لبى الرئيس الصيني تشي جين بينغ دعوة ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز لزيارة المملكة في 19 يناير، وتكللت الزيارة بعد يومين من المباحثات بين الجانبين إلى الارتقاء بعلاقتهما إلى الشراكة الإستراتيجية وتعزيز التعاون بينهما في ستة مجالات جاء ذكرها في بيان مشترك صدر يوم أمس الأربعاء تطرق إلى أوجه التعاون بين الرياض وبكين شملت مجالات سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وإنسانية وعسكرية وأمنية وفي مجال الطاقة ومكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.
وقد بدأ منحى السياسة الخارجية السعودية يشهد توجهًا لتوسيع علاقاتها مع الدول القطبية غير الولايات المتحدة الأمريكية بعد الاتفاق النووي الإيراني مع دول الخمسة +1، لذلك تنظر السعودية للصين كلاعب مهم على الساحة الدولية تتطلع لإقامة علاقة إستراتيجية طويلة المدى معها، ويأتي هذا التوجه على إثر ابتعاد السياسة الأوبامية عن الخليج وتوجها نحو إيران بعد عقد الاتفاق النووي وبدء سريان رفع العقوبات الأممية عن طهران مطلع هذا العام.
القلق السعودي من طهران لم يخفت بعد التطمينات الأمريكية لدول الخليج وبشكل خاص السعودية حول الاتفاق النووي، حيث جاء على لسان وزير الخارجية السعودية عادل الجبير تصريحات صحفية حول حق المملكة في “السعي لامتلاك القنبلة النووية إذا حصلت إيران على واحدة”، وقال إن رفع العقوبات عن طهران سيكون له تأثيرات سلبية إذا استخدمت إيران الأموال في “أنشطة شائنة”.
في حين رد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة على شاشة CNN على تصريحات الجبير عن نية السعودية امتلاك السلاح النووي إذا امتلكته إيران بقوله سيتم فرض عقوبات على السعودية كما فُرضت على إيران إذا فكرت بامتلاك السلاح النووي، وأضاف كيري: “لا يمكن لدولة شراء قنبلة نووية من السوق هكذا، لأن هناك الكثير من القوانين الخاصة بحظر الانتشار النووي، وسيكون هناك تداعيات كبيرة لأي خطوة من هذا النوع، والسعودية تدرك ذلك، وتعرف أن أمرًا مماثلاً لن يكون ممكنًا، ولن يكون أمرًا سهلاً؛ لأن المملكة عندها ستمر بكل الأمور التي مرت بها إيران وستخضع للتدقيق والتفتيش الدولي”.
الكاتب والباحث المتخصص بشؤون الشرق الأوسط جابر الصيادي قال لـ “نون بوست” معقبًا حول زيارة الرئيس الصيني ومن قبلها المكسيكي إلى المملكة إنها ” تسعى إلى توطيد علاقتها السياسية مع دول فاعلة على الساحة الدولية، لاسيما بعد الانكفاء الأمريكي وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني، وفي المقابل، تسعى الصين لتوسيع نطاق شراكتها الإستراتيجية مع دول منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص مع السعودية، كونها تشكل سوقًا مفتوحًا ومهمًا للصناعات الصينية”.
حملت الزيارة طابعًا اقتصاديًا، وأهم اتفاقية تم التوقيع عليها بين البلدين هي إنشاء مفاعل نووي ذي حرارة عالية يبرد بالغاز، ويرى الكاتب والصحفي السوري إيراهيم العلبي مصرّحا لـ “نون بوست” أن طابع الزيارة كان اقتصاديًا بامتياز، ففيما يبدو أن السعودية تسعى لاستمالة الصين وإبعادها عن النفط الإيراني من ناحية والاستفادة من خبراتها وإمكانياتها في مجال الطاقة النووية، كما أن السعودية تسعى أيضًا إلى التصعيد الدبلوماسي والسياسي ضد إيران يرافقه تحركات على المستويات الاقتصادية والإعلامية والعلاقات العامة”.
ويضيف العلبي لـ “نون بوست” أن “تمتين علاقة الخليج بأمريكا اللاتينية هو امتداد لإستراتيجية الدول الخليجية بقيادة الرياض لتوسيع آفاق التحالفات والعلاقات ولأن أمريكا اللاتينية ينظر إليها باعتبارها ساحة للنشاطات الإيرانية منذ عقود”.
ومن أجل حرمان إيران من تصدير نفطها إلى الصين سعت السعودية إلى تعزيز علاقات التعاون مع الصين في مجال الطاقة وأكد الرئيس الصيني وقوف بلاده إلى جانب السعودية بعد تقديرها للدور البارز الذي تلعبه المملكة لضمان استقرار أسواق البترول العالمية باعتبارها مصدرًا آمنًا وموثوقًا لتأمين واردات البترول للأسواق العالمية.
