تعتبر الطاقة النووية ثاني أكثر الأنواع التي يتم الاعتماد عليها لتوليد الطاقة في العالم، وذلك بعد الوقود الاحفوري، حيث أن حولي 20% من منتوج الطاقة الكهربائية يأتي من إنقسام الذرات، تلك الطاقة ذاتها التي تعطي القنبلة الذرية قوتها المدمرة، وعلى الرغم من أننا نستطيع توليد الكثير من الطاقة من محطات توليد الطاقة النووية، ولكننا مع ذلك لا نبدو حريصين جداً على استخدامها، فلماذا؟
تبعاً لـ(ديريك مولر)، وهو مقدم برنامج (veritasium)، يبدو بأن الطاقة النووية بدأت مؤخراً بالإنحطاط، فعلى الرغم من أننا كنا نعتقد سابقاً بأننا في طريقنا للوصول إلى مجتمع مثالي يمتلك مخزوناً لا متناهياً من الطاقة، إلّا أن هذا المستقبل تبين بأنه بعيد المنال.
ولكن ما الذي حدث، وكيف تحول هذا الحلم بالحصول على الحل الأمثل لمشكلة توليد الطاقة إلى رعب يخشاه الكثيرون؟
يبدو بأن هناك الكثير من الرعب الذي يحيط بقصة الطاقة النووية في هذه الأيام، ولكن الأمر لم يكن كذلك دائماً، فمنذ فترة طويلة، كان هناك العديد من الأشخاص الذين يعتقدون بأن الطاقة النووية قادرة على حل جميع مشاكل الطاقة لدينا، ففي عام 1954، أشار (لويس ستراوس) رئيس لجنة الطاقة الذرية في الولايات المتحدة، إلى أن الطاقة النووية ستكون قادرة على توفير الطاقة بأسعار رخيصة جداً، ولكن الحقيقية هي أن الأمر هو أكثر تعقيداً مما أشار إليه (ستراوس).
على الرغم من أن توقعات (ستراوس) لم تتحقق، إلّا أنه وبالنظر إلى الكيفية التي تعمل بها محطات توليد الطاقة النووية، فإنها من المفترض أن تكون قادرة على حل جميع مشاكل الطاقة لدينا، لتوضيح هذا الالتباس، دعونا نطرح سؤال آخر، كيف تعمل محطات توليد الطاقة النووية؟ وكيف يمكننا الحصول على الطاقة من الذرات؟
الفكرة الأساسية من الطاقة النووية، هو أن هناك عناصر ذراتها غير مستقرة، وأفضلها هو اليورانيوم، وبشكل أكثر تحديداً أحد نظائر اليورانيوم الذي يدعى (يورانيوم 235) حيث أنه يمتلك 235 بروتوناً ونتروناً ضمن ذراته، وهو من الذرات الكثيفة، بل هو أحد أكبر الذرات التي توجد على سطح الكرة الأرضية، وهو كبير لدرجة أن حقل الطاقة الذي يبقي الذرة متماسكة مع بعضها، بالكاد يستطيع القيام بذلك، لذلك، فإن ما يحدث عند إضافة نيترون إضافي هو أن ذرة اليورانيوم تنقسم إلى نصفين، وخلال العملية فإن الحقل القوي الذي يحيط بالذرة يصبح أكثر قدرة على الإحاطة بكل من الذرتين المنفصلتين، ويقوم بضغطهما، مما يؤدي إلى جعل وزنهما أخف من وزن الذرة الأصلية، لذلك فخلال عملة الإنقسام، يتحول جزء من كتلة الذرة إلى طاقة.
اعتماداً على قانون اينشتاين (E=MC2)، حيث تشير (E) إلى الطاقة، و(M) إلى الكتلة و(C) إلى سرعة الضوء، والذي يخبرنا بأن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء، فإن هذا يعني أساساً بأن مقدار ضئيلاً من الكتلة يمكن أن يولّد كمية هائلة من الطاقة.
يضيف (مولر) بأن كريات صغيرة من اليورانيوم، لا يتجاوز حجمها حجم الممحاة التي تكون موجودة على رأس قلم الرصاص، يمكنها أن تولد طاقة مساوية للطاقة التي تولدها شاحنة من الفحم الحجري.
هذه الطاقة تستخدم لتوليد البخار الذي يعمل بدوره على تشغيل التوربين الذي يدور المولد الذي يعمل على توليد الطاقة الكهربائية، وهذه هي الكيفية التي تعمل بها محطة توليد الطاقة النووية باختصار.
ولكن مع أن الأمر بسيط لهذه الدرجة، لا تزال أسعار الطاقة مرتفعة حتى الآن، كما أننا لا نرى الكثير من محطات توليد الطاقة النووية المنتشرة هنا وهناك، فلماذا؟
حوالي 10% من مصادر الطاقة في العالم تأتي من محطات توليد الطاقة النووية في الوقت الحالي، ولكن هذه النسبة كانت أكبر قبل حوالي عقدين من الزمن، حيث وصلت النسبة آنذاك إلى 18%، ولكن عقب الذروة التي وصلت إليها الطاقة النووية ذاك الوقت بدأنا نرى دولاً مثل ألمانيا وهي تغلق معظم محطات توليد الطاقة النووية لديها، ولم يعد هناك من يحبذ فكرة استخدام الطاقة النووية بعد الآن.
هذا يدفعنا إلى التساؤل، هل الطاقة النووية آمنة حقاً؟
بحسب (مولر)، فإن الطاقة النووية تكون آمنة جداً بحد ذاتها عندما يكون كل شيء يعمل بشكل جيد، فليس هناك سوى القليل من الإشعاع الذي ينطلق من المحطات، وفي الواقع الأشخاص الذين يعيشون على مقربة من محطات توليد الطاقة النووية يكونون أقل عرضة للإشعاع من الأشخاص الذين يقطنون بالقرب من محطات توليد الطاقة من الفحم الحجري، فعند حرق الفحم يكون هناك بعض الذرات المشعة فيه، وهذه الذرات تنتشر في الغلاف الجوي، وبهذا يكون توليد الطاقة النووية أقل أشكال توليد الطاقة التي يمكن أن تعرضنا للإشعاع.
في الواقع، عزت دراسة تم إجراؤها في عام 2014، 7500 حالة وفاة سنوياً في الولايات المتحدة إلى التعرض للجزيئات الدقيقة الناتجة عن مصانع الفحم الحجري، وذلك على الرغم من أن تلك المصانع كانت تعمل بشكل جيد، لذلك وعلى الرغم من أن هناك عدد من الأشخاص الذين ماتوا بالفعل بسبب التعرض لإشعاع محطات توليد الطاقة النووية، جرّاء حدوث خطأ ما في المحطة، إلّا أن عدد هؤلاء الأشخاص قليل جداً إذا ما قورن مع عدد الأشخاص الذين توفوا نتيجة للتعرض لمخلفات مصانع الفحم الحجري، كما أن محطات توليد الطاقة النووية لا تطلق ثاني أكسيد الكربون، ولذلك فهي لا تساهم في تغيّر المناخ، لذلك يبدو بأن الطاقة النووية أكثر صداقة للبيئة من الوقود الاحفوري.
على الرغم من أنه كان يعتقد سابقاً بأن الطاقة النووية ستستبدل الوقود الأحفوري، إلّا أن هذا لم يحدث، والسبب في ذلك يعود جزئياً إلى أن إنشاء محطات الطاقة النووية يكلف الكثير من الأموال، فعندما تم البدء في بناء المحطات في خمسينيات القرن الماضي، توقفت بناء معظمها قبل بلوغ المرحلة النهائية جرّاء تكلفتها الباهظة، وهذه التكلفة ناجمة عن وسائل الأمان والعزل الواجب بناءها ضمن المفاعل للحفاظ على كامل الإشعاع ضمن المنشأة وتأمين عدم تسرب أي منه إلى الخارج، إلى جانب تدابير الأمان التي يجب أن تضمن أمن الأشخاص الذين يعملون في محطة الطاقة النووية، أو الذين يتعاملون مع المواد النووية، وهناك حاجة كذلك لإيجاد مكان آمنة لتخزين النفايات النووية، والتي غالباً ما يتم دفنها تحت الأرض بعيداً جداً عن متناول الأشخاص.
إن النفايات النووية يمكن أن تبقى مشعة لفترة طويلة من الزمن، ولكن هذه الصفات ليست هي ما يقف وراء عدم بنائنا للمحطات النووية، بل خوفنا من هذه الطاقة بحد ذاتها، وخاصة بعد الدمار الذي أنتجته التجارب النووية التي شارك فيها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فعلى الرغم من أن تلك القنابل كانت يجب أن يتم تجربتها في المناطق النائية، إلّا أن الطقس الجوي الذي لم يكن بالإمكان التنبؤ به، والطبيعة غير المعروفة للقنابل، أديا إلى وقوع عدد قليل من الحوادث، حيث تعرض أشخاص وقرى بأكملها للإشعاع النووي.
هناك أيضاً احتمال آخر يكمن في انفجار محطة توليد الطاقة النووية، وعلى الرغم من أن هذا نادراً ما قد يحدث، إلّا أن التاريخ علمنا بأنه عندما يحدث، لا تكون نتائجه جميلة جداً، ففي عام 1986 أدى انفجار مفاعل تشرنوبل في الاتحاد السوفياتي لنشر سحابة من الإشعاع فوق كامل أنحاء الاتحاد السوفييتي وأوروبا، وخلال هذه الحادثة، التي تعتبر الأسوء في تاريخ الطاقة النووية، لاقى 31 شخصاً حتفهم، وأصيب الكثيرون غيرهم بالسرطانات في وقت لاحق بسبب الإشعاع.
ولكن بعد تشرنوبل، ورغم أن أغلب الأشخاص لم يتصوروا وقوع هذا الحادث مرة أخرى، مرجعين حصول هذا الحادث لسوء التصنيع أو عدم أخذ تدابير السلامة الكافية، ولكن فجأة اجتمعت ظروف رهيبة، ليضرب الساحل الياباني في عام 2011 زلزال بقوة 9 درجات، ويتسبب بحدوث تسونامي يضرب بدوره محطة فوكوشيما النووية ويؤدي إلى تخريب نظام التبريد في المحطة مما يتسبب في انفجارها وانتشار الإشعاع في جميع أنحاء المكان، مما أجبر جميع الأشخاص والمجتمعات التي كانت تسكن المنطقة لإخلائها.
على الرغم من أن انفجار مفاعل فوكوشيما النووي لم يسفر عنه أي وفيات بشكل مباشر، إلّا أنه كان هناك العديد من الوفيات والعديد من المجتمعات الممزقة التي نتجت عن الحادث، وذلك بعد اضطرار السكان لترك منازلهم وترك أماكن عملهم بسبب هذا الانفجار.
أخيراً، وفي الإجابة عن سؤال هل الطاقة النووية جيدة أم سيئة، يمكن القول بأن خوف البعض من هذا النوع من الطاقة يلقى صداه في بعض الأمور، ولكن مع ذلك، فإن معرفة ماهية الطاقة النووية ومعرفة المخاطر التي يمكن أن تعرضنا لها هذه الطاقة قد يقلل من احتمال تعرضنا لها في المقام الأول.