بعد أكثر من 35 جلسة برلمانية فاشلة لانتخاب رئيس ماروني – بحب الدستور اللبناني- ، للترشح لمنصب الرئاسة الشاغر بلبنان منذ 20 شهرا، وفي ساحة سياسية لم تعرف يوما الهدوء خلال العقود الثلاثة الأخيرة، جاءت قنبلة “جعجع – عون” لتهز ما بقي من كيان دولة كانت حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي قبلة العالم.
سفن الحريري ورياح جعجع
وعلى الرغم من عداوة “جعجع – عون” القديمة، والتي شهدت أوجها خلال الحرب الأهلية اللبنانية منذ منتصف السبعينيات، وحتى أوائل التسعينيات، إلا أن محاولة سعد الحريري، زعيم تيار “المستقبل”، ورئيس الحكومة السابق، الموالي لجعجع، فرض اسم رئيس تيار “المردة”، النائب سليمان فرنجية، الذي يكرهه جعجع وعون أكثر من كرههما لبعضهما، جعل تقارب العدوين بمثابة رد الصفعة للحريري، وكتلته الموالية للسعودية والمناهضة للنظام السوري وحزب الله.
توطئة إيرانية
برؤى المحللين، فقد جاءت مفاجأة سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، وأحد مناهضي نظام الأسد، وأبرز المشاركين في الحرب الأهلية، بتنازله عن الترشح للرئاسة لعدو الأمس ميشيل عون، العسكري السابق ورئيس التيار الوطني الحر، الموالي لحزب الله اللبناني والنظام السوري، لتهز كيان الدولة، وتنبئ بحرب أهلية جديدة، قد تأتي على ما تبقى من البلاد، في ظل فورة إيران بالمنطقة بعد الاتفاق النووي الأخير، ورغبتها في توطئة أقدامها عبر حليفها حزب الله، لتصبح لبنان نقطة انطلاقها للزيادة من الهيمنة على الوضع العراقي، ودعم موقف الحوثيين باليمن، وتوطئة لميليشياتها بالعراق، وبالطبع سوريا.
تهميش السنة
“شعلة الحرب الأهلية”، كما يصفها السياسيون، ستكون لها أبعادا خطيرة على المنطقة في حال نجاح وصول “عون” لكرسي الرئاسة، والذي لن يكون صعبا على الإطلاق، كونه يتطلب أغلبية برلمانية يمكن تحقيقها بسهولة في حال اتفقت التكتلات المسيحية جنبا إلى جنب مع باقي نواب الكتل الصغيرة المهمشة، وسينصب تأثيرها أولا على الكتلة السنية بالبلاد التي ستعاني مزيدا من التهميش، إذا ما تخلت عنها قوى 14 آذار المتوقع تفككها بعد أزمتها الأخيرة، في دولة يمم كل سياسيوها وجوههم شطر قبلتهم الإقليمية والخارجية، مديرين أظهرهم للدولة وحقوقها، وهو ما يعني خسارة فادحة لمعارضي النظام الإيراني بالمنطقة وبالأخص المملكة العربية السعودية.
قرارات مصيرية
ما يدعم سيناريو الأزمة المقبلة عليها لبنان ودول المنطقة، كون الرئيس في الدولة ذات الأبعاد الطائفية الممزقة ليس شرفيا كما يظن البعض، فمن حقه تفويض رئيس الحكومة لاختيار وزراء بعينهم، بل وفرض بعضهم الآخر، واقتراح قوانين، يمررها نواب كتلته ووزراءه الموالون له، حتى أن قرارات وموافقات هامة تحدد مصير الدولة يتدخل فيها الرئيس بشكل غير مباشر عبر كتلة وزراءه، أهمها قرار الحرب، والميزانية، وهو ما يعني وضع مزيدا من الزيت على النار المشتعلة بالمنطقة.
تفكك 14 آذار
وجهة نظر مغايرة ترى أن خسارة “الحريري” الموالي للسنة، لـ “جعجع”، بعد خسارته لـ”عون” ، وبالطبع حزب الله، تزيد الاحتقان الطائفي على رقعة الشطرنج اللبنانية، خصوصا مع استعار الأزمة بين الرياض وطهران، وستكون هناك تغييرات دراماتيكية بالمشهد اللبناني والإقليمي ككل، أولها تفكك قوى 14 آذار، وضياع آخر الداعمين للكتلة السنية بالداخل اللبناني، وربما عدم التوافق على شغل منصب الرئيس.
تاريخ أسود
ما يدعم تلك الفرضية برؤى المراقبين أن حزب الله هو اللاعب الفاعل حاليا بالساحة اللبنانية، ما يعني أن الحرب السعودية – الإيرانية، مقدر لها أن تنتقل بشكل وقتي من الساحتين السورية واليمنية، للأراضي اللبنانية، الجاهزة فعليا – بحسب تاريخ الطائفية الأسود بها – لاستقبالها، الأمر يوحي بأزمة جديدة كالتي أطاحت برفيق الحريري، بالقوة من الساحة عبر الطرفين الجديدين الآن “طهران – الرياض” بخلفية “روسية “، قد تتسبب في تأجيل التوافق على الانتخابات الرئاسية، وبقاء الفراغ السياسي الذي تنشط خلاله مشاعل الأزمة الطائفية المرتبطة بالمصالح الإقليمية.
هل خسرت السعودية؟
والسؤال الذي يؤرق الساحة الآن هو .. هل خسرت السعودية معركتها السياسية في لبنان مع إيران، وما هو الدور المستقبلي للدولة الفارسية صابة صولجان الطائفية بالمنطقة؟..
الإجابة على السؤال تنتظر تحركات لاعبين آخرين غير تحالف “جعجع – عون” أو “الحريري – فرنجية”، أو حتى “حزب الله – إيران” بلبنان، واللاعبان هما رئيس البرلمان نبيه بري، وقائد الدروز بالبلاد وليد جنبلاط، ما يمكن أن يؤثر في حصول أي من المرشحين الرئاسيين على دعم ومباركة ثلثي البرلمان، التي تسمح لأي منهما الوصول إلى قصر بعبدا، وهو ما ستجيب عنه تحركات جميع الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية خلال الأيام القادمة، التي ستحدد هوية الرئيس الجديد، وهي الحالة التي ستشعل المنطقة طائفيا أيا كانت نتيجة تلك الانتخابات.