فيما يرى الصيادي أن “السعودية تحاول أن تتجاوز أزمتها الاقتصادية الناتجة عن تدهور أسعار النفط، بالبحث عن مصادر مالية أخرى، عبر بناء شراكات اقتصادية ومشاريع تنموية كما ظهر في زيارة الرئيس الصيني وقبلها الرئيس المكسيكي للمملكة”، حسبما أفاد لـ “نون بوست”.
وكان الرئيس المكسيكي “أنريكي بينيا نييتو” قد قام بزيارة المملكة العربية السعودية في 17 من هذا الشهر وأجرى الطرفان خلالها مباحثات وتم عقد 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرنامج تعاون فني بين حكومتي المملكة العربية السعودية والمكسيك في مجالات السياحة والتعاون الأمني وقطاع الطاقة وبرنامجًا للتعاون الفني في مجال المواصفات والمقايييس والجودة واتفاقيات عامة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتعليمية وغيرها حسب ما أوردته صحيفة اليوم الإلكترونية.
وتابع الرئيس المكسيكي جولته الخليجية إلى الإمارات وعقد عدة مباحثات مع نائب رئيس الدولة محمد بن راشد آل مكتوم وعقد عدة اتفاقيات تجارية واستثمارية مع الجانب الإماراتي.
الاتفاقيات الموقعة وطابع الزيارة مع الرئيس المكسيكي يُحاكي بشكل ما الزيارة والاتفاقيات الموقعة بين المملكة والرئيس الصيني، إذ أن هناك سعي حثيث ظاهر من جانب المملكة لاستقطاب شركاء دوليين وإعادة بناء الثقة وتطوير العلاقات الإستراتيجية للضغط على طهران في التأثير على اقتصادها وتقليص دورها الإقليمي بعد جرعة الأمل التي حصلت عليها من توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها.
من الزاوية الأخرى فإن كلاً من الصين أو المكسيك تمران بأزمات اقتصادية وتحاولان البحث عن شركاء دوليين في الخليج؛ فالصين تعاني من تباطؤ في النمو لم تشهده منذ ربع قرن، فعلى ثلاثة عقود حافظت الصين على معدلات نمو تقترب من 10% ومنذ عام 2010 بدأ الاقتصاد الصيني بالانكماش ما أدى لهبوط تدريجي في النمو حيث وصلت نسبة النمو في العام 2014 إلى 7.4% وفي الربع الثالث من العام الماضي سجل نموًا بنسبة 6.9%، ما أثار حفيظة المستثمرين وتسبب في موجة هلع في الأسواق أدت لانخفاضات في أسواق البورصات العربية والدولية حيث فقدت الصناديق السيادية السبعة الكبرى في العالم أكثر من 700 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام 2015 نتيجة للأزمة الصينية.
سبب المخاوف العالمية والعربية على وجه الخصوص من الأزمة الصينية أن الصين تعد ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم، فإذا انخفضت معدلات النمو لديها سيؤدي إلى تقليص طلبها للنفط وبالتالي هبوط أسعار النفط، كما أن الصين تعد أكبر مستهلك للعديد من المنتجات والسلع على مستوى العالم، وهي من جهة أخرى المستقبل الأول للاستثمارات الأجنبية على مستوى العالم حيث يشير تقرير الاستثمار العالمي 2015 إلى أنها تلقت نحو 129 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2014 كما أنها ثاني أهم دولة مصدرة للاستثمارات المباشرة بعد الولايات المتحدة حيث خرجت منها استثمارات مباشرة لدول أخرى بقيمة 116 مليار دولار عام 2014.
لذلك فهي تسعى هذا العام للقيام بمزيد من الاستثمارات في دول المنطقة العربية والأفريقية لتحفيز اقتصادها على النمو وإعادة الثقة إليه من قِبل المستثمرين المحليين والأجانب.
وبالمثل مع حالة المكسيك التي تعاني من انخفاض سعر النفط وعودة قوة الدولار الأمريكي التي ستساعد على خروج الأموال الأجنبية عائدة إلى الولايات المتحدة بعد أن ساهمت في نهضة المكسيك وغيرها من الدول الناشئة في الأعوام التسعة الماضية، فتوجهها إلى دول الخليج ينطلق من الانفتاح على العالم وتعزيز الروابط الاقتصادية مع بلدان الخليج العربي والعمل على استكشاف الفرص لبناء علاقات اقتصادية وتجارية مستدامة بينها وبين دول الخليج في مختلف المجالات، فبحسب كلام الرئيس المكسيكي في منتدى الأعمال الإماراتي المكسيكي فإن المكسيك وقعت اتفاقيات تجارة مشتركة مع11 دولة وبالتالي فإن التصدير للمكسيك يتيح فرصا لنحو 46 سوقًا مختلفة والوصول إلى 140 مليون مستهلك.
في النهاية الزيارات التي قامت بها كل من الصين والمكسيك إلى دول الخليج العربي في مقدمتها السعودية تقوم على أساس المصلحة الاقتصادية المتبادلة للطرفين، فكل طرف يحتاج الطرف الآخر لتعزيز اقتصاده بسبب ما يحيط به من مشاكل اقتصادية كل حسب بلده.