاليًا في رحلته الشاقة نحو اللقب الغائب عن خزائنه منذ 12 عامًا، وخاصةً مع تعرض العديد من لاعبي وسطه الأساسيين لإصابات مختلفة، ككازورلا، كويكلين وويلشير، مما يدعم موقف النني للظفر بعدة فرص للمشاركة الفاعلة خلال الموسم الحالي، يتوجب عليه استثمارها كما يجب، ليكتب تاريخًا جديدًا عنوانه التألق والاستمرارية للاعبين المصريين في جنة البريمير ليغ.