مع انتشار عدة تقارير تفيد بأن تركيا تستعد لتأسيس قاعدة عسكرية لها من أجل تدريب الجيش الصومالي المكون من 10 آلاف و500 جندي وهو العدد الذي سمحت به الأمم المتحدة وأن انطلاق هذا المشروع سيكون في الصيف القادم وعلى دفعات متتالية قوام كل منها 500 جندي. فإن تركيا تهدف في هذا الخصوص إلى تقوية ذراعها العسكرية والأمنية في أفريقيا وخاصة في الأماكن الاستراتيجية فيها و تسعى للوصول إلى أسواق جديدة لسلعها العسكرية وصناعاتها الدفاعية .
ويشار إلى أن الإعلان عن هذه الخطوة يأتي بعد أن وقعت تركيا اتفاقا مع قطر في مجال التدريب قبل عام تقريبا في مجال التدريب والمناورات وتواجد متبادل للقوات وهذا يجعلنا نرى في هذه التحركات تفعيلا لبعد جديد في السياسة التركية الذي كان يعتمد على القوة الناعمة في الغالب كما يجعلنا نفكر فيمن تكون الدولة القادمة التي ستقوم تركيا معها بخطوة مشابهة .
في الحقيقة لم يبدأ الاهتمام التركي بأفريقيا بعد تدهور أوضاع دول الربيع العربي أو بعد تعثر سياسة صفر مشاكل مع الجيران التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ قدومه ولكن بالتأكيد ازداد النشاط التركي في القارة السمراء وتحديدا في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية.
وفيما يلي لمحة عن مراحل العمل التركي في أفريقيا
بداية الانفتاح التركي على إفريقيا 1998
إعداد استراتيجية تركية لتطوير العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا2003
إعلان عام إفريقيا في تركيا، وانضمام تركيا كعضو مراقب للاتحاد الإفريقي2005
قمة التعاون الإفريقي-التركي الأولى2008
المنتدى الإعلامي التركي-الإفريقي2012
قمة التعاون الإفريقي-التركي الثانية2014
قمة التعاون الإفريقي-التركي الثالثة ستُعقد في 2017
وقد عملت تركيا في مستويات متعددة من ضمنها المستوى الدبلوماسي وتفوقت على مستوى الدعم الانساني والإغاثة والتنمية أيضا ودعم المؤسسات الدينية هناك ولقيت سياستها بشكل عام ترحيبا كبيرا خاصة في الصومال وذلك لأن تركيا ليس لها ماض استعماري في أفريقيا وهي كذلك تطرح العلاقة مع أفريقيا على أنها باتجاهين وليست علاقة ذات اتجاه واحد كما فعلت وتفعل فرنسا على سبيل المثال.
أما فيما يتعلق بالصومال فهي تحظى بموقع استراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وكونه ممرا رئيسا للطاقة والتجارة وكذلك تجاور الصومال أثيوبيا الحبيسة ذات الأهمية الكبيرة خاصة فيما يتعلق بالمياه ومنابع نهر النيل ولهذا اهتمت تركيا كثيرا بالصومال حيث كان أردوغان أول رئيس وزراء يزور الصومال خلال عقدين وكان ذلك في 2011 وعاد ليزورها في يناير 2015 .
وقد عولت تركيا على الماضي العثماني في الصومال والذي استمر لمدة 350 سنة وقد بدا منذ البداية كما يقول الباحث مهمت اوزكان والخبير بالشأن الافريقي أن علاقات تركيا مع الصومال لن تكتفي بكونها علاقة اقتصادية فحسب بل ستمتد لتشكل قوة سياسية مستقبلية. وقد كانت تركيا تؤكد أنها لم تأت إلى القارة من أجل الاقتصاد فحسب بل من أجل التنمية والمشاركة. إن تركيا تُولِي الصومال أهمية كبيرة من الناحية الإنسانية والتنموية، وقد أسهمت في إعادة إعماره ولكنها أيضًا تستفيد من هذا في أبعاد أمنية واقتصادية. وقد اتخذت علاقاتها مع الصومال مفتاحًا لتقوية العلاقات مع إثيوبيا من جهة، ومن جهة أخرى لتعزيز تواجدها في مقابل النفوذ الإيراني قبالة السواحل الصومالية.
ولا يبالغ باحث تركي آخر عندما يقول في تقييمه للعلاقات التركية الصومالية أن الانفتاح التركي تجاه أفريقيا عبر الصومال يأتي في المرحلة الثانية بعد الجمهورية التركية القبرصية من حيث الأهمية.
وقد واجهت تركيا عددا من الصعوبات في الصومال فقد حصلت تفجير في محيط السفارة التركية في الصومال عام 2013 والذي قُتل فيه شرطي تركي إضافة لحادثة مقتل إحدى طياري الخطوط الجوية التركية.
كما أن تنامي نشاطات حركات موصوفة بالإرهاب مثل بوكو حرام أو الشباب يهدد مصالح تركيا، لذا كان من المرجَّح أن تظل تركيا دافعة نحو مزيد من الاستقرار والتوازن في هذا الإقليم عبر تكريس وجودها الأمني
وقد سعت تركيا منذ البداية للعمل على تأمين مشاريعها الكبيرة في الصومال مثل ميناء مقديشيو الاستراتيجي التي تقوم عليه منذ 2011، وتتكفل بصيانته وتديره شركة التركية بشكل كامل، فضلا عن استثمارات تركية تصل إلى 600 مليون دولار أمريكي في قطاعي الصحة والتعليم.
وقد سعت تركيا أيضا في تطوير المجال الأمني مع غيرها من الدول الأفريقية فوقعت اتفاقيات أمنية مع كينيا وأوغندا وتنزانيا لتدريب قوى الأمن لمكافحة الإرهاب
انعكاسات التواجد العسكري
ذكرت بعض التقارير أيضا أن دولا عدة ستنزعج من هذه الخطوة التي أعلنت عنها تركيا وخاصة من الدول الإقليمية مثل الإمارات ومصر وإيران والسعودية بحجة أن ذلك سيؤثر على أمنها القومي فهم لا يرون في الأمر كونه مجرد تدريب يقوم عليه 200 عسكري بل يرونه خطوة من ضمن عدة خطوات لتكريس التواجد العسكري التركي في واحد من أهم الاماكن الاستراتيجية خاصة أن تجربة تركية مماثلة قد تعرضت لموقف عربي معارض في العراق ومن جامعة الدول العربية .
كذلك الحال فإن إيران المتهمة بتزويد الحوثيين بالأسلحة انطلاقا من موانئ أفريقية بالتأكيد تشعر بالتهديد من هذه الخطوة وكذلك الحال فإن اسرائيل التي كانت تعتبر نفسها الذراع الأمني الأقوى في تلك المنطقة هي الاخرى تشعر بالاستياء. ولعل هذه الخطوة تشعل التنافس من جديد في أفريقيا بين المتنافسين الإقليميين.
وفي الحقيقة وبالرغم من أن الخيارات ليست كثيرة لكننا نرى تدخلا عسكريا محدودا لتركيا في سوريا ومحاولات في العراق واتفاق مع قطر والصومال وهي يبدو ناتجة من قناعات يفرضها واقع المنطقة الحافل بالتدخلات من روسيا وايران وهذا يشير بإمكانية حدوث تطورات تدريجية على المستوى العسكري التركي في الخارج.