منتدى دافوس: العالم على استحقاق ثورة صناعية جديدة

davos21

يُقام المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية هذا العام في أجواء استثنائية تحيط بالعالم من أزمات ومشاكل اقتصادية واهية وجدت عناوينها في أجندة قادة العالم لتدارسها والنقاش حولها بمشاركة نحو 2500 شخصية من كبار الساسة والمدراء التنفيذيين والخبراء.

أبرز الملفات التي تحوز اهتمام القادة هذا العام أزمة الهجرة والإرهاب وتراجع النمو في الصين والتغير المناخي، ولكن ما أثار انتباهي هو موضوع “الثورة الصناعية الرابعة” التي تستأثر على الأهمية العظمى بين بقية الموضوعات الاقتصادية مع أهمية البقية التي ستضم أيضًا هبوط أسعار النفط العالمية وتقلب الأسواق المالية بمشاركة رؤساء كبرى الشركات والشركات الناشئة والمؤسسات الاقتصادية العالمية.

يُقصد ب”الثورة الصناعية الرابعة”  بدء استخدام أجهزة ذكية ذاتية الحركة (الروبوت الآلي) بشكل أوسع في كل المجالات مثل طائرات بدون طيار، وسيارات ذاتية القيادة، وخطوط الإنتاج الذكية، وتقنيات النانو، وسلسلة البلوكات وغيرها من الاكتشافات والابتكارات العلمية التي يزخر العالم بها هذه الأيام.

تأتي هذه الثورة كحصيلة للإنجازات العلمية التي تحققت في العالم في العقود الماضية في مجال الإبتكار التقني والذكاء  الصنعي واتساع مجال تطبيقه في الحياة العامة.

ألمانيا كانت مبادرة في إطلاق هذه الثورة بعد استخدامها نظام الأتمتة الصناعية والتقليل من عدد الأيدي العاملة بحيث يقتصر الدور البشري في الصناعة على المراقبة والتدقيق فقط.

إيجابيات هذه الثورة أنها ستوفر فرصًا واسعة للمجتمعات البشرية كي تحقق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية بتخفيضها لتكاليف الإنتاج إلى أقل مستوى ممكن، وتأمين خدمات نقل واتصالات تجمع بين التقنية العالية والتكلفة الأخفض، ومن الإيجابيات أيضًا المساهمة في الرعاية الصحية علمًا أن الآلات تستخدم الآن في العديد من العمليات الجراحية بينما مهمة الطبيب هي تلقين تلك الآلات المهمة التي يجب القيام  بها ومن ثم المراقبة والتقييم وانتظار النتيجة.

أما السلبيات فأخطرها انتشار البطالة حيث تؤكد تقديرات لخبراء اقتصاد أن أتمتة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل إلى حدود 50% تضر بالدرجة الأولى الفئات المتوسطة والدنيا من الأيدي العاملة التي لا تحتاج إلى خبرات علمية وتقنية عالية، وثاني سلبية هي أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى اضمحلال دور الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم لتحل محلها الشركات الكبرى، بينما تعتمد الاقتصاديات المتقدمة على الشركات المتوسطة والصغيرة التي تخلق فرص عمل جديدة وتسهم في خفض معدل البطالة.

في مؤتر صحفي عُقد في جنيف يوم 13 يناير الجاري أي قُبيل بدء الإجتماع السنوي في دافوس، دعا “كلاوس شفاب” الرئيس المؤسِس للمنتدى الاقتصادي العالمي قادة العالم إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الراهنة بغية استيعاب التبدلات المُقبلة. “نحن لسنا مُهيأين بما يكفي للتعامل مع هذه الثورة الصناعية الرابعة وما ستُحدثه من تغييرات في جميع نواحي الحياة ستجتاح كافة المجتمعات كالتسونامي، وتُغِّير أنظمة بأكملها” كما قال. وأضاف:”أخشى أننا إذا لم نكن مُستعدين كما ينبغي، فإننا سنخلق عالماً تُجَمَّد فيه الطبقة الوسطى على وجه الخصوص، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ظهور مشكلة إقصاء إجتماعي جديدة، وهو ما يجب علينا تفاديه قطعاً”.

في المقابل يرى مراقبون أنه من شأن “الثورة الصناعية الرابعة” خلق مزيد من فرص العمل ولكنها قد تكون من نوع آخر حيث ستحتاج الأجهزة الذكية الذاتية الحركة لمن يصممها ويبرمجها وينتجها ويصلحها إذا تعطلت كما أنه ستكون هناك قاعدة بيانات كبيرة تتطلب احترافية من قبل بني البشر لبرمجتها وتحليلها لكي تكون صالحة للاستخدام.

والحقيقة أن هناك الكثير من المصانع والشركات في بلدان مثل سويسرا وألمانيا كانت بالفعل قد استبدلت العمال المدربين على عملية التجميع اليدوي لتسيير هذه العمليات آليًا، وبحسب موقع  swissinfo.ch  فإن هذا الوضع ليس جديدًا فقد اختفت مواقع إنتاج في مدن صناعية في كانتون زيورخ في سويسرا منذ مدة طويلة لكن مستويات العمالة ظلت قوية حيث سجل معدل البطالة في تلك المناطق عام 2015 نسبة 3.3%.

الطريف في الموضوع أن المنتدى سيفسح مجال للنقاش في مسألة ماذا لو تم استخدام الروبتات في الحروب كما نشاهد في الأفلام؟ والخطير في الموضوع أيضًا هو ماذا لو استطاعت الجماعات الإرهابية اختراق أنظمة حماية المعلومات للروبوتات واستخدامها في العمليات الإرهابية.  

الروبوت هوبو HUBO الكوري جنوبي جذب انتباه حضور دافوس

السؤال الأهم الآن والذي يهم الناس في الحياة اليومية هو كيف ستسير الأعمال في عصر الروبوتات الذكية؟

من الممكن أن يحل الروبوت الآلي في مراكز خدمة العملاء وبدل النادل في المطعم، أو موظفي خطوط الإنتاج في المصانع وبدل الممرض في المراكز الصحية، وكثير من الأعمال التي تعتمد على اليد العاملة البشرية التي تحتمل استبدالها بالروبوت، لإنه في ذاك الوقت ستتولى شبكات من الآلات والروبوبتات القيام بنفس المهام التي ينفذها الأشخاص الحاليين، بالإضافة أن الشركات ستصبح مضطرة للتخلي عن موظفين لديها لصالح توظيف آلات لإن هذا من شأنه تخفيض في التكاليف وبالتالي المنافسة أكثر في الأسواق.

الرسم أدنا يظهر مدى المكاسب والخسائر التي ستمنى بها القطاعات التوظيفية في شتى أنحاء العالم حسب تقارير للمنتدى الاقتصادي العالمي.

مصدر الأرقام من تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل الوظائف، مصدر الصورة موقع swissinfo.ch

 

ختامًا لا يجب النظر إلى هذه الثورة على أنها سيئة فهذه الحالة الطبيعية للتطور والعمران مادام عقل الإنسان يفكر ويبتكر سيبقى يطور من طريقة الإنتاج ليوفر تكلفة ووقت وجهد، وفي نفس الوقت ستساعدنا نحن بني البشر على التخلص من العديد من الامراض المستعصية المنتشرة في العالم باستخدام اكتشافات وابتكارات جديدة في مجال النانو.

وتبقى الحسرة على مجتمعاتنا العربية التي بالأصل لم تلتحق بالثورة الصناعية الثالثة أصلا فكيف بها وهي ترى العالم ينتقل إلى الثورة الرابعة للصناعة…ثم إن معظم البلدان العربية اليوم تصارع إما من أجل الحرية أو من أجل البقاء فليس لبلد عربي حيز للتفكير بالثورة الصناعية لا الرابعة ولا الثالثة.

في النهاية لا يسعني القول إلا أنني كسوري بحثت عن من يمثل بلدي في المنتدى فلم أجد، ولكني وجدت من سيناقش مسألة اللاجئين (السوريين) وانعكاس حركة اللجوء على المجتمعات المتقدمة وكيف يمكن التقليل من حركة اللجوء في هذا العام هذا إن لم نقل إيقافها بالنسبة للسوريين على الأقل